جمال الصباني: ضرورة توحيد التعليم العالي في جامعات موحدة المعايير
طلبة متضررون وأولياء أمور: قرارات عشوائية ومتسرعة أفقدتنا الثقة في حكومة خيبت آمالنا
لم يكن مفاجئا أن تتراجع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عن نظام البكالوريوس، مطلع الموسم الجامعي الحالي 2021/2022، رغم ما كانت تبشر به من إيجابيات هذا المشروع منذ 2018، في العديد من الملتقيات والأيام الدراسية والتواصلية، والمذكرات والبلاغات…
وقد تعددت مبررات هذا التراجع، إلا أن أهمها رأي هيئات متخصصة، وعلى رأسها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
في هذا النقاش الذي أثرناه عقب ما خلفه التراجع عن نظام البكالوريوس من رفض واستنكار للطلبة المعنيين وأولياء أمورهم في سياق باشرت فيه المؤسسات الجامعية مجموعة من التدابير التي تصون للطلبة حقوقهم في مواصلة دراساتهم، حسب مسؤولي وزارة التعليم العالي، أكد الكاتب العام لنقابة التعليم العالي ومجموعة من المتدخلين الطلبة الذين استقت الجريدة آراءهم، أن الجامعة بحاجة إلى إصلاح جذري وليس إلى حلول ترقيعية لا ترقى إلى مستوى التطلعات.
رجع جمال الصباني في إجابته عن سؤال التراجع عن البكالوريوس إلى المحطات التاريخية لمنظومة التعليم العالي مؤكدا في معرض جوابه أن نقابة التعليم العالي تطالب بإصلاح شمولي لنظام التعليم المغربي، مشددا على أن الإصلاح يجب أن يكون من الأساس، مع ضرورة توحيد التعليم العالي في جامعات موحدة المعايير متعددة التخصصات.
وقال الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، إن المشكل الأساسي للتعليم الجامعي ببلادنا يرجع إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حين اختارت الحكومة إفراغ الجامعة من جميع التكوينات الممهننة بحيث أسست كل وزارة مؤسسة تابعة لها، وبدأ تكوين النخب يخرج تدريجيا من الجامعة عندما شرعت كل وزارة في الإشراف مباشرة على تكوين أطرها، في مؤسسات تكوين الأطر مع بداية الستينيات (المعهد الزراعي 1963، المدرسة الغابوية 1970، المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، المعهد الوطني للبريد والمواصلات، المدرسة الحسنية و1971…)، واختصت هذه المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود في التكوينات المهنية وبإمكانيات محترمة، لكنها حُرمت قانونا من البحث العلمي. أما المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح فتخصصت تدريجيا في تكوين أكاديمي وبإمكانيات هزيلة، هذه الازدواجية ستؤدي إلى مؤسسات تقدم تكوينات ممهننة بدون بحث علمي، وجامعة بدون تكوينات ممهننة، الشئ الذي يؤدي بالمغرب إلى «تصدير»، أو بالأحرى إلى إهداء، ومن تمَ إلى إهدار معرفة أكاديمية لا يَقْدِرُ على استغلالها، واستيراد معرفة تقنية لا تتوفر له الإرادة السياسية للعمل على إنتاجها. ومع مرور الوقت، سيُعتبر البحثُ العلمي من الكماليات، وبتأسيس جامعة الأخوين، انتقلنا في التعليم العالي من الازدواجية إلى الثلاثية: جامعي ممهنن مؤدى عنه بالنسبة للميسورين، وممهنن انتقائي بالنسبة لأبناء الطبقة المتوسطة، وجامعي أساسي بالنسبة لأبناء الطبقة الكادحة. وهكذا أصبح التعليم آلة للإقصاء ولإعادة إنتاج التراتبات الاجتماعية ضدا عن مبدأي تكـافـؤ الفـرص.
وكمثال على ذلك فقد اتجه 11 في المئة من التلاميذ الناجحين في الباكالوريا سنة 2018 للاستقطاب المحدود و85 في المئة للاستقطاب المفتوح، ولكي يتم تسجيل هذا العدد الهائل سيتم تحجيم الجانب المادي والتطبيقي والتركيز على النظري.
