نوري الجراح: الباحثون المغاربة خلصوا أدب الرحلة من التبعية للسياق التاريخي والجغرافي وأدب السيرة الذاتية

قال نوري الجراح، مدير المركز العربي للأدب الجغرافي- ارتياد الآفاق، إن الحركة الأكاديمية المغربية في البحث والتحقيق المتعلقين بنصوص أدب الرحلة، تكتسي زخما كبيرا وكان لها حظ الأسد في بعث هذا الأدب وتأسيس استقلاليته كجنس أدبي.
وسجل الجراح في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء ولقناتها الإخبارية M24، أن الدراسات في المغرب سجلت وتيرة متسارعة واعتمدت مناهج أوربية فرنسية وانجليزية استدمجتها في الدرس والبحث الجامعي، واستفادت منها في إعادة قراءة نصوص الرحلة بعين جديدة.
في جامعات أكادير، الرباط، الدار البيضاء، هناك أساتذة يدرسون أدب الرحلة بوصفه أدبا مستقلا، محاولين تخليصه من التبعية للسياق التاريخي والجغرافي وأدب السيرة الذاتية. وهي دينامية ملهمة حسب الجراح الذي ذكر بأن جامعة الخرطوم سارت على هذا الدرب بإقرار أدب الرحلة كدرس مستقل في الجامعة.
هناك إذن تقدم في الاعتراف باستقلالية الدرس الرحلي، والحقل الثقافي بات زاخرا بأطاريح في الدكتوراه والماستر ودراسات معمقة في النصوص الرحلية. ولعل الحضور الكمي والنوعي للمغاربة، سواء على مستوى تأطير الجائزة والمساهمة في مشروع «ارتياد الآفاق» أو التتويج بالجوائز، شاهد على ريادة الكتابة المغربية في هذا المجال.
وكان الجراح، الشاعر السوري، قد حل بالرباط للمشاركة في المعرض الدولي للكتاب والنشر ، من خلال حفل تسليم جوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة في دورتها العشرين التي انطلقت من الرباط سنة 2003 وعادت إليها. وهي جائزة يمنحها المركز برعاية الشاعر محمد أحمد السويدي.
وأوضح الجراح أن الجائزة التي تحمل اسم الرحالة الطنجي الشهير الذي ألهمت رحلته أجيالا من القراء والرحالين، هي الوحيدة عربيا في أدب الرحلة وتقدم كل عام كوكبة من الأسماء تنضاف إلى الباحثين الراسخين الناشطين في هذا الحقل «الخطير» الذي ينطوي على تواصل متعدد الأبعاد بين الأنا والآخر، بين العربية ولغات أخرى، بين الثقافة العربية وآدابها والثقافات الأخرى، لأن أدب السفر هو أدب تعرف وتعارف، بين المسافر والديار التي يزورها ويغامر في استكشافها والبحث عما يرغب أو يتوقع أن يجده فيها.
وعن الدور التواصلي الذي اضطلعت به الجائزة، توقف نوري الجراح عند فكرة ربط المشرق بالمغرب، حيث تم تحقيق الرحلات التي ربطت بين جناحي العالم العربي، وكذا الرحلات المعاصرة التي كتبت في العشرين سنة الأخيرة بتحريض من الجائزة والمركز على الكتابة في هذا الحقل. في هذا الإطار تم إحداث فرع للجائزة باسم: «سندباد الجديد»، يعنى بأدب الرحلة المعاصر.
ويرى مدير «ارتياد الآفاق» (أبو ظبي- لندن) أن الأعمال التي تتقدم للجائزة «كشفت عن إمكانات هائلة في المتون القديمة والحديثة، «ودلتنا على طبيعة نظرة العربي إلى نفسه، وتنوعها بين المغرب والمشرق، ومقيم في الديار ومغترب، وطبيعة الاهتمامات التي يفصح عنها الرحالة في نصوصهم، وطبيعة النظرة إلى الآخر».
إن الثقافة العربية عرفت، حسب الجراح، مراحل متعددة في نظرتها إلى الآخر.. «هل نرحب به؟ نعاديه؟ نقرأ عالمه ونقارنه بعالمنا ثم نحاول أن نحلل ما ندهش به ونستثمره في تغيير واقعنا وتخلفنا؟ كيف يمكن إدخال عناصر من الآخر فينا؟ إنها دينامية تبادل للأفكار والقيم بما يفتح أفقا إنسانيا عابرا للحدود.
وحيث أن الرحلة في العالم العربي نشطت كثيرا في القرن التاسع عشر خصوصا نحو أوروبا، فيشير الجراح إلى تحقيق الكثير من الكتب التي كانت قابعة في الخزانات الشخصية أو العامة كمخطوطات. في رصيد خزانة المركز اليوم أكثر من 300 كتاب، وكثير منها اعتمد مناهج حديثة في درس الرحلة كأدب واجتماع واثنوغرافيا وخرائطية وجغرافية..
يقرن الجراح أدب الرحلة بمأزق التواصل الثقافي تحت وقع التنميطات السلبية. «كلنا لدينا مسبقات عن الآخر. الرحلة تبدد التصورات المسبقة وتولد تصورات جديدة». ولذلك فإن قيمة أدب الرحلة أنه يصلح لإعادة كتابة التاريخ، لأن الرحالة يدون ما يراه ويتحول إلى وثيقة شاهدة، بينما في التاريخ، كثير من الكذب والوهم الذي يتبدد مع الوقوف على حقائق الشاهد.
فضلا عن ذلك، هناك متعة تتحقق من خلال تنوع شخصيات الرحالين، بعضهم عاشق للطبيعة، ينفعل بالمكان، آخرون ينبهرون بمنتجات النهضة الصناعية والفنية، العمران، الظواهر الاجتماعية على غرار مقارنة وضعية المرأة بين الغرب والعالم العربي. ولذلك كان أدب الرحلات بتحفيزه على مقارنة الأحوال محرضا على التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
يذكر أن أعمال الفائزين ال 11 توزعت بين الفروع التالية: الرحلة المحققة، الدراسات، الرحلة المترجمة، الرحلة المعاصرة (سندباد الجديد)، اليوميات، اليوميات المترجمة، الروبورتاج الرحلي-الرحلة الصحافية، الروبورتاج الرحلي المترجم-الرحلة الصحفية.
وعلى مدى عشرين سنة من مسيرة الجائزة، فاز بها 117 مشاركا من مختلف البلدان، ساهمت أعمالهم في تحقيق شعار المركز العربي للأدب الجغرافي الرامي إلى بناء جسر بين المشرق والمغرب، وبين العرب والعالم.


بتاريخ : 09/06/2022