يعد تراثا طبيعيا بمؤهلات متنوعة
اتشح جبل أوكايمدن، الواقع في قلب جبال الأطلس الكبير بإقليم الحوز، برداء أبيض في الأيام الأخيرة، حيث عرف تساقطات ثلجية مهمة بعد طول انتظار، منحت هذا الموقع روعة وأعادت له حيويته السياحية المعتادة.
فبعد فترة من الجفاف بسبب التغيرات المناخية، بدأ أوكايمدن، الواقع على ارتفاع 2275 مترا، يستقبل زواره من عشاق التزلج على الجليد وغيره من الأنشطة الجبلية، المتاحة لعشاق رياضات أخرى.وجاءت هذه التساقطات الثلجية في الوقت المناسب، حيث أدخلت فرحة كبيرة على السكان والزوار.
وبعيدا عن دورها الهام في استدامة وتعزيز النشاط في هذا الموقع، فقد أحيت التساقطات الثلجية الأمل لدى سكان هذه المنطقة، وهم الذين يتطلعون إلى موسم أفضل، وذلك بغض النظر عن الأثر الإيجابي الذي يمكن أن يكون لها على موارد المياه و تغذية الفرشات المائية على صعيد الجهة.
أهمية اقتصادية وبيئية
يكتسي أوكايمدن أهمية اقتصادية وبيئية كبيرة، على الرغم من غلبة الطابع الموسمي على الأنشطة التي تمارس به (بشكل عام بين منتصف دجنبر إلى منتصف أبريل)، حيث يساهم هذا الموقع في تنويع العرض السياحي المحلي، ويوفر أجواء هادئة، والترفيه والاستمتاع، وربط الصلة مجددا بالطبيعة الجميلة.
ومن وجهة نظر تاريخية، يحظى موقع أوكايمدن، الذي يعد أعلى محطة للتزلج بشمال إفريقيا والأكثر تجهيزا في المملكة، بقيمة أثرية عالية، خصوصا مع وجود نقوش صخرية يرجع تاريخها إلى حوالي 2100 سنة قبل الميلاد.
أما بالنسبة لمساحة ممارسة التزلج في هذا الموقع، وعلى الرغم من أنها تبقى «متواضعة» حيث تمتد على ما يقرب من 300 هكتار، إلا أنه يبقى واحدا من أهم المواقع ذات البعد الدولي، بالنظر إلى المتزلجين الذين يتوافدون عليه من جميع أنحاء العالم.
وبتقدم الزائر على طول طريق من المنعرجات عبر تلال وجبال الأطلس الكبير في اتجاه موقع أوكايمدن الرائع، يجد نفسه محاطا بطبيعة رائعة تتيح مجموعة متنوعة من المناظر الطبيعية الخلابة تمزج بين روائح وألوان عدة، بين حمرة التربة والقرى والصخور والأحجار الرمادية، وخضرة الأشجار والبساتين وزرقة السماء الصافية.
وتعد زيارة هذا الموقع، الذي اتشح برداء أبيض، مغامرة دائمة ومستمرة، حيث تجمعت كل المكونات لتوفر للضيوف لوحة «طبيعية» جميلة، تجسد «المغرب العميق «بكل أصالته وسحره.
وعلى صعيد القرى الصغيرة، التي بنيت بالأحجار والطين، الواقعة عند سفح الجبال، كما لو أنها تشكل جزءا لا يتجزأ من الطبيعة، تنبعث أدخنة من مداخن المنازل الصغيرة، مما يوحي بتنوع الأطباق التي يتم إعدادها كل صباح، من المنتجات المحلية خصوصا، في منطقة مشهورة بكرم وبساطة أهلها.
وغير بعيد، يتجمع السكان والأطفال الصغار، في مجموعات صغيرة، على جنبات الطريق، تعلو محياهم ابتسامة عميقة وعفوية، وهم يحيون الزوار باستمرار معبرين عن ترحيبهم بهم.