مشيرا في نفس السياق إلى أرضية لنقابة التعليم العالي أبرزت أنه في تقرير لليونسكو (2009) لم يتمكن المغرب من تسجيل في التعليم العالي إلا 13 %من المجموعة العمرية 19-24. وفي نفس السنة، سجلت مصر 28 %وتونس 34 %وفرنسا 55 %ورومانيا 67 %وفنلندا 91 %! إذا كانت هذه الأرقام تدل على فشل كمي مؤكد فإنها مقتصرة على عدد المسجلين فقط. وبما أن عدد الحاصلين على الشهادات هو أضعف بكثير، وبما أن جزءاً فقط منهم سيحصل على عمل، يكون الفشل نوعياً كذلك. وبهدف بناء المدرسة المغربية مباشرة بعد الاستقلال (سنة 1957) سيعتمد المغرب على المبادئ الأربعة : المغربة والتعريب والتوحيد والتعميم. لكن بعد خمسين سنة من التجارب والإصلاحات المختلفة لم يتحقق أي هدف من الأهداف الأربعة باستثناء مغربة الأطر، حسب ما جاء في ذات الأرضية .
فقد أسست حكومة عبد الله إبراهيم أول جامعة مغربية عصرية (جامعةَ محمد الخامس) سنة 1959من أجل مغربةُ الأطر، التي تعتبر خطوة أساسية لاستكمال الاستقلال. وقد مكنت الاستقلالية الممنوحة لهذه الجامعة من إعادة تنظيمها بشكل سريع، إذ حولت معهد الدراسات المغربية إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وأسست المعهد البيداغوجي، الذي تحول إلى المدرسة العليا للأساتذة، وأسست كلية الطب والمدرسة المحمدية للمهندسين…هكذا، وفي ظرف وجيز، أصبح المغرب يتوفر على جامعة عصرية مستعدة لإنتاج المعرفة وتكوين النخب في مختلف المجالات. لكن سرعان ما تم التخلي عن هذه السياسة الواعدة، وذلك بالشروع في تكوين النخب تدريجيا خارج الجامعة، أما بالنسبة للتعريب فهذه العملية لم تنطلق إلا خلال الثمانينيات، حيث تمت بطريقة متسرعة ومرتجلة وتوقفت عند الباكالوريا، مما أدى إلى وصول أجيال غير متمكنة من أية لغة، إلى تعليم عال يُدرس بالفرنسية. وفي ظل هذا العبث اللغوي، لا تستطع إلا أقلية محظوظة بفضل تكوين مواز أن تتجاوز هذا القصور اللغوي. هذه السياسة أدت إلى تقسيم الفضاء التعليمي إلى جزء داخل الجامعة وجزء آخر خارجها، وإلى تقسيم الزمن التعليمي إلى تعليم باللغة العربية قبل الباكلوريا وتعليم باللغة الفرنسية بعدها ومعالجة هذا الخلل البنيوي، حسب نقابة التعليم العالي ، يستلزم بلورة سياسة واضحة في لغة التدريس وتدريس اللغات.
أما مبدأ تعميم التعليم فقد ظل، رغم المجهودات المبذولة والنتائج الكمية، دون بلوغ الهدف المنشود، رغم كونه يعتبر الحد الأدنى الضروري لضمان العدالة الاجتماعية. ففي التعليم العالي، فإن 13% (سنة 2009) لا ترقى إلى مستوى المعايير الدولية ولا الجهوية. وحسب مارتن طرو، عالم اجتماع في التربية، يمر التعليم العالي من ثلاثة مراحل: في المرحلة الأولى، يكون نخبويا بنسبة لا تتجاوز %15، في المرحلة الثانية يصبح ديمقراطيا بنسبة تتراوح بين 15 و%50، أما المرحلة الثالثة، فيصبح معمما حين يتجاوز % 50 . إلى يومنا هذا لم يتم تعميم التعليم العالي المغربي ولا دمقرطته، فهو لا يزال نخبويا وفقاً لهذه المعايير.
وإذا كان الهدف من توحيد التعليم هو تأسيس المدرسة المغربية الموحدة والقادرة على توفير مقعد لكل طفل ضمانا لتكافؤ الفرص، فإن المغرب مازال إلى يومنا هذا يعرف عدة مدارس تهيئ للباكلوريا: البعثات الأجنبية إلى جانب المؤسسات العمومية والمؤسسات الخصوصية، وهو ما يؤكد أن تحقيق مبدأ التوحيد مازال بعيد المنال. ويستمر هذا التشتت في تكريس مزيدا من التفاوت الاجتماعي والثقافي داخل بنية المجتمع المغربي ويبدد الشعور بالانتماء للوطن الواحد لدى الفئات العريضة المهمشة اجتماعيا. تقول ذات الأرضية.
