ندوة علمية بزاوية الشيخ لتشخيص سبل استجلاء تاريخ المنطقة وربط تراثها المتنوع بالرهانات التنموية

 

احتضن «فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير» بمدينة زاوية الشيخ مؤخرا، فعاليات ندوة علمية حملت عنوان «جوانب من تاريخ زاوية الشيخ وقبيلة آيت أم البخت وتراثهما»، والتي جرى تنظيمها في إطار الاحتفاء الوطني بشهر التراث، حيث نُظمت هذه المبادرة الثقافية بشراكة بين «الجمعية الثقافية لزاوية الشيخ»، و»فضاء الذاكرة التاريخية»، و»مركز أݣورا للدراسات الإعلامية والاجتماعية والسياسية»، وسعت إلى استجلاء أوجه متعددة من تاريخ المنطقة وإبراز مكونات تراثها المادي واللامادي.
عرفت الندوة حضورا وازنا ضم أساتذة باحثين، فاعلين جمعويين، طلبة، تلاميذ، وإعلاميين محليين وجهويين، وامتدت على مدار ثلاث جلسات، افتتحت بكلمات تأطيرية قدمتها د. لالة مريم الداكي، ثم كلمة أسامة باجي، رئيس الجمعية الثقافية، تلتها مداخلة ذ. عبد الرحيم أودمجان، عن مركز أݣورا، أكدت في مجملها على مركزية التراث المحلي في بناء الوعي الجماعي، وعلى ضرورة إشراك مختلف الفاعلين في صيانته وتطوير آليات حفظه ونقله للأجيال القادمة، في سياق يروم تثمين الذاكرة الجماعية وربطها بقضايا التنمية والهوية.
الجلسة العلمية الأولى، التي ترأسها ذ. عبد الرحيم أودمجان، تمحورت حول «البعد الاجتماعي والاقتصادي لتاريخ المنطقة»، حيث قدم د. عبد الواحد فينيك، من جامعة الحسن الثاني، مداخلة بعنوان «الماء وتنظيم المجال بزاوية الشيخ»، تناول فيها مظاهر الغنى الهيدرولوجي للمنطقة وعلاقته بالتنظيم المجالي والاجتماعي، فيما سلط ذ. عبد الرحمان زهواني، الباحث بكلية الآداب ببني ملال، أبرز «العرف في تدبير مياه السقي التقليدي»، بتركيزه على دور الأعراف في تنظيم الموارد الطبيعية ومثيرا تساؤلات بحثية جديرة بالاهتمام الأكاديمي.
أما د. عبد الصمد الحدوشي، فقد شارك بمداخلة حول «التراث المعماري بجبل آيت أم البخت»، تناولت التحولات التي عرفها العمران المحلي من زوايا اجتماعية وتاريخية وثقافية، في قراءة تأويلية تؤطر المبنى في أبعاده الرمزية والتاريخية، ذلك قبل انطلاق الجلسة العلمية الثانية، التي أدارها ذ. محمد الغلام، والتي خصصت لبحث قضايا التراث الثقافي، حيث افتتحت بمداخلة للطالب عبد الرحيم أوشن، المنتمي لشعبة التاريخ والحضارة، مقدما قراءة نقدية لقضايا الهوية المحلية في ضوء تحديات الحاضر، وأبان عن نضج فكري وبحثي واعد.
كما تناول ذ. عبد الغني السراضي، القيم على فضاء الذاكرة، جهود المؤسسة منذ إنشائها، مشددا على الأثر الإيجابي الذي أحدثه الفضاء في الحقل الثقافي المحلي، وعلى الرهان المستقبلي المتعلق برقمنة الذاكرة وتعميم المعرفة التاريخية، واختتمت الجلسة بمداخلة ذ. أسامة باجي، الذي قدم قراءة مركبة في العلاقة بين الصحافة والتاريخ، مبرزا كيف يمكن للخطاب الإعلامي أن يتحول إلى أداة لتأصيل الهوية والتأريخ للمجال، في ظل سياق دولي يتطلب من المجتمعات الدفاع عن رواياتها الذاتية وإرثها الثقافي.
وتميزت هذه الندوة أيضا بمشاركة فاعلة من الحضور، حيث أُثيرت أسئلة نقدية ومداخلات غنية تناولت تحديات البحث التاريخي المحلي، وطرحت إشكالات التفاعل بين الأكاديمي والسياسي في التعاطي مع التراث والذاكرة، وقد توج اللقاء بتلاوة توصيات هامة صادرة عن مجمل العروض والنقاشات، من بينها «الدعوة إلى ترميم المعالم التاريخية»، و»تنظيم مدارات سياحية ثقافية»، و»توثيق المداخلات العلمية في إصدار خاص»، و»الاشتغال على رقمنة الذاكرة المحلية وتوفير قاعدة بيانات للباحثين».
ذلك إلى باقي التوصيات، منها أساسا ضرورة «دعم الإنتاجات الإعلامية والتواصلية حول تراث زاوية الشيخ»، و»تشجيع الشباب على الانخراط في مشاريع سردية توثق الهوية»، مع «اعتماد الندوة كتقليد سنوي يرسخ الدينامية العلمية بالمنطقة»، ليختتم اللقاء في أجواء احتفائية طبعها التقدير المتبادل وروح الانتماء، حيث وزعت شهادات تقديرية على المشاركين في الندوة التي جسدت حيوية المجتمع المحلي بزاوية الشيخ، وإيمانه الراسخ بجدوى استحضار الماضي وربطه بقيمه التاريخية ورهاناته التنموية.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 24/06/2025