من طوفان جومروكجو وأنجوس مكدوال
قالت تركيا اليوم السبت إن الولايات المتحدة تعهدت بوقف إمداد جماعة كردية في سوريا بالأسلحة داعية واشنطن لسحب قواتها فورا من مدينة منبج السورية التي تعتزم القوات التركية استهدافها.وفتح الهجوم التركي الجوي والبري على منطقة عفرين في شمال غرب سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية جبهة جديدة في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ سبع سنوات. وزاد الهجوم توتر العلاقات مع واشنطن.
وتعتبر أنقرة مقاتلي وحدات حماية الشعب إرهابيين وامتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها. وغضبت تركيا من الدعم الأمريكي لهذه الجماعة والذي تضمن تزوديها بالأسلحة وتدريبها. ولعب المقاتلون الأكراد دورا بارزا في الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
ومنذ بدء الهجوم الذي أطلقت عليه أنقرة اسم (عملية غصن الزيتون) قبل ثمانية أيام قال إردوغان إن القوات التركية ستتجه شرقا نحو بلدة منبج وهو ما قد يضعها في مواجهة مع القوات الأمريكية التي نشرت هناك.
وقالت الرئاسة التركية في بيان اليوم السبت إن إتش.آر مكماستر مستشار الأمن القومي الأمريكي أبلغ إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس التركي في اتصال هاتفي بأن الولايات المتحدة لن تزود وحدات حماية الشعب بالسلاح بعد الآن.
وقالت «تم التأكيد على ضرورة الانتباه للمخاوف الأمنية المشروعة لدى تركيا. وتم الاتفاق على التنسيق التام حتى نتجنب أي سوء فهم».
ومن المرجح أن تعتبر أنقرة هذا الاتفاق انتصارا دبلوماسيا جوهريا بعد بدء توغلها الذي حققت خلاله القوات التركية وحلفاؤها من المعارضة السورية على ما يبدو تقدما متواضعا بسبب سقوط أمطار غزيرة وسوء الأحوال الجوية الأمر الذي أعاق شن ضربات جوية أو تحقيق تقدم بري.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن على الولايات المتحدة متابعة تعهدها بإجراء ملموس يتضمن السحب الفوري لقواتها من المناطق المحيطة بمنبج.
وقال تشاووش أوغلو أمام الصحفيين «الولايات المتحدة بحاجة لإنهاء العلاقة مع المنظمة الإرهابية ودفعها إلى إلقاء كل أسلحتها. هم بحاجة إلى جمع الأسلحة التي منحوها والانسحاب من منبج فورا».
ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية حتى الآن على طلبات للتعليق بشأن إنهاء تسليح وحدات حماية الشعب الكردية أو الانسحاب من منبج. * إردوغان يتطلع إلى الشرق
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس الجمعة إن القوات التركية ستطرد المقاتلين الأكراد من الحدود مع سوريا وإنها قد تتحرك شرقا باتجاه الحدود مع العراق وهي خطوة ربما تعني مواجهة محتملة مع القوات الأمريكية المتحالفة مع الأكراد.
وأي تقدم تركي نحو منبج، الواقعة في منطقة يسيطر عليها الأكراد على بعد نحو 100 كيلومتر شرقي عفرين، قد يهدد الجهود الأمريكية الرامية لإرساء الاستقرار في شمال سوريا. ويتمركز نحو ألفي جندي أمريكي في سوريا بشكل رسمي ضمن التحالف الدولي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية.
وجرى نشر قوات أمريكية في منبج وفي محيطها لردع الأتراك والمسلحين الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة من الاقتتال فيما بينهم. كما اضطلعت القوات الأمريكية بمهام تدريبية في المنطقة.
وقال ريدور خليل المسؤول الكبير في قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف من مقاتلين سوريين تقودهم وحدات حماية الشعب الكردية، إن توسيع تركيا لنطاق عمليتها «سيلاقي الرد المناسب».
وأضاف في مقابلة أنه يثق في أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية والذي دعم قواته في معركتها ضد المتشددين يحاول ممارسة ضغوط على تركيا للحد من هجومها. * عدد القتلى
وقال إردوغان اليوم السبت إن القوات التركية والجيش السوري الحر المتحالف معها قتلت 394 مسلحا منذ بدء التوغل وفقد الجانبان معا 20 مقاتلا.
وفي وقت لاحق من اليوم، قال الجيش التركي إن جنديين واثنين من مقاتلي الجيش السوري الحر قتلوا بينما أصيب 11 جنديا آخرين وأربعة من مقاتلي الجيش السوري الحر بجروح طفيفة في الاشتباكات التي وقعت اليوم السبت.
واتهمت قوات سوريا الديمقراطية تركيا بالمبالغة في عدد المقاتلين الأكراد الذين سقطوا قتلى.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا إن 36 مدنيا في عفرين منهم عشرة أطفال قتلوا حتى الآن.
