تطارحت “ندوة «الدولة الثقافية من إشكاليات التطور إلى اكراهات البناء» التي نظمت يوم الاثنين 13 ماي بشراكة مع مركز الدراسات والأبحاث الاجتماعية، مثبطات بناء مفهوم الدولة الثقافية والانزياحات التي يمكن أن تقوض هذا البناء.
هكذا ساءلت الدكتورة نعيمة صابر المختصة في التنمية والتعمير مفهوم «الدولة الثقافية»، انطلاقا من شرعية هذه الثنائية، وانطلاقا من «مدى نجاحنا في المحافظة للذات على جاذبية ثقافية في مواجهة تجاذبات ثقافية أخرى»، مشيرة إلى أن الدولة الثقافية هي نسق سياسي وثقافي تتزاوج فيه المنظورات لتعطي الحق للمواطن من أجل حرية ثقافية ليرافع أو يعترف بهوية ثقافية معينة.
وحذرت صابر من مشكل الانزياحات، وأولها ألا نسقط في مطب «ثقافية الدولة» أو «الدولة الثقافية». وفي هذا السياق تساءلت صابر: إلى أي حد نحن قادرون على جعل الدولة فاعلا سياسيا محايدا؟ وهو أمر صعب.
الانزياح الثاني هو: إلى أي حد يمكن أن نبتعد عن تسليع الثقافة، بالإضافة أن المرور من تنمية ثقافية إلى تنمية اقتصادية يطرح مشكل الأداة، لافتة في هذا الصدد إلى أن الحديث عن الصناعات الثقافية يكون أداة “بيد الدولة ، لهذا أكدت أن التفكير في الدولة الثقافية كنسق وليس كفاعل يقتضي «التفكير في المواطنة الثقافية كفعل سياسي موحد»
وبخصوص الإكراهات التي تحول دون بناء مفهوم الدولة الثقافية، لفتت صابر إلى أنها» ترتبط بثقافتنا وبالعفل السياسي ومشروعنا السياسي الذي نطمح إلى ترسيخه وعلاقتنا بالأساس بالفاعل السياسي» ، مشيرة في نفس الوقت إلى ضرورة إعادة تعريف عدد من المفاهيم كالحزب والمشروع المجتمعي والمثقف والانكباب على حل معضلة التعليم لبناء المجتمع.
المفكر والكاتب كمال عبد اللطيف، وهو يشرح مفهوم الدولة الثقافية، أشار إلى التباسه لكونه مشروعا في هذا السياق مفاهيم الدولة الاجتماعية دولة الحث والقانون.
وأشار كمال عبد اللطيف إلى أن التفكير في الدولة الثقافية لا يحصل إلا بالتفكير في التحديات التي تواجهها السياسات الثقافية، ومن أهم هذه التحديات، توقف عند ما تطرحه على مستوى موضوع التراث الديني، التأويل، المرأة، المدونة بالاضافة إلى التحدي الخارجي متمثلا في العولمة التي أدت إلى تنميط ثقافي كاسح، ساهم فيه الاختراق الذي يتم عبر الوسائط الاجتماعية وتقنيات التواصل الحديثة، متسائلا في هذا الباب: كيف نواجه موجة التعولم؟ وما موقف الدولة من ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي؟
وركز المحاضر على ضرورة إحداث تراكم تدعمه الحرية لأن الدولة الثقافية هي دولة الحرية والتحرر مع الاحتراس من التباس هذا المفهوم، خاصة في دولة تدعم التعددية وفي نفس الوقت ترعى ثقافة الأضرحة والزوايا !!
ورغم أن مفهوم الدولة الثقافية مفهوم مغر، فقد اعتبر الشاعر والروائي ووزير الثقافة الأسبق محمد الاشعري أن هناك تأخرا تاريخيا في المغرب بخصوصه، علينا تداركه وهي مهمة مشتركة بين الدولة والمؤسسات الخاصة باستثمار عمومي، لأن التنافسية الثقافية تستدعي تدخل الدولة بقوة لحماية المنتوج الوطني».
وأضاف الأشعري أن هذا المفهوم «يرسم توازيا بين الدولة الاجتماعية وبين الدولة الثقافية الذي يمكن ان يستند إلى نفس الفلسفة بالاستثمار في الإنسان»، لكن مع ذلك شدد الأشعري على أن نكون حذرين من إجراء تواز شكلي بين هذين المفهومين.
صاحب «القوس والفراشة» لفت أيضا الى ضرورة الحفاظ على مسافة معينة بين الثقافة والدولة مع الاستقلال عن المركزية، حيث يجب ضمان نقطة التوازن بين المجالين ، تلك النقطة التي تقع في تماس بين الضرورة والحرية. وكل هذا في نطاق حرية الإبداع وحماية حقوق المؤلف وحرية المبادرة التي بدونها سنجد أنفسنا أمام تخريب هذه الدولة الثقافية بدل بنائها.
وأضاف الأشعري أن «السوق الثقافية بالمغرب كسيحة»، حيث لا يمكنها أن توفر استثمارات، كما ان الظرفية تستدعي التركيز على دور الدولة الثقافية والاستثمار في الثقافة ليس بمقاربة إحسانية ولكن بوصفها استثمارا يحقق التنمية ويرسخ الديمقراطية».
هل يمكن بناء «الدولة الثقافية» دون بناء المواطنة الثقافية؟
الكاتب : حفيظة الفارسي
بتاريخ : 16/05/2024