و خلص المتحدث |إلى أنه يجب البحث عن مكامن الخلل للوصول إلى الإصلاح الشامل ولا إصلاح دون إرادة.
هذا وشكل التراجع عن نظام البكالوريوس صدمة للطلبة المنتسبين إليه وأولياء أمورهم الذين لم يستسيغوا أن تقوم الوزارة بإلغائه بعد أن تم اعتماده منذ مطلع هذه السنة، وعبرت إحدى الأمهات عن غضبها الشديد من هذا الإلغاء الصادم قائلة إنها بعد أن سرت من اعتماد نظام جامعي مغاير وذي ميزات عديدة سيفيد ابنها كما سيفيد باقي الطلبة صدمت بإلغائه دون أي اعتبار للطلبة المنتسبين إليه والبالغ عددهم 23 ألف طالب، مضيفة بانفعال أن العشوائية والتسرع في اتخاذ القرارات جعلها تفقد الثقة في حكومة لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح أبناء الشعب المغربي، المتعطشين لتعليم يساير ما يعرفه العالم من تطورات في جميع المجال ويستجيب لما يحتاجه سوق الشغل من مهارات وكفاءات.
في نفس الاتجاه قال طالب كان يدرس بهذا النظام : «ليس مقبولا درجة العبث التي وصلنا إليها، نحن ضحايا حكومتين نطلب تدخلا عاجلا لإنصافنا». فيما عبر زميله عن رفضه إلحاقه بالإجازة الأساسية «لقد اخترنا الجامعة بناء على التصور الذي قدمته لنا الوزارة حول نظام الباشلور» ، وأضاف آخر: «لقد اخترنا الباشلور بدل مدارس ومعاهد ذات استقطاب مفتوح واليوم الحكومة تخيب آمالنا. ما معنى أن تشجعنا الحكومة السابقة على نظام الباشلور وتؤكد أنه تكوين ذو جودة وتأتي هذه الحكومة وتلغيه «، متسائلا ، «هل نحن في غابة ؟ أليس هناك ما يسمى الاستمرارية الإدارية؟».
وصبت ارتسامات أخرى لطلبة في سلك الباشلور في نفس الاتجاه حيث أكد طالب بحسرة «عقدت الآمال على نظام الباكلوريوس وسمحت فالدراسة فمدارس ومعاهد عليا ودوزت امتحانات باش نمشي فهاد النظام وشريت كتب ومراجع بتكاليف ومصاريف وفالأخير يتم إصدار قرار الإلغاء. واش حنا فئران تجارب؟ وتساءل آخر» الوزير المكلف بالقطاع ألغى نظام البكالوريوس لأنه لا يتوفر على سند قانوني. وفين كانو ملي خرجو بهاد القرار؟ ديك الساعة كان قانوني ودابا غير قانوني؟
إحدى الطالبات المستجوبات صرحت أنها تفضل النظام القديم «لأننا في المغرب لا نتوفر على الموارد البشرية المؤهلة»، مؤكدة أن «هناك عشوائية في القرارات حيث لا يعقل أن يلغى النظام رغم ما عليه من مؤاخذات بعد مرور أربعة أشهر على تنزيله».
وقال آخر « كنا متفائلين بالإصلاح، وكان سيكفينا شر هدر الطلبة للجامعات بدون شهادة، ولكن للأسف يتم إلغاؤه وهذا يشعرنا بالإحباط ونستشف من هذا أنه ليست هناك رغبة جدية لإصلاح الجامعة» بدورها صرحت طالبة أخرى أنه نظام فاشل بالنسبة للمغرب لأنه يحتاج إصلاحات جذرية في نظامه التعليمي لا سياسيات ترقيعية، وهذا ما فشلت فيه جميع وزارات التعليم العالي.
بالمقابل عبر طلبة آخرون عن عدم اندهاشهم من إلغاء هذا النظام لعلمهم أن تطبيقه جد صعب في الجامعات المغربية لعدة أسباب.
