هل يتحرك عامل إقليم فكيك لردع المتلاعبين في الصفقات العمومية؟

خروقاتها سجلتها المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجلس الجهوي للحسابات بجهة الشرق

 

في خطاب ذكرى «ثورة الملك والشعب» (20 غشت 2014)، قال جلالة الملك محمد السادس إن «اللحاق بركب الدول الصاعدة لن يتم إلا بمواصلة تحسين مناخ الأعمال، لا سيما من خلال المضي قدما في إصلاح القضاء والإدارة، ومحاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، التي نعتبرها مسؤولية المجتمع كله، مواطنين وجمعيات، وليست حكرا على الدولة لوحدها»؛ وفي خطاب العرش (30 يوليوز 2016)، قال إن «مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد»؛ وفي الرسالة التي وجهها إلى القمة ال 31 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي المنعقدة بنواكشوط (فاتح يوليوز 2018)، أفاد أن «الفساد يساهم في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظَّمة، وانعدام الأمن والإرهاب».
لقد أكد القرار السياسي المركزي، في أكثر من مناسبة، أن مفهومه للسلطة يستند إلى محاربة الفساد بكل أنواعه، وأن التقاعس عن مواجهته ضرب آخر من ضروب الفساد. وهذا ما جعل المهتمين بالشأن المحلي بإقليم فكيك يتساءلون: من يحمي الفساد بالإقليم؟ ولماذا تستمر عدد من مظاهره في الهيمنة بعيدا عن المحاسبة؟ وماذا عن الجدية كمنهج متكامل تقتضي «ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص»، كما قال جلالة الملك في خطاب العرش (2023)؟
فلم يعد خفيا على أحد بإقليم فكيك اللغط الذي يثيره زعماء الفساد لدى الرأي العام المحلي؛ ويتعلق الأمر بأعضاء منتخبين، أحدهم يجمع، في «حالة تنافي» صارخة، بين صفتين انتخابيتين ( نائب جماعة ورئيس مجلس إقليمي)، وذلك ضدا عن مضمون الفصل 16 من القانون التنظيمي لمجالس العمالات والأقاليم 14-112. وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول تدخل عامل عمالة إقليم فكيك لتطبيق المساطر القانونية وتصحيح هذا الوضع غير القانوني المختل.
لقد اجتمع الفاسدون على تبادل المنافع، ومن أوجه هذا التبادل ما ظلت تعرفه الصفقات العمومية من خروقات، في ظل التحالف المصلحي بين (ش) و(ح). إذ كيف يمكن تفسير تعيين (ح)، الذي كان يشغل مهمة عضو وكاتب المجلس الاقليمي في مدة الانتداب السابقة للمجلس الاقليمي، رئيسا للجنة فتح الأظرفة ضدا عن النصوص القانونية التي تمنع ذلك، نظرا لانتفاء الصفة قصد مزاولة هذه المهمة؟ وهل للأمر علاقة بالتوسط لدى الشركات والمقاولات التي تحصل على صفقات من أجل أداء عمولات وأتاوات ضخمة، بالنظر للبرامج التي كان المجلس الاقليمي ينفذها بأموال عمومية هائلة؟
لقد سبق للجنتين من المفتشية العامة للإدارة الترابية و من المجلس الجهوي للحسابات بجهة الشرق أن أثارتا، في تقريريهما، هذا الخرق الخطير، والمنافي للمادة 67 من القانون التنظيمي للمجالس العمالات والاقاليم رقم 12-114. إذ كيف لهذا المنتخب، الذي تنعدم لديه الصفة القانونية، أن يمضي بدون وجه حق، وبوازع الحصول على علاوات له ولزميله، على محاضر استلام، وعلى سندات الطلب ومحاضر فتح عروض الأسعار للمجلس الاقليمي، وليس أدل على ذلك من سندات الطلب 2020/03 ؛ 2020/16؛ 2021/17؛ 2021/19، كما تقريرا الهيئتين التفتيشيتين اللتان تعتبران من الهيئات العليا لمراقبة المال العام.
لقد قام هذا المنتخب، ضدا على القانون، بالإشراف على صفقات، والإمضاء على صفقات وسندات طلب مبينة في الجدول (أنظر الجدول المرفق) الذي أعدته لجنتا الافتحاص المذكورتين (المفتشية العامة للإدارة الترابية و من المجلس الجهوي للحسابات بجهة الشرق).
إلى ذلك، هناك مجموعة من الخروقات الأخرى التي يعاقب عليها القانون، ونجملها في ما يأتي:
– خروقات خطيرة في مسطرة فتح الأظرفة، وإسناد الصفقة رقم BP/PFG/2019/5 للشركة التي أرست عليها مقابل عمولة ضخمة بعد القيام بإقصاء غير مبرر، وبأساليب يعاقب عليها القانون لباقي الشركات التي تقدمت بعروض للصفقة، حسب خلاصة عملية التدقيق و التفتيش التي قامت بها اللجنتان المذكورتان. ورغم ثبوت هذا التلاعب لم يتم إحالة الأمر على النيابة العامة المختصة لترتيب الجزاء عن ذلك !
– يسري الخرق نفسه على الصفقة 2020/08، ثم الصفقة رقم 2021/01 (PFG/BP)، اللتين كانتا موضوع المؤاخدات نفسها المجرمة قانونا.
– لم تسلم الصفقة 2017/48 الخاصة ببناء مقر المجلس الإقليمي من تبديد، واختلاس المال العام، كما أوضحت ذلك خلاصات لجان التفتيش التي وقفت على خروقات خطيرة في هذا الصدد، تطرقت لها تقارير الافتحاص بتفصيل .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قام هؤلاء بتسخير الآليات الثقيلة للمجلس الاقليمي لعمالة فكيك بسائقيها ووقودها، ودون أي توثيق لعمليات استعمال هذه الاليات او جرد للمشاريع الميدانية التي شاركت فيها، وذلك لفتح مسالك طرقية في العالم القروي، تبين فيما بعد أنها ليست مسالك للساكنة، بل فتحت من أجل مآرب أخرى.
لقد سبق للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها» أن أكدت أن «المسؤولين الذين ينتهكون القانون ويعرضون أنفسهم للفساد، لا تتم متابعتهم بشكل كاف»، فهل سيظل الأمر نفسه منسحبا على زعماء الفساد بإقليم فكيك أم سيتم تقديم المفسدين إلى العدالة؟


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 26/09/2024