هل «لا تكيل فرنسا بمكيالين» في القضية الفلسطينية؟

 

هل «لا تكيل فرنسا بمكيالين» في القضية الفلسطينية؟ هذا السؤال أجاب عنه الرئيس الفرنسي في زيارته لسويسرا الأسبوع الماضي خلال لقاء مع الصحافة، وأكد فيه «أن فرنسا لا تكيل بمكيالين وان وضع المدنيين الفلسطينيين يعنيها، وان الطفل الفلسطيني هو مثل أي طفل يستحق نفس المعاملة». وقال أيضا أنه «لا يوجد أي مبرر ولا أية شرعية» لقصف الأطفال والنساء وكبار السن في قطاع غزة».
طبعا هذا تطور إيجابي في الموقف الفرنسي في تعامله مع القضية الفلسطينية مند بداية حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في 7 من أكتوبر الماضي والتي خلفت حتى الآن 13 ألف قتيل من بينهم أكثر من 4000 طفل. والعالم يناقش مع إسرائيل عن الوقت الذي ستكف فيه عن هذه الإبادة الجماعية في قطاع غزة ووقف إطلاق النار.
في هذه الظروف تغير الموقف الفرنسي من القضية الفلسطينية ليصبح متوازنا ولو على مستوى الخطاب، حيث نجحت تل أبيب في استعمال فرنسا وإعلامها وسياسييها من اجل الدعم المطلق للموقف الرسمي لإسرائيل ولم يقبل منها غير ذلك.
على كل حال إسرائيل وممثليها في فرنسا، كان أول من رد بقوة على تطور الموقف الفرنسي، وطلبت حكومة الاحتلال «›توضيحات « من الرئيس الفرنسي، هل تخلى عن موقفه دون باقي البلدان الغربية، وهو إعطاء الحق لإسرائيل بإبادة المدنيين وقتل الأطفال وتدمير المستشفيات والمدارس باسم «الحق في الانتقام» وما يسمى في اللغة الدبلوماسية الغربية وإعلامها « حق الرد» أو «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وهي الجملة التي على الدول الصديقة لإسرائيل ترديدها كلما طلب منهم إدانة سياسة الإبادة الجماعية والجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين التي تقوم بها يوميا.
إسرائيل تقول إنها تريد توضيحا حول تحول الموقف الفرنسي وكيف تريد فرنسا وقف دعمها «لسياسة الانتقام» اليومي ضد المدنيين بغزة عبر قصفهم وتجويعهم وقطع كل المؤن عليهم. وتطالب بمزيد من الوقت للقتل والانتقام.
طبعا فرنسا أخذت عدة أسابيع ليستفيق ضميرها ولترى أن الآلاف من الأطفال الأبرياء يقتلون يوميا بالطائرات الغربية. وإسرائيل تطالب بالمزيد ودون أي اعتبار لطلبات وقف إطلاق النار.
الرئيس الفرنسي عندما قال إن باريس» لا تكيل بمكيالين» في تعاملها مع القضية الفلسطينية كان يتوجه لباقي العالم، الذي تتبع هذه السياسة وان الدعم الذي تلقاه ضحايا الحرب بأوكرانيا والقرارات الدولية ضد روسيا رغم أنها قوة عظمى، لكن باقي العالم رأى أن نفس السلوك لم يحدث تجاه الاحتلال الإسرائيلي رغم أن وحشيته أعنف عشرات المرات من موسكو من خلال استفادته من قوة وبطش التكنولوجية الغربية.
فرنسا في البداية منعت التظاهرات المؤيدة لوقف إطلاق النار وإدانة إسرائيل، ونظم سياسيوها تظاهرة لدعم إسرائيل اجتمع فيها اليمين المتطرف مع اليمين ومع الحزب الحاكم بفرنسا وأحزاب المعارضة اليسارية إلا حزب فرنسا الأبية الذي قاطع هذه التظاهرة المؤيدة للقتل والاحتلال باسم الدفاع عن اليهود. في حين أن «هذه المسلوكات الداعمة لحق القتل والاحتلال للفلسطينيين تضع كل اليهود في خطر» كما يقول روني برومان الرئيس السابق لأطباء بلا حدود.