وقال أيوب نويني، طالب السنة الثانية ماستر، تخصص علوم قانونية إن « هذا النظام لم يتم التمهيد له فبمجرد وضعه وجد أطر الأكاديميات يخرجون ضده في أروقة الجامعات وانقسم الطلبة بين رافض ومساند، وهذه مسألة عادية ومحمودة ولكن المشكل أنه لم تتم دراسة الوضع قبل تأسيس النظام الجديد، وهذا ما جعله يصطدم بالصعوبات الكثيرة بل تم إجهاضه من طرف فئة كبيرة من المعنيين به، ولكن هذا لا يعني بتاتا أن نظام البكالوريوس هو نظام فاشل بل بالعكس يتوفر على مجموعة من الإيجابيات، وكرؤية كان سيحقق عدة مكاسب، حيث كان سيدخل عناصر يحتاجها سوق الشغل خصوصا بالنسبة لطالب يعتبر أن الجامعة هي فترة سيحصل بعدها على المفتاح الذي سيلج بواسطته سوق الشغل، أما بالنسبة للتراجع فقد كانت المسألة متوقعة ومنتظرة نظرا للظروف التي فرض فيها هذا النظام».
من جانبه قال مصطفى اهدار، طالب السنة ثانية سلك الدكتوراه، تخصص علوم سياسية، إن» لنظام البكالوريس عدة إيجابيات فأغلب النظم الدولية تعتمده مما كان سيعطي للعرض الأكاديمي المغربي دفعة أكبر، وهو يعطي آليات جديدة للتعامل مع الطالب أبرزها مواد مايسمى بالمهارات الناعمة، ( SOFT SKILLS)التي ستجعله يندمج أكثر في الحياة الجامعية، لكن الإشكالات التي يواجهها نظام البكالوريوس أنه كان على الحكومة السابقة وقبل تنزيله أن تدرس إمكانية هذا التنزيل، لكنها ،مع الأسف، كانت غافلة عن وضعية الجامعة المغربية، فهذا النظام بالنسبة للوضعية الحالية غير عملي، خصوصا أن المغرب يعتمد النظام الحالي منذ 17 سنة، لذا فالتغيير كان سيكون في المنهجيات والوحدات والمدة الزمنية، وهو مايتطلب مجهودا وعملا كبيرين قبلا، وهذا هو سبب الصعوبات التي واجهت ورش البكالوريوس، سواء خلال إعداده أو تنزيله، وبالتالي فهو نظام غير عملي بالنسبة للوضعية الحالية، أما بالنسبة لمقترحاتنا من أجل إصلاح منظومة التعليم العالي هو الإبقاء على النظام الموجود الآن الذي يعتبر نظاما ممتازا لكن يجب دعمه لكي يستطيع تحقيق الأهداف المرجوة منه، خصوصا في مناهج التدريس، التي يجب أن يكون فيها اجتهاد، لأن طغيان المناهج الفرنكفونية القديمة والتوجه الفرنكفوني على الجامعات المغربية هو ما يجعل تفكير الطلبة قاصرا جدا، مضيفا أن هناك جودة في العرض المغربي كما أن ديبلومات الجامعات المغربية مقبولة في الدول الأجنبية لأن هناك نسبيا جودة في الدبلوم المغربي.».
ونحى طالب آخر نفس المنحى إذ اعتبر أن هذا النظام تعتمده أغلب دول العالم، وهو نظام جيد ومتميز ولكن الإشكال الأساسي الذي دفع إلى إلغائه هو في إطار تنزيل الشعب والوحدات وطريقة التقسيم، وهي أمور كانت ستعطي إضافة للطالب وللجامعة المغربية ولكن يبقى الإشكال في التنزيل والموارد البشرية المؤهلة التي يجب عليها أن تتلاءم مع الوحدات الجديدة التي ستدرس في البكالوريوس.
يذكر أن عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، كان قد أكد في حديث صحفي أنه لن يتم اعتماد نظام البكالوريوس في الجامعات، لأن تطبيقه غير قانوني”، منبها إلى أنه “سيتم الاستمرار في اعتماد نظام -الإجازة والماستر والدكتوراه- على اعتبار أنه النظام المعتمد في التعليم العالي بعدد من الدول الإفريقية والأوروبية، والمغرب هو حلقة الوصل بين الطرفين!