تختتم مساء يومه السبت الدورة الثانية والعشرين من مهرجان مراكش الدولي للفيلم، بعد أسبوع شهد عروضاً مكثفة ولقاءات مهنية جمعت سينمائيين من دول مختلفة، في أجواء طبعها التنظيم الدقيق وحضور جمهور شغوف و متحمس ملأ بكثافة قاعات العرض. و تميزت هذه الدورة بإيقاع هادئ ومركّز، سمح للأفلام بأن تتصدر المشهد، وللنقاشات أن تتخذ مساراً طبيعياً بين المخرجين والمهتمين بالشأن السينمائي.
وتأتي لحظة الإعلان عن الفائز بالنجمة الذهبية كذروة البرنامج الرسمي للمهرجان، بعد أن ضمّت المسابقة الرسمية أعمالاً تنتمي إلى اتجاهات جمالية متعددة وتعبّر عن حساسيات مختلفة. و تنوعت المواضيع المطروحة بين قضايا الهوية والذاكرة والتحولات الاجتماعية، فيما اتخذ عدد من المخرجين مسارات سردية تتراوح بين الواقعية المباشرة والاقتراب التأملي من التجارب الإنسانية الهشّة. كما برزت أفلام اعتمد أصحابها على بناء بصري متقشف يمنح للصورة دوراً مركزياً، مقابل أعمال أخرى اختبرت طاقة الخيال والتعبير الرمزي. وقد شكّل هذا التنوع خلفية لنقاشات نقدية متواصلة خلال أيام المهرجان، وأسهم في تعزيز حضور المسابقة بوصفها مساحة رحبة لاختبار طرائق جديدة لرواية العالم.
و يبدو أن مهمة لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج يونغ جون هو، لن تكون سهلة بحكم قوة الأعمال المتنافسة في المسابقة الرسمية، و تقارب مستواها الجمالي، رغم تباين الرؤى المحركة لها. في وقت تتضارب فيه ترجيحات الجمهور التي تسترشد بقراءات توجهها التفضيلات الفنية الشخصية و التناسب مع الانتظارات الجمالية.
وبموازاة المسابقة الرسمية، احتفى المهرجان خلال هذه الدورة بثلة من الأسماء التي تركت بصمتها في السينما العالمية، إذ مُنحت تكريمات خاصة لكل من جودي فوستر، وغويليرمو ديل تورو، والفنانة المغربية راوية ، والممثل المصري حسين فهمي. وشكّلت لحظات التكريم محطة وجدانية داخل البرنامج، حيث استحضرت مسارات فنية ممتدة عبر عقود، وبدت كوقفة اعتراف بتجارب أسهمت في تشكيل ذائقة أجيال من المتفرجين.
وشكّل عرض فيلم «الست» للمخرج مروان حامد إحدى المحطات اللافتة في هذه الدورة، إذ جاء كأول ظهور للعمل قبل انطلاقه في جولة عروض عالمية. وقد استُقبل الفيلم باهتمام كبير من الجمهور والمهنيين على السواء، نظراً لاقترابه من شخصية أسطورية في الذاكرة العربية ومعالجته لصورها ورمزيتها بأسلوب بصري متجدد. كما أثار عرضه الأول نقاشات واسعة حول خياراته الفنية وطريقة اشتغاله على إرث فني راسخ، مما جعله واحداً من أبرز الأحداث التي طبعت المهرجان خارج إطار المسابقة الرسمية.
وعلى امتداد الأسبوع، ظلّ المشهد اليومي للمهرجان قائماً على حركة متواصلة بين قاعات العرض ومساحات النقاش غير الرسمية التي جمعت المخرجين والنقاد والضيوف. و منح هذا الإيقاع للتظاهرة هوية مميزة تقوم على الاقتراب من السينما بوصفها تجربة مشتركة بين صناعها ومتلقّيها.
وتشكل أمسية السبت تتويجا لدورة بدت متوازنة في اختياراتها، واضحة في رؤيتها، وقادرة على منح السينما العالمية مساحة للتلاقي والتجريب. وتترك الدورة الثانية والعشرون بفعل كثافتها أثراً مضافاً في مسار هذا الموعد السينمائي، الذي يواصل ترسيخ موقعه كجسر يربط بين تجارب متعددة تبحث عن طرق جديدة لرواية العالم عبر الصورة.
مهرجان مراكش يصل اليوم إلى ذروته بالإعلان عن الفائزين بجوائزه
الكاتب : مراكش : عبد الصمد الكباص
بتاريخ : 06/12/2025