ما كان لافتا في هذه التظاهرة التي شهدتها باريس والتي سميت بتظاهرة «ضد معادات السامية»، لكن شاركت فيها أحزاب معروفة تاريخيا بفرنسا وأروبا بمسؤوليتها عن ماسات يهود فرنسا وأروبا وبعدائها التاريخي لليهود وإيديولوجيتها الفاشية والذي عوضته اليوم بالعداء للمسلمين.
من المؤكد أن ارتفاع عدد الضحايا بغزة وكثافة الدمار الذي أصاب القطاع لم يعد مقبولا لدى الإنسانية ولذي الرأي العام الغربي والعالمي الذي بدأت تصله أخبار المذابح للأطفال والنساء التي تستر عليها جزء كبير من الإعلام الغربي. واكتشف الجميع أن إسرائيل لا تحترم قواعد الحرب.
وما قاله الرئيس الفرنسي وكرره حول ضرورة احترام قواعد الحرب وعدم إبادة المدنيين وقصف البنيات المدنية وهو نفس الأمر الذي يفكر فيه باقي قادة بعض البلدان الغربية الذين أصبحوا تحت الضغط في الأسابيع الأخيرة أمام هول المذابح وأمام انهيار قيم الغرب الذي لم يعد يعتبره ويثق فيه باقي العالم.
هذا دون الحديث عن زيادة احتجاجات الدبلوماسيين والمسؤولين السياسيين سواء في فرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية حول دعم بلادهم المطلق لسياسة الإبادة وجرام الحرب بغزة وهي سلوكات لا يقبل بها مواطنون لهم حد أدني من الإنسانية.
هذا ما يفسر موقف الرئيس الفرنسي وحديثة عن سياسة الكيل بمكيالين، لكن هل بمقدوره الذهاب بعيدا في موقفه، وإدانة سلوك الاحتلال الإسرائيلي تجاه المدنيين في غزة، وهو الأمر الذي ستكشف عنه الأيام المقبلة.
وبدأت بوادر الإخفاق في الإدارة الأميركية والدعاية الإسرائيلية تتراجع أمام رفض الرأي العام الغربي لهمجية وبربرية القصف الإسرائيلي على غزة بدعم مادي وعسكري من بعض البلدان الغربية. وتزايدت المظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية في الولايات المتحدة الأميركية نفسها وفي مختلف الولايات وحتى في البلدان الغربية التي كانت تدعم الاحتلال رغم التهديد وتسخير القوانين لحماية سياسة الاحتلال الإسرائيلية وحماية الرواية الدعائية والكاذبة حول هذه الحرب خاصة بفرنسا وألمانيا.
واغلب التظاهرات التي شهدتها عواصم الغرب سواء بنيويورك أو باريس أو لندن أو فيينا أو
كوبنهاكن، برلين ومدريد اغلبيها مؤيد للفلسطينيين بنسبة 90 في المائة تقريبا ولم نر تظاهرات كثيرة لمؤيدي الاحتلال.
هذا التحول في الرأي العام الغربي من خلال التظاهرات ومن خلال نقل هذه الماسات عبر وسائل التواصل الاجتماعي دفع الدوائر الرسمية والإعلام الرسمي سواء العام أو الخاص إلى التحول نحو الابتعاد ولو ظاهريا عن دعم موقف إسرائيل والابتعاد عن رواية الاحتلال حول فلسطين وذلك تحت ضغط الرأي العام بهذه البلدان.
اليوم باقي العالم ينظر إلى الدعم الأمريكي والغربي اللامشروط لإسرائيل في سياسة الإبادة العسكرية للفلسطينيين وهو ما يجعل باقي العالم يبتعد عن الغرب ويتابع نفاقه عند حديثه عن احترامه للحريات الفردية وحقوق الإنسان وفي نفس الوقت يقوم قادته بدعم الإبادة الجماعية للفلسطينيين، من خلال إطلاق العنان للكيان الإسرائيلي وحمايته سياسيا وعسكريا بالإضافة إلى دعمه المادي. وهو الأمر الذي يجعل الغرب عاريا أمام باقي العالم في سياسة الكيل بمكيالين.


الكاتب : باريس  : يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 21/11/2023