«لن أكمل رمضان»، ذلك كان يقينه الذي أطلقه في وجه بعض من أحبته وصحبه، وهو على فراش المرض بمستشفى ابن سينا بالرباط.. وها قد وفى وعده بالرحيل..
عبد الحميد بنداوود يغادرنا يوم آخر جمعة من رمضان 1440 هجرية، قبل ليلة القدر بقليل..
ذلك الطفل المشاكس فتح باب الأرض وغاص فيها، حيث ينتظره أحب الناس إليه «والده».. كانت بينهما علاقة وفاء لا وصف لها، هي من طينة الصوفية..
كان عبد الحميد بنداوود بقلب طفل يمشي فوق سواد الإسفلت، فكان دوما في خصومة معه، ومع سطوة المؤسسات كيفما كانت سلطتها عليه. ووحده ظل يقاوم بقلب الطين الذي جاء به من تراب بادية تازة، هناك حيث خرير الماء قصة حياة، وحيث الزيتون ثروة الروح، وحيث خبز الأمهات طازج في الