هاتِ الخوفَ عالِيا، هاتِ الحقيقةَ عارِيةْ

 

في الطائرةِ،
من نافذة الخوف من الموتِ،
على هدير الصوتِ
أشاهدُ تحتي،
في السَّهْبِ..
في السَّديمِ العظيمِ:
مُدُناً تتلألأُ
كأقراطِ الحسناءِ
تومِضُ، برهةً،
مثل أعواد ثقابٍ
في علبة الليلِ،
وهي تجري إلى مستقر لها
ثم تغيضُ.
وأبصرُ: خلاخيلَ الأعرابيات الخرافياتِ
كشعاع القمر الفضيِّ
على أكتاف السُّراةِ،
رؤوسا صلعاءَ فوق
الجبل الطَّوْدِ في آخر الهزيعِ،
وأوَّلِ النَّجيعِ،
عليها زَيتٌ ميتافيزيقيٌّ،
وطيرٌ تًشَقْشِقُ،
والضوءُ المُتعابثُ ينهش
غربانَ البراري الواجمةْ،
وأشلاءَ ظلالٍ راكضةٍ.
وأَتَسَمَّعُ، بالغامض:
هَسيسَ أصدافٍ ومَحارْ
رَسيسَ مخلوقاتٍ دِقاقٍ،
همهمةَ أطيافٍ ورُعافْ،
زَجَلَ سِدْرٍ مَخْضودٍ وطَلْحٍ مَنْضودٍ،
أنينَ حياةٍ، في هاوُونِ الكونِ، يَرِنُّ،
أصداءَ طواطمَ وطبولٍ،
ونعيبَ بومٍ بعيدٍ.
فكأنما الأرضُ زُوَيَتْ لي في لحظةٍ،
فامْتَلأْتُ.
وأسمع، بالواضح:
أصواتاً مُتَناوِحةً صاعدةً،
مُسَبِّحَةً بلسانٍ واحدٍ، تقول:
ــ تذَكَّرْ أين كنتَ، وأينَ أنتَ؟
أيها المعلَّقُ كالحَدْوَة في لوح الغيومِ
أيها التُّرَابيُّ العائدُ، شئتَ أم أبيتَ،
إلى أرضِك ومَضْرَبِك.
ــ أينُكَ حَيْنٌ
ــ أيْنُكَ بيْنٌ
ــ وجودُكَ مَيْنٌ،
فلا تَغْتَرَّ أيها الكائنُ الضئيلْ
يا القطرةُ النَّكرةُ في
الأوقيانوسِ الجليلْ؟

مــــعــــجــم:

الحَيْنُ: الهلاك والموت
البيْنُ: البعاد والفراق
المَيْنُ: الكذِب


الكاتب : محمد بودويك

  

بتاريخ : 27/01/2023