وأضاف المرصد أن 59 من مقاتلي وحدات حماية الشعب و69 على الأقل من مقاتلي الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا قتلوا في الاشتباكات. وقال إن سبعة جنود أتراك قتلوا وإن سبعة آخرين في عداد المفقودين…
الخوف من الـ «مأساة»
من على سرير في أحد مستشفيات مدينة عفرين في شمال سوريا، يرفع رجل مضمد الرأس وقد تورمت عينه اليمنى شارة النصر، بعدما أصيب بقصف تركي يستهدف المنطقة التي تحذر كوادرها الطبية من «مأساة» نتيجة غياب الامدادات عنها.
ويقول مدير مستشفى آفرين، الرئيسي في مدينة عفرين، خليل صبري أحمد «المعونات الانسانية والطبية والادوية والمواد اللازمة لمساعدة المدنيين باتت على وشك الانتهاء».
وبدأت تركيا مع فصائل سورية معارضة قريبة منها في 20 يناير هجوما من داخل أراضيها تحت تسمية «غصن الزيتون»، تقول انه يستهدف المقاتلين الأكراد الذين تعدهم أنقرة «ارهابيين» في منطقة عفرين شمال محافظة حلب.
وتستهدف الطائرات والمدفعية التركية بشكل خاص منذ بدء الهجوم المناطق القريبة من الحدود، فيما لا تزال مدينة عفرين بمنأى من المعارك ما جعلها وجهة أساسية للمصابين والنازحين الفارين من القصف.
وفي مستشفى آفرين، بدت الممرات خالية سوى من بعض الممرضين والمدنيين من أقرباء المرضى، فيما وزع الجرحى على الغرف على جانبيها.
تستلقي فتاة في احدى الغرف وقد وضع الجبس حول رجلها. تفضل الصمت رغم تشجيع من حولها لها بالحديث عن تجربتها. وفي سرير مجاور لها، ينام رجل مضمد الرأس قبل أن يأتي أحدهم ويحكم وضع الغطاء عليه.
في بنك الدم التابع للمستشفى، يتبرع عدد من الاشخاص بالدم في محاولة لتأمين حاجات المستشفى الذي يقصده الجرحى المدنيون.
ووثق المرصد السوري لحقوق الأنسان مقتل 36 مدنيا على الأقل واصابة العشرات بجروح جراء القصف التركي على منطقة عفرين خلال أسبوع.
ويقول احمد «المدنيون هم أكثر المتضررين»، مشيرا إلى أن المستشفى يستقبل الحالات الأكثر خطورة فيما تعالج المراكز الطبية الصغيرة الاصابات الطفيفة.
وأشار الى ملاجئ أنشئت لعلاج المصابين أيضا «بعد استهداف نقاط طبية قريبة من الحدود التركية».
وقد استقبل المستشفى منذ بدء الهجوم عشرات الجرحى المدنيين، غالبيتهم من الاطفال والنساء، جراء القصف التركي.
ويضيف أحمد «المستشفى جاهز لاستقبال الجرحى، لكن (…) امكاناتنا ضعيفة طبعا بسبب الحصار، واذا زاد الضغط أكثر فان قدرتنا على التحمل ستكون ضعيفة جدا «.
وتحد منطقة عفرين تركيا من جهتي الشمال والغرب، وهي على تماس مع منطقة أعزاز الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة من جهة الشرق. وللمنطقة حاليا منفذ وحيد يربطها بمدينة حلب يمر عبر بلدتين يسيطر عليهما مسلحون موالون لقوات النظام.
وناشد أحمد المنظمات الدولية أن «تساعدنا قدر الامكان على الصعيد الانساني».
بدورها، دقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ناقوس الخطر، متحدثة عن مقتل 11 طفلا نتيجة «اعمال العنف في عفرين».
وأشارت المنظمة إلى دعمها فريقين طبيين متنقلين مركزهما مدينة حلب «حيث يتوقع وصول العائلات النازحة» من عفرين.
ولفتت إلى معاناة المدنيين في عفرين حيث «العنف المستشري بلغ درجة تضطر فيها العائلات إلى ملازمة أقبية المباني التي تقيم فيها»، كما «أغلقت معظم المحلات التجارية، واستدعى هذا الوضع تعليق خدمات حماية الطفل التي تدعمها اليونيسف».
وكانت الأمم المتحدة تحدثت عن نزوح نحو خمسة آلاف شخص نتيجة الهجوم التركي على عفرين، توجه جزء منهم إلى مدينة عفرين نفسها التي يعيش فيها أكثر من 300 ألف شخص.
وأكدت يونيسف في بيانها أن «للحروب قوانين، وهذه القوانين ت خرق يوميا في سوريا».
ووصف الرئيس المشترك للهلال الأحمر الكردي في عفرين نوري شيخ قنبر ما يحدث في عفرين جراء الهجوم التركي بـ»المآسي الانسانية الكبيرة».
