بِمَ تُراكَ تحلم الآنَ،
أَتَحلمُ الآن، حقاً،
يا إيــلـــي؟
وأنتَ مُوارَى في جوف العتمة،
تحت عمودٍ كهربائيٍّ
من إسمنتٍ متجهِّمٍ،
يئنُّ لأنينك القَصيِّ الغائرِ
كلما مرتْ به ريحٌ
أوْ
دَوَّمَ قُرْبَهُ
خَفْقُ جناحْ.
ولا شك أنك بَرْدانُ
لاتُدْفئكَ أسلاكُهُ ولا ثراهُ
ولن يوقظك مرورُ جُرْذٍ شاردٍ
ولا رائحةُ شواءِ قريبةٌ.
لــكــنّي،
سوف أُسْمعكَ الليلةَ
أغنيةً كنت تبغيها
وتتمايل عُجْباً وتيها.
لا تُجِبْني،
دَعْني في عَمايَ.
لا زلتَ معي
ولا زلتُ أفكر فيك
وأنْفَطِرُ.
نظراتُك المنطفئةُ
إِبَرٌ توخِزني
ومواؤك الممَزِّقُ الشّاكي
مُدْيَةٌ تثقبُ ظلّي،
واحتكاكُك بي
شكراً أقرأُهُ،
وَحَمْداً على نعمةٍ صادفْتَها
وأخطأتْ أمَّك الباكيةَ
وأباك الشريدَ.
رضيعاً جئتنا
اختطفناكَ..
خوفا عليك من الجوعِ
ومن حجارة الأشقياءِ.
ولقد أرْبَكني موتُك المباغتُ
يا صــغـــيـــري،
وأنت مُودَعٌ في
قفص البيطريِّ الصّديءِ،
أعطيناك حياةً ثانيةً
لكنك مُتَّ بالحمّى الصفراءِ
كما أُخْبِرْتُ
ولستُ بمصدقٍ ما قاله الحكيمُ.
وهل لي أن أسألَكَ،
وقد فات الأوانُ:
ــ ما ذا أكلتَ من خَشاشٍ خارجَ البيتِ ؟
وكنا لا ندَّخِرُ جُهداً في
جلب الغالي والثمين،
كنا نأتيك بالخفيف والثخينِ؟.
إيــــلـــي..
يا إيــــلـــي:
كل ركن يبكيك،
وهو يتنشَّقُ بقايا لُجَيْنِ زَغَبِك،
وصحنك الرماديُّ محفوظٌ
فوق رفِّ الأيام ورمش العيونْ
يرعاهُ لبلابٌ في حوش الدارِ..
وربما مُتَّ سريعاً
لتنسى الأزقةَ والدروب الوسِخَةَ
تلك التي ـ يا كمْ ـ ذَرَعتْها أمُّكَ
وانتهى بها الغدو والرواحُ الخائبُ
إلى بيعك وبيع إخوانك
ولم تَسْتَلِمْ مثقال ذرةٍ
من أكلٍ ومـــاءْ.
سأبدِّدُ الظلامَ الذي يَحويكَ
وأمزقُ أردانَ الغياب التي تطويكَ
فلقد جلبت لك سراجاُ منيراً
وشمعةَ مُتَبتِّلٍ
تُريكَ المكانَ الصَّدْيانَ
الذي أنتَ فيهِ
وتُضيءُ في عينيْكَ
سِني بهجتَكِ
وذكرى وَثْبِكَ من
أعلى نافذةِ
في الطابق الثاني
حين تحولّْتْ قوائمُكَ إلى أجنحةٍ
كأمهر أَكْروباتٍ في الكون.
فهل نَسيتَ كيف التقطناكَ
مشْدوخَ الجبهةِ
داميَ الأنفِ
دَبِقَ المخاط واللَّمْعَةِ مثل حلزونٍ،
فاتراً..خاملاً، حائرَ العينين،
كأنك كنتَ تسألُ:
ـ أحقّاً طِرْتُ لحظةً
وانْكَفأْتُ،
كيف جَسُرْتُ،
وكيف لمْ أَمُتْ؟.
وهل سمعتَ نشيجَ الصغيرة « ليليانْ «
وإضْرابَها عن الطعامِ،
ووُجُومَ مُتعَهدك َ الحزْنانْ؟.
نَجَوْتَ لتموتَ بعدها
( كما يموت العير )ااا
أنتَ الذي لم يفْتَأْ يقفزُ
ويشحذُ مخالبَه الرفيعَةَ على
حَوَافِّ الخشبِ والأريكةِ الرماد
مُبَصْبِصاًومنتشياً في
كل الغرف وكل الزوايا.
ولكنْ،
ماذا في طوقي أنْ أفعلَ
يا إيــــلــــي..؟
سأنساكَ قليلاً
وأدَعُ الزمانَ
ينمو كالعشبِ
فوق قبركَ،
والريحُ تَزْأَرُ موَلْوِلَة
حَـــوَالَــيْــــكَ.
مَــرْثــاةُ إيـــلـــــي
الكاتب : محمد بودويك
بتاريخ : 24/01/2025