هذه الحكاية، حكايتي، أصبحت أيضا حكاية جماعية، عامة ديموقراطية، جمهورية وسياسية، حكاية فرنسية لأنني وزيرة في الجمهورية، وأنني حملت كلمة بلادي، وفي بعض الأحيان تتمثل هذه البلاد في وجهي، لا هي حكاية جميلة ولا سيئة، فقط هي حكاية حقيقية.
بالنسبة لي قبل 39 سنة، الحياة رحلة بدأت في بني شيكر بالمغرب، ولا أعرف تماما كيف هو مسارها، أو بالأحرى أحاول ألا أعرف … بالمقابل، أعرف جيدا لصالح من أعمل كل صباح، كل مساء، في كل مرة أركب الطائرة، أغيب عن عائلتي، أعتذر عن حضور احتفال بنهاية السنة، أو عندما تتصل بي والدتي لتقول لي إنها لم تعد تراني، مؤاخذات حنونة، إنه شيء فظيع.
واليوم لا أعتقد أنه بإمكاني أن أتوقف هنا، أن أقول بأنني كنت ناطقة باسم الحكومة، وزيرة لحقوق النساء، وزيرة للمدينة، للشباب والرياضة، ووزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي، بأنني وضعت قوانين ووقعت مراسيم، تلقيت ضربات، تكلمت في البرلمان.. ضحكت من صوري من هفواتي، وبالأخص استمتعت وسط هذا الصخب، وأيضا كوني كنت محبوبة، ولي أصدقاء في كل الظروف، كل هذا صحيح ومثير وقاس، لكن هذه ليست فكرة هذا الكتاب. الفكرة هي أن أتحدث عن فرنسا، عن فرنسا بلدي، فرنسا بلدنا…
ما الذي يزعجني في كل ما تبقى؟ رفض التمثيلية والهيئات الوسيطة التي تشكل في نظري لحمة اليومية الديمقراطية والفكرة القائلة بأن هذه الهيئات الوسطية “»تمنع”« بزوغ نقاش حقيقي، وأنها بالضرورة “حِجْر”« واستعادة للسيطرة من طرف “»النظام”.« كل هذا يبدو لي خاطئا وغير ديمقراطي، وهذا يعني الجميع، والفرنسيون يقولون ذلك من خلال استطلاعات الرأي المتتالية، فبالنسبة لهم ما لا يسير كما يجب في ديمقراطيتنا ليس فقط السياسة، لكن أيضا وسائل الإعلام والمثقفون ورؤساء المقاولات والنقابات فلا أحد مستثنى، وهكذا بدأنا نرى،شيئا فشيئا، عودة نظام سلطوي بالكاد يرى.. ياله من تناقض بالنسبة لهؤلاء المواطنين الذين لا يحسون بأنهم ممثلون.
و من المؤكد أنه يتعين التحرك بشكل مختلف، مع رفض هزم الديمقراطية بأي ثمن، فما الذي سيعوضها؟ أنترك الجميع يتكلم؟ وفي أي موضوع؟ أنترك كل واحد ليكون خبير ذاته، دون أن ينظم أحد النقاش أو أن يكون هناك من يمثل المجموعات، ولا أجرؤ على قول الشعب، هل نترك النقاش يتيه ليلا ونهارا ويصبح عموميا في ساحة رمزية كبرى، وفي نفس الساحة الضخمة وغير المراقبة والغنية، أي شبكات التواصل الاجتماعية المبتكرة والمسيرة والمراقبة من طرف المجموعات الأمريكية الكبرى، ولكن هذا نقاش آخر، وباختصار، فإن مجتمعنا بدون قواعد، مجتمع خاضع باستمرار لخطر العنف والهيمنة والتفرقة المتواجدة فينا كبشر، لأننا، بكل بساطة، مختلفون و الديمقراطية التي تقر بهذا الشرخ فيها يتمثل دورها ليس في إرجاع كل شيء إلى الوحدة، وإلى شعب مطلق محكوم بالهوية الواحدة، بل يتمثل دورها في تنظيم كل هذه الأشياء.
هناك الكثير من الحقيقة في كل ما أسمع كل يوم ضد السياسة والأحزاب والمؤسسات، فهي انتقادات جيدة ومشروعة، ولكن هناك أيضا الكثير من السهولة والتبسيط، وسواء تعلق الأمر بانتقادات داخلية أو انتقادات مواطناتية، فالنظام ليس مغلقا إلى هذه الدرجة، فنحن لا نعيش في ظل دكتاتورية، ولكن من ينخرط اليوم في الأحزاب السياسية لتغييرها من الداخل؟ لا أحد، من ينخرط في النقابات لدفعها للتطور وجعلها أكثر تمثيلية؟ لا أحد، أو هم قليلون، إن من السهل جدا الاحتجاج والسخط والإدانة من الخارج كما لو أنه من الممكن الانسلاخ عن الجسد الاجتماعي الذي ننتمي إليه.