وقال «نتمنى أن يكون هناك مبادرات انسانية من قبل المنظمات الدولية لادخال المساعدات»، مشيرا إلى حاجتهم حتى الى سيارات اسعاف.
وخلال الأسبوع الماضي، تكرر المشهد أمام مشارح مستشفيات عفرين: نساء ورجال يبكون اقرباء لهم.
وخرج رجل فقد ابنه جراء القصف من أحد المشارح، مخاطبا المتجمعين في الخارج وصارخا فيهم «لا تبكوا، أولادنا باتوا في الجنة الآن. تحيا مقاطعة عفرين ويحيا سكان عفرين».
الشرطة الالمانية تفرق تظاهرة للاكراد
امرت الشرطة الالمانية السبت بتفريق تظاهرة شارك فيها نحو عشرين الف كردي في مدينة كولونيا تنديدا بالهجوم التركي في شمال سوريا، وذلك بسبب رفع المتظاهرين شعارات عدة لحزب العمال الكردستاني محظورة في المانيا.
وقال متحدث باسم الشرطة المحلية لفرانس برس ان «عددا كبيرا من المتظاهرين رفعوا اعلاما محظورة ومجسمات لعبدالله اوجلان» الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، فيما رفض اخرون كشف وجوههم بعدما شاركوا في التظاهرة ملثمين.
وفرقت الشرطة عددا من المتظاهرين الذي اصروا على متابعة سيرهم واعتقلت شخصين. وقدرت عدد المتظاهرين بما بين 15 الفا وعشرين الفا ساروا على وقع هتاف «اردوغان ديكتاتور».
وتصنف تركيا وحلفاؤها الغربيون حزب العمال الكردستاني منظمة ارهابية ويحظر على الحزب ان يظهر رموزه علنا في المانيا.
وسبق ان اتهمت انقرة برلين بالتساهل الى حد بعيد مع هذا الامر خلال تجمعات للاكراد في المانيا.
وسارع اليسار الراديكالي الالماني (دي لينكه) الى اتهام السلطات بانها «ركعت في شكل غير مباشر امام اردوغان» عبر اصدار تعليمات بتفريق التجمع في وقت تسعى برلين الى تحسين علاقاتها مع انقرة بعدما تدهورت في شكل كبير منذ حملة التطهير التي اعقبت محاولة الانقلاب في تركيا في يوليو 2016.
وتم تفريق التظاهرة في كولونيا السبت في اجواء مشحونة مع انتشار نحو الفي شرطي لتفادي اي حوادث محتملة.
لكن متحدثا باسم الشرطة صرح لوكالة الانباء الالمانية ان «صدامات محدودة» جرت «بين اتراك واكراد» من دون تسجيل «اعمال عنف كبيرة».
كذلك، شهدت فرنسا السبت تظاهرات مؤيدة للاكراد ولكن على نطاق محدود. وسار 2500 شخص في وسط باريس خلف لافتة حملتها ست نساء اكدت ان «فاشية اردوغان التركية سيتم دفنها في عفرين».
وفي مرسيليا، تجمع نحو الفي شخص وفق الشرطة من دون حوادث في الميناء القديم. وقال سهيل ازاد المتحدث باسم المركز الديموقراطي الكردي في المدينة «لقد تعرضنا للخيانة، هزمنا داعش وتركيا اليوم تذبح شعبنا».
في كولونيا، رفع بعض المشاركين في التظاهرة لافتات طالبت ب»الحرية لكردستان» او كتب عليها «عار عليك اوروبا» بحسب مراسل لفرانس برس.
واستخدم بعض المتظاهرين الغاضبين عصي الاعلام لمهاجمة الشرطة بحسب وسائل الاعلام الالمانية. لكن هذه الحوادث انتهت بسرعة.
وتواصل تركيا هجومها على وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين بشمال غرب سوريا والتي تعتبرها «ارهابية» وامتدادا للمتمردين الاكراد على اراضيها.
من جهته، كتب رئيس الجالية الكردية في المانيا محمد تانريفردي في صحيفة «هيلبرونر شتيمي» الاقليمية ان «تركيا بدأت حربا عدوانية تتنافى والقانون الدولي».
ويتصاعد قلق المانيا من خطر انتقال النزاع بين الاتراك والاكراد الى اراضيها، وخصوصا ان نحو مليون كردي وثلاثة ملايين مواطن تركي او من اصل تركي يقيمون فيها.
وحض وزير الخارجية الالماني سيغمار غابرييل انقرة هذا الاسبوع على وقف هجومها العسكري معلنا تجميد تسليم اسلحة لتركيا لتطوير دباباتها الالمانية الصنع من طراز «ليوبارد».
واستخدمت هذه الدبابات في الهجوم التركي في شمال سوريا، ما تسبب باحراج كبير لبرلين.
وقبل التظاهرة في كولونيا، وقعت بعض الصدامات بين الاتراك والاكراد وتعرضت مساجد تركية في المانيا لاعمال تخريب في الايام الاخيرة.