تحول التعريفة الوطنية المرجعية الموقّعة في 2006 دون استفادة شرائح واسعة من المغاربة من تغطية صحية فعلية، تمكّن من اعتماد سياسة صحية وقائية، وتتيح ولوجا سلسا للخدمات الطبية والعلاجية، وذلك بسبب الكلفة المالية الثقيلة التي تظل على عاتق المؤمّن عند كل فحص يقوم به، انطلاقا من زيارة الطبيب مرورا بالقيام بالأشعة والتحاليل وصولا إلى الأدوية، دون احتساب الخضوع لتدخلات جراحية والمكوث في مصالح الإنعاش والعناية المركزة؟
ثقل مالي باهظ، يتحمّله المواطن بسبب التعريفة المتقادمة التي تم التوقيع على الاتفاقية الخاصة بها في 2006 والتي تم التأكيد آنذاك على ضرورة مراجعتها كل ثلاث سنوات، لكن الوضع ظل هو نفسه، في حين أن الأسعار عرفت قفزة صاروخية خلال كل السنوات المتعاقبة في كل المواد، وأرخت بظلالها وتبعاتها كذلك على المجال الصحي، مما يجعل المريض يتحمل حوالي 60 في المئة من القيمة المالية والنفقات المسددة التي تخص كل ملف مرضي باحتساب المصاريف المسترجعة والتي تكون هزيلة مقارنة بالمبلغ الإجمالي الذي تم أداؤه؟
وتحدد اتفاقية التعريفة المرجعية التعويض عن فحص الطبيب العام على أساس 80 درهما والطبيب المختص على مبلغ 150 درهما، في حين أن الجميع يعلم قيمة الفحص الفعلية عند الطبيب العام التي تتراوح ما بين 150 و 200 درهم، وعند الطبيب الأخصائي، التي تتراوح ما بين 300 و 600 درهم وقد تتجاوز هذا الرقم، بالنظر لأن اختلاف التخصصات دفع أصحابها إلى تحديد تسعيرات خاصة بهم كل حسب تخصصه، فطبيب الأنف والأذن والحنجرة ليس هو طبيب القلب والشرايين، والوضع يختلف مع الطبيب المختص في الأمراض النفسية والعقلية، وكذلك مع المختص في الطب الباطني، دون التوقف عند ما يرافق مراحل الاستشفاء والترويض وغير ذلك، وصولا إلى الأدوية التي يتم احتساب قيمة أدنى دواء جنيس إذا توفر عوض احتساب الدواء الأصلي الذي قد يكون وصفه الطبيب، مما يقلّص وبشكل كبير قيمة المصاريف المسترجعة مقارنة بما تم صرفه في رحلة العلاج!
وضعية غريبة وجد شائنة، تفرض نفسها على المغاربة عنوة، رغم إقرار المسؤولين عن القطاع الصحي بمساوئها، ومطالبة الفاعلين بتصحيحها، وضدا عن الإقدام على خطوة التوقيع على اتفاقية جديدة في 13 يناير 2020، التي جمعت كل الشركاء المعنيين باستثناء طرف واحد يمثل أحد الصناديق الاجتماعية، فتم تجميدها وظلت مجرد حبر على ورق بعيدا عن التفعيل والأجرأة، وهو ما يعني أن المغاربة وإلى غاية اليوم، وفي زمن تعميم التغطية الصحية وورش الحماية الاجتماعية الكبير، لا تزال الصعوبات المادية تعترض طريقهم للظفر بصحة جيدة ولمتابعة وضعهم الصحي وتفادي التبعات الوخيمة الثقيلة، صحيا واجتماعيا واقتصاديا، التي ترخي بتبعاتها ليس على المريض فقط، وإنما على أسرته وعلى المجتمع ككل.
وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قد توقف عند هذه النقطة في تقريره الأخير الذي صدر الأسبوع الفارط، حيث أشار في تشخيصه للإشكالات التي تعترض ولوج المواطنين للصحة، إلى أنه سجّل وجود تحدّ آخر يتعلق بالتعريفة المرجعية التي يتم على أساسها تعويض المؤمنين في مختلف أنظمة التأمين الصحي، مبرزا أن ضعفها مقارنة بما يدفعه الفرد يؤدي إلى تحمله لجزء كبير من مصاريف العلاج وشراء الأدوية، مما يدفع بعض الأفراد لصرف جزء كبير من دخلهم على مصاريف العلاجات رغم مساهمتهم في أنظمة التأمين الصحي، أو التخلي عن متابعة العلاجات في حالات عدم القدرة على دفع تلك المصاريف، مضيفا بأن التعريفات المرجعية المعتمد ظلت ثابتة منذ سنة 2006. هذا التشخيص الذي يعرفه الجميع والذي يكتوي بنيرانه المواطنون ويتحمّلون بسببه أمراضهم دفع عددا من المهتمين بالشأن الصحي مرات عديدة لطرح سؤال بات مستمرا ومتكررا مفاده متى يتم رفع هذا الحيف عن المواطنين حتى يستفيدوا من تغطية صحية فعلية؟