بعد الاقتراحات الجديدة التي قدمها رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب نهاية هذا الأسبوع حول سن التقاعد بفرنسا، وتجاوب بعض النقابات معها، بدأ الجميع يتساءل حول مصير الإضرابات والاحتجاجات التي يشهدها البلد منذ 38 يوما، هل ستتوقف هذه الإضرابات والاحتجاجات أم أنها سوف تستمر بعد أن حطمت الرقم القياسي في أطول إضراب تشهده فرنسا في تاريخها.
هذا الإضراب الذي مس على الخصوص قطاع النقل، والذي خلف خسائر سواء في قطاع السياحة أو في قطاع المطاعم بالإضافة إلى قطاع التجارة الذي يعرف إقبالا كبيرا في احتفالات نهاية السنة.
اليوم، الجميع يتساءل هل المقترحات الجديدة التي قدمها رئيس الحكومة إدوارد فيليب مساء يوم السبت الأخير في رسالة موجهة إلى النقابات: هل تتجاوب معها النقابات؟ أم أن الإضراب الأطول في تاريخ فرنسا سوف يستمر بدون توقف؟ عدد من النقابات خاصة الكونفيدرالية العامة للعمل «السي جي تي» والقوات العمالية «ايف او» اعتبرت أن المقترحات غير كافية، وطالبت بتخلي الحكومة عن هذا الإصلاح في شموليته. وفي انتظار تطورات الجبهة الاجتماعية، فإن الحكومة حققت تقدما من خلال إظهارها تجاوبا مع اقتراحات بعض النقابات الإصلاحية خاصة «سي ايف دي تي» من جهة ونجاحها بهذه المقترحات الجديدة في تقسيم النقابات التي حافظت على جبهة موحدة منذ بداية هذا الإضراب قبل 38 يوما. لكن اليوم، اعتبرت النقابات الإصلاحية تخلي الحكومة عن سن التوازن هو تقدم في المفاوضات .
ونظمت تظاهرات في مختلف المدن الفرنسية بتاريخ السبت 11 يناير، تخللتها بعض مظاهر العنف، وذكرت أغلب النقابات أنها لن تتجاوب مع مقترحات رئيس الحكومة، خاصة سحب «سن التوازن» الذي يحدد التقاعد في 64 سنة، وهو ما رفضته بعض النقابات والتي طالبت بسحب كل المشروع للإصلاح التقاعد الذي تقدمت به الحكومة.
وتسعى الحكومة الفرنسية في مشروعها الجديد إلى توحيد أنظمة التقاعد من أجل إنقاذها من الإفلاس والعجز بسب التحولات الديمغرافية التي تعرفها فرنسا، والتي تجعل عدد السكان المسنين والمتقاعدين يرتفع بشكل أكبر من السكان النشطين، كما تسعى الحكومة إلى وضع صندوق واحد للتقاعد بدل 42 صندوقا مختلفة تشهدها فرنسا اليوم، ووضع نظام قائم على النقط، تعتبر الحكومة أنه سيكون أكثر إنصافا وشفافية من النظام القديم، لكن النقابات اعتبرت أن النظام الجديد سوف يؤدي بالعاملين إلى اشتغال فترة زمنية أطول مقابل تعويضات قليلة في فترة التقاعد. لهذا تعتبر الإصلاح أو مشروع الإصلاح مجحفا في حق الأجراء.
وتدخل الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون الذي كان صامتا طيلة هذه الأزمة، من خلال تصريحه الجمعة الماضية، موضحا أن إصلاحه، هو من أجل إنقاذ صندوق التقاعد بفرنسا، قائلا إن الإصلاح هو من أجل أن يبقى صندوق التقاعد قابلا للحياة بفعل تزايد نسبة المتقاعدين، وإنه لا بد من حل سواء من خلال زيادة المساهمات أو من خلال العمل لفترة أطول. وأكد أنه لا يسعى من إصلاحه لخفض معاشات التقاعد.
ومن الاقتراحات التي قدمتها الحكومة في تجاوبها مع مطلب النقابات، عقد ندوة مع النقابات حول دراسة تمويل نظام المعاشات من أجل وضع نظام جديد لتمويل التقاعد الذي أصبح مهددا بالعجز حسب الحكومة. وهذا الاقتراح الذي قام به إدوارد فليب يتضمن تهديدا لنقابات، أي أنه في حالة فشل المؤتمر مع النقابات، فإن الحكومة سوف تقوم باتخاذ الإجراءات الضرورية لإصلاح نظام التقاعد، وهو ما يعني لجوءها إلى إصدار قانون وتجاوز البرلمان، وذلك من أجل تحقيق التوازن في أفق سنة 2027.
لكن في حالة التوصل إلى حلول، سيمكن للحكومة تقديم مقترحات سوف يضمها مشروع القانون الجديد، الذي سوف يتدارسه البرلمان، وتقديمها إلى الجمعية العامة في 17 فبراير المقبل.
الحكومة الفرنسية في مأزق حقيقي وأزمة اجتماعية حادة في أفق اقتراب الانتخابات المحلية، وهو طول أيام الإضرابات والاحتجاجات، التي مازالت تنال دعم أغلبية الرأي العام الفرنسي، رغم الخسائر والإزعاج الذي تسببت فيه للفرنسيين خاصة في مجال النقل. لهذا يتساءل الجميع: هل سوف تتشبث بالإصلاح أم أنها سوف تترك الوضع على ما هو عليه، وهو تعدد أنظمة التقاعد بفرنسا.