خصائص وتقاليد
بمجرد الوصول إلى أوكايمدن، تجد المقاهي والمطاعم التقليدية، التي تطل على الجبال المكسوة بالثلوج وعلى موقع التزلج، متراصة على الطريق حيث تقدم وجبات إفطار غنية وشهية، مع شاي بالنعناع وأعشاب محلية وخبز الشعير المحضر بالطريقة التقليدية، والذي يقدم مع زيت الزيتون والعسل والزبدة والبيض البلدي.في هذه المطاعم، يمكن تذوق الطاجين المحضر في البيت بلحم الماعز أو اختيار تناول اللحم المشوي.
وفي منطقة التزلج، يواصل مدربو التزلج تقديم خدماتهم، وكذلك مؤجرو معدات التزلج والباعة الجائلون الذين يبحثون عن زبناء محتملين.
من جهة أخرى، تقوم السلطات المحلية بالتنسيق، خصوصا، مع الدرك الملكي ومصالح الجماعة بمجهودات من أجل توفير وسائل مكافحة المخاطر في الموقع والسهر على أمن وراحة زوار محطة التزلج بأوكايمدن، من أجل إقامة ممتعة بالمنطقة.
يقول آيت الحاج علي، مدرب التزلج، في تصريح لـ «وم.ع»، بشأن الصيت الدولي لمحطة التزلج بأوكايمدن، «إن المحطة تستقبل الزوار من جميع أنحاء العالم، لا سيما خلال نهاية الأسبوع والعطل»، مؤكدا على «الجهود الحثيثة التي تبذلها السلطات المحلية من أجل تنظيم المحطة»، لافتا إلى» فرحة السكان المحليين بعد التساقطات الثلجية الأخيرة، التي أعادت الروح لأنشطتهم، إلى جانب أثرها الإيجابي على احتياطيات المياه».
وفي السياق نفسه، يقول محمد أولحسن، ابن المنطقة، «إن محطة التزلج بأوكايمدن تكتسي أهمية اقتصادية وبيئية كبيرة»، مشيرا إلى «أن هذا الموقع يقع في منطقة جغرافية استراتيجية، ويزخر بتراث غني ومتنوع»، مبرزا «الحيوية الاقتصادية التي أحدثتها التساقطات الثلجية الأخيرة،» معربا عن «امتنانه وشكره العميق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على العناية السامية التي يوليها جلالته لسكان المناطق الجبلية والقروية، لا سيما في هذه الفترة من السنة التي تعرف أجواء باردة جدا».
من جانبه، أعرب محمد رماش، أحد زوار محطة التزلج بأوكايمدن، عن سعادته بتواجده في هذا الموقع السياحي الجذاب، مشيدا ب «الجهود المبذولة لتنظيم وتنظيف المحطة».
في انتظار إعادة الهيكلة
في انتظار إطلاق أشغال إعادة الهيكلة، في إطار مشروع وطني ضخم، موجه لتعزيز جاذبيتها وإنشاء «علامة معترف بها دوليا»، تظل محطة التزلج بأوكايمدن تراثا طبيعيا وواحدة من أكثر المواقع استقطابا للزوار من المغرب والخارج، خاصة في فصل الشتاء.و»باستثمارات إجمالية تقدر بـ 230 مليون درهم، سيمكن هذا المشروع المحطة من تقديم خدمات ذات جودة، وتعزيز قدرتها على الاستقبال وتوفير أنشطة غنية ومتنوعة، قادرة على وضع حد لإشكالية الموسمية.كما ستساهم في النهوض بمؤهلات الجبل ومحيطه المباشر، وتوفير منتوج متميز ذي إشعاع قوي، فضلا عن إعطاء دينامية مضطردة للمناطق المجاورة لجبل أوكايمدن، وكذا التحسيس بأهمية ممارسة الرياضة».