وأنا التي كنت منتخبة محلية استطعت أن أشهد بأن مشاركة واستشارة المواطنين هي شيء موجود ويشتغل… إذن لنغير التنظيمات لنغير المؤسسات والدساتير لنخلق “غرفة دائمة لندوات التوافق والحوار المواطن”، نعم بالتأكيد، ولكن علينا ألا نخطئ المهم.
في جذور الأشياء هناك دائما ضرورة الانخراط وقبول عدد من الإكراهات من أجل التقرير والفعل والتجميع، إذن لنجدد الوعد بديمقراطية مثالية كاملة يكون فيها كل واحد على حق، صوته مسموع ومرتاح تماما للقرارات المتخذة.
وكوني كنت ناطقة باسم الحكومة فقد سمح لي في بعض الأحيان، ليس كما كنت أتمنى، بأن التزم بهذا الخطاب النزيه أمام الناس، ولكنني أحسست ،بسرعة، بالإحباط من التمرين الشكلي المتمثل في إعطاء تقارير اجتماعات مجالس الوزارة أمام الصحفيين كل أربعاء، والتي غالبا ما كانت تتطرق للأحداث الراهنة، وترديد نفس الكلمات الصغيرة الآنية، غير أنني قررت أن أبتكر وأن أتوجه مرة في الشهر إلى جهة، وانضم فيها »ناطقة رسمية« لا مركزية، كان ذلك تمرينا بيداغوجيا للمواجهة مع المواطنين يسمح لي بالالتقاء مجددا مع أفضل لحظات الحملات الانتخابية أو لحظات الحياة المحلية. عديدة هي الأماكن والقاعات العامة بالعديد من المدن، التي احتضنت لقاءات لشرح عمل الحكومة ثم الانخراط في الرد على أسئلة حضور متنوع سكان، مقاولون، عاطلون، أجراء، متطوعون منتخبون، كانت الدعوات واسعة والنتائج في المستوى. فنحن لسنا في لقاء حزبي، وبالتالي يشعر الجميع بأنه معني، لا مراقبة على من يتدخل، والأسئلة تتقاطر دون رقيب: وضع سياسي ما، قرارات حكومية، عدم فهم، بطء إداري، مطالب جماعية، وكثير منها شخصية، وهنا أحس بنبض فرنسا بدون وسيط. فرنسا التي تريد أن تبدي رأيها الذي يشهد على ما تعيشه، ولكن أيضا فرنسا التي نشرح لها الأمور بشكل أفضل. لن نفي الكلام حقه للحديث عن استحالة الربط فعلا بين الإجراءات المعلنة في المركز والحياة الواقعية. في خضم هذا السيل الهائل من المعلومات وحيز مهم للجدالات التي لم تعد تترك مكانا للمعنى وتشرح بشكل واسع عدم اللجوء الفظيع وشبه الدائم للحقوق. الإعاقة، الولوج إلى العلاجات، شبكة النقل، جودة وإطار الحياة، القدرة الشرائية، التشغيل، هذه هي المواضيع التي تشغل بال من يجلسون أمامك.
وهكذا يصبح هذا التمرين قيما، وبالنسبة لي أنا كممثلة للحكومة. لأنه إذا كانوا هم يرون أن الدفعة الصغيرة للحد الأدنى من الأجور هذه السنة كانت دفعة محدودة، فبإمكاني أنا أن أحدثهم عن تأطير الأكرية وعن انخفاض سعر الغاز منذ يناير، أو رفع مساعدات الدخول المدرسي. و بالتالي إعطاء صورة مكتملة وليس فقط التركيز على النقطة السوداء الوحيدة التي يتركز عليها الاهتمام. ولكن بالنسبة لهم خصوصا، لأنه بسرعة، وحول كل واحدة من السياسات المثيرة للجدل التي هي وراء الأسئلة الموجهة لي أنا التي في الواجهة، فإن جدلا حقيقيا يبدأ بينهم، وليس أفضل من قاعدة متنوعة مثل هذه لتجسيد المطالب والأفكار المتناقضة والمصالح المختلفة، مصالح المقاول الذي يرى مثلا أننا لن نقدم أفضل خدمة للاقتصاد الفرنسي، إلا بالقيام بخفض مكثف ولا مشروط للتكاليف، ثم مصالح الأجير الذي يشتغل بعقد محدد في الأجل والذي لا يفهم لماذا لا يستطيع الوصول إلى الحقوق الاجتماعية والتعويضات عن المرض. فمثل هذا التبادل بين المواطنين، الذي أحتاج بالكاد للتعليق عليه، هو الذي يجعل الناس يفهمون ويعون بأن التكاليف الاجتماعية كما نقول اليوم، هي أولا وقبل كل شيء مساهمات موجهة لحماية المأجورين من تقلبات الحياة، هؤلاء الأجراء الذين يقدمون قوة عملهم وفكرهم التي بدونها ما كان للمقاولة أن توجد.