ندوة حول الواقع الصحي بمكناس: اختلالات عميقة وتحديات كبرى

 

تماشيًا مع مبادراته التواصلية والإشعاعية مع مختلف الفئات الاجتماعية، نظم فرع حمرية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ندوة تحت عنوان “:مكناس إلى أين؟ قطاع الصحة نموذجًا”، احتضنتها قاعة الاجتماعات بالمعهد البلدي للموسيقى.
افتتحت الندوة الدكتورة ابتسام اليحياوي، نائبة كاتب فرع حمرية، بكلمة مقتضبة رحّبت فيها بالحضور الغفير، مشددة على أهمية الموضوع وراهنيته، ومسلطة الضوء على الوضع المتأزم للقطاع الصحي في مكناس.
من جهته، عبّر هشام رزكي، كاتب الفرع، عن شكره للحاضرين الذين لبّوا دعوة الاتحاد الاشتراكي رغم الظروف الجوية، مؤكدا على أهمية القطاع الصحي في ظل الأوراش الكبرى التي أطلقها جلالة الملك، والتحديات التي تواجهه، من ضعف البنية التحتية ونقص الموارد البشرية إلى تدني جودة الخدمات الصحية. كما أشار إلى الإضرابات المتكررة للعاملين في القطاع، وعلى رأسها الإضراب التاريخي لطلبة كليات الطب بالمغرب، الذي كشف عن إخفاق الحكومة في تدبير هذا الملف.
وأبرز هشام رزكي دور الاتحاد الاشتراكي في الدفاع عن القطاع الصحي باعتباره ركيزة أساسية لبناء الدولة الاجتماعية، مستحضرًا مساهمة الراحل عبد الرحمان اليوسفي في إرساء أسس نظام التغطية الصحية الأساسية من خلال القانون 65.00، الذي جعله يُلقّب بـ “أب التغطية الصحية الأساسية في المغرب”.
تحليل للوضع الصحي بمكناس
في مداخلته، سلّط الدكتور محمد القدوري، نائب الكاتب الإقليمي للحزب، ومستشار بالجماعة الترابية لمكناس، الضوء على التدهور الخطير الذي يعرفه القطاع الصحي العمومي، حيث استعرض اختلالاته الهيكلية وتأثيرها السلبي على صحة المواطنين، خاصة الفئات الهشة التي تعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف القدرة الشرائية. وأشار إلى أن ضعف الخدمات الصحية العمومية يدفع الكثيرين إلى اللجوء للقطاع الخاص، الذي يظل بعيد المنال بالنسبة لشرائح واسعة من المجتمع.
كما تناول الدكتور القدوري البعد البيئي كعامل مؤثر في الصحة العامة، مبرزا المخاطر الناتجة عن التلوث الصناعي، والمياه العادمة، والنفايات الطبية غير المعالجة، إضافة إلى انتشار الأمراض المعدية مثل السل، والإسهال، والسرطان، وفقر الدم. ليطرح التساؤل الجوهري التالي:
هل لا تزال مدينة مكناس بيئة ملائمة للعيش وحفظ الصحة؟
وأكّد أن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في تقييم مدى قدرة المنظومة الصحية الحالية على توفير الرعاية الطبية المناسبة للساكنة، وهو أمر يطرح تحديات كبيرة في ظل الاختلالات القائمة.
كما تطرّق إلى تفشي الفوضى داخل المستشفيات العمومية، حيث أشار إلى أن بعض حراس الأمن التابعين للشركات الخاصة تجاوزوا مهامهم الأمنية وتقمصوا أدوارًا تخص الأطقم الطبية والتمريضية، مما أدى إلى أضرار صحية ونفسية خطيرة للمرضى.
وأشار أيضًا إلى التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، الذي وصف الوضع الصحي بمكناس بأنه كارثي ومتردٍّ على جميع المستويات، مما يضع الدولة أمام مسؤولية كبيرة تجاه هذا القطاع، خاصة وأن الدستور المغربي لسنة 2011 ينصّ على الحق في الصحة كحق أساسي للمواطنين.
التغطية الصحية والحماية الاجتماعية
من جهته، قدّم محمد الدحماني، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والكاتب العام السابق للنقابة الوطنية للصحة العمومية، مداخلة أكّد فيها على أهمية تنظيم هذه الندوة باعتبار أن الصحة العامة تشكّل أحد الركائز الأساسية للعدالة الاجتماعية.
وأشار إلى أن تعميم التأمين الإجباري عن المرض كان محور نقاش خلال محطات الحوار الاجتماعي مع النقابات، ما أدى إلى بلورة مشروع الحماية الاجتماعية، بهدف ضمان ولوج جميع المواطنين للخدمات الصحية العمومية وفق ما ينص عليه الدستور، وخاصة الفصل 19، الذي يكفل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لجميع المغاربة.
كما استعرض الدحماني التحديات التي تواجه تعميم التغطية الصحية، خاصة في ظل هيمنة اللوبيات المتحكمة في القطاع الصحي، واحتكار شركات الأدوية والخدمات الطبية الخاصة، مما أدى إلى تسليع قطاع الصحة وجعله مجالًا للربح على حساب صحة المواطنين.
وأشار أيضًا إلى أن أزمة نقص الموارد البشرية الطبية تفاقمت بشكل كبير خلال جائحة كورونا، ما كشف عن محدودية العرض الصحي العمومي وعدم قدرته على مواجهة الكوارث الصحية.
وضرب مثالًا بـمستشفى محمد الخامس بمكناس، الذي يعاني من ترد واضح في الخدمات الصحية، وانتشار ممارسات غير أخلاقية، مثل تسييس الولوج إلى الخدمات الطبية واستغلال المرضى من طرف سماسرة يتاجرون في صحة المواطنين، في غياب أي رقابة أو محاسبة.
أبرز التحديات والحلول المقترحة
ولإصلاح المنظومة الصحية على الدولة العمل على :
إصلاح شامل للقطاع الصحي العمومي من خلال وضع رؤية استراتيجية واضحة؛
تعزيز الحماية الاجتماعية وضمان حق المواطنين في الولوج إلى العلاج؛
مراقبة القطاع الخاص لمنع الاحتكار والاستغلال التجاري لصحة المرضى؛
محاربة الفساد الإداري والتسيب داخل المستشفيات العمومية؛
تحسين الظروف البيئية للحد من انتشار الأمراض المرتبطة بالتلوث؛
الرفع من عدد الأطر الطبية وضمان توزيع عادل لها على المستوى الوطني.
هذا وأجمع المتدخلون في هذا النقاش العمومي الذي فتحه الاتحاد الاشتراكي بمكناس منذ سنة تحت شعار ” مكناس إلى أين ؟ ” ليختار محورا يستأثر باهتمام ساكنة مكناس كما هو الشأن في هذه الندوة التي سلّطت الضوء على واقع الصحة العمومية بمكناس. وأشاد الحاضرون بطرح الحزب هذا الموضوع للنقاش، معتبرين إياه ” القفة الحقيقية التي يسلمها الاتحاد الاشتراكي في هذا الشهر المبارك، تماشيا مع الدور المنوط بالأحزاب السياسية القاضي بتأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور.  وطالبوا السلطات المعنية باتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الخدمات الصحية وتخفيف معاناة المواطنين في الولوج إلى العلاج.

 


الكاتب : متابعة: يوسف بلحوجي - حسن جبوري

  

بتاريخ : 19/03/2025