مواطنون يضعون إمكانياتهم ومحلاتهم رهن إشارة المغاربة لمواجهة تفشي داء كورونا

أنا سائق طاكسي,لي مريض وساكن بوحدو، ولا عندو المناعة ضعيفة وخاصو الدوا أو شي تقضية، نتسخر ليه نجيب ليه الامانة حتى للدار بالمجان”.

أمثال هذا السائق من طنجة كثيرون ..يبادرون كل حين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم خدماتهم للمواطنين بوسائلهم البسيطة لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد.
من البيضاء، طنجة وخريبكة وخنيفرة وغيرها، أطل علينا سائقو الطاكسيات الصغيرة يضعون سياراتهم في خدمة الشعب، كما وضع شباب آخرون دراجاتهم النارية تحت طلب الذين لايستطيعون، من المسنين وغيرهم، قضاء أغراضهم الملحة، خصوصا الأدوية، بدون مقابل .
شباب من بلادنا، لايملكون أرصدة في البنوك ولا عقارات، فقط إمكانياتهم البسيطة، يتسارعون لمد يد العون والمساهمة في مواجهة هذا الحصارالذي تفرضه كورونا على الجميع.
مواطنون بسطاء آخرون من أبناء هذا الشعب، يعلنون أنهم سيتخلون عن استلام إيجار الكراء لمساعدة المكترين على تدبير الأزمة، خصوصا وأن من بينهم من توقف عن العمل في المقاهي والمخبزات ومحلات الحلاقة والحمامات وغيرها…
من مرتيل مدير مدرسة خاصة يضع مدرسته «تحت تصرف الدولة لاستعمالها كمراكز استقبال المرضى وحافلات النقل المدرسي للاستفادة منها في أي شئ فيه مصلحة عامة للوطن».
أحد المطاعم الكبرى بالدار البيضاء بادرت إلى تقديم وجبات مجانية للأطباء والممرضين والشرطة والسلطات المحية في دورات العمل، نفس الفكرة تبناها أكثر من مطعم أيضا.
شباب من فاس بادروا إلى خياطة كمامات وتوزيعها بالمجان على الناس في ظل أزمة الكمامات والمضاربة التجارية عليها. بادروا من مالهم الخاص إلى شراء المواد الاولية وعملوا على خياطتها وتوزيعها في الشوارع بالمجان.
في ما عمد آخرون لشراء مواد تنظيف ووضعوها بجانب حاويات للماء في الأزقة والشوارع في الأحياء الشعبية.
وفي البيضاء أمس وضع طبيب قطاع خاص مصحته «سقراط «تحت تصرف الدولة للاستفادة من اسرتها وتجهيزاتها مجانا، خدمة للصالح العام.
الطلبة أيضا لم يخرجوا من دائرة الكرم المغربي، حيث صدر عن نادي «اليانزا «التابع للمدرسة الوطنية للتسيير والتدبير، بلاغ يتبرع فيه الطلبة بحصيلة مساهماتهم المادية في الأسدس الأول لخدمة الأسر المحتاجة.
نفس الفكرة بدرت من مجموعة من المتطوعين المغاربة الذين ساهموا براتبهم أو جزء منه لمساعدة أسر محتاجة أو أسر يعيلها «طالب معاشو» وهو حسب ما يتعارف عليه المغاربة كل من يعمل لتدبير القوت اليومي فقط، الذين وجدوا أنفسهم دون دخل وبالتالي دون أكل ودون متطلبات يومية .
من وادي زم سيدة من إحدى الجمعيات برفقة شباب من ورشة الخياطة بنفس الجمعية، انتهت للتو من خياطة كمامات سيتم توزيعها بالمجان على سائقي الحافلات والطاكسيات والبقالة بوادي زم.
مبادرات تطوعية تتوالى وتتواتر من أبناء وبنات الشعب على منصات التواصل الاجتماعي لايمكن عدها أو حصرها، تستدعينا للتوقف والإشادة بهذه الروح المغربية المعطاءة وبروح القيم التضامنية التي أبان عنها المجتمع المغربي والتي خبت لفترة من الزمن حتى اعتقدنا أنها اندثرت فينا وأننا أصبحنا شعبا عقيما لا نخصب الحياة.
في جانب آخر مضئ أيضا لأبناء الشعب في ظل أزمة كورونا، يبادر لاعبو كرة القدم المغاربة للمساهمة ماديا في صندوق محاربة الجائحة أو التكفل المباشر بالأسر المعوزة .كما يعمد نشطاء الفيسبوك على حث المواطنين على المساهمة بالمواد الغذائية لتوزيعها على الأسر المحتاجة ،علما أنهم ومنذ ظهور أول حالة بادروا إلى المشاركة في حملة تطوع لأي شكل من أشكال مواجهة الوباء.
وإذ نرصد هذه المبادرات الذاتية للمواطينن،لابد أن نشير إلى المساهمات المادية الهامة التي قدمتها جميع مٍؤسسات الدولة لصندوق محاربة جائحة كورونا الذي نادى الملك بإحداثه و وجد استجابة واسعة من طرف المؤسسات والأشخاص من كل الأطياف. وتبقى مساهمة معلم الابتدائي في التعليم القروي بنصف راتبه في الصندوق علامة فارقة على روح التضامن بالقليل قبل الكثير في مثل هاته الحالات العصيبة التي تمر منها البلاد.
مجهود كبير أيضا يقوم به بعض رجال ونساء التعليم الذين بادروا عن طواعية مباشرة بعد تعليق الدروس إلى نشر فيديوهات يشرحون فيها الدروس للتلاميذ عن بعد حتى يتمكنوا من متابعة الدراسة وهم قابعون في منازلهم.
ولعل من فضائل هذه المرحلة العصيبة هي يقظة الوعي الجماعي بضرورة القضاء على الابتذال الذي توغل في المجتمع وسارعت في انتشاره وسائل التواصل الاجتماعي ،حيث نادى شباب الفيسبوك بحملة «تنظيف الويب» من كل ما هو مبتذل والتشطيب على منابع الإسفاف فيه. أهي بداية وعي مغربي يتشكل من جديد ؟
رب ضارة نافعة، ولعل صدمة الخطر الذي تحيقه كورونا بالبشرية، أيقظت الوعي من حالة خمول الى حالة يقظة، وأصبحنا كمغاربة مطالبين بإعلاء قيمة الفكر والعلم والمساهمة كل من موقعه في محاربة مظاهر الإسفاف والابتذال التي طبعت مرحلة من زماننا المغربي كادت أن تعصف برصيد القيم المجتمعية التي تعارفنا عليها والتي طفت إلى السطح ثانية وبقوة في أول محك حقيقي لاختبار قدرة المغاربة على حماية الوطن والمواطنين.


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 20/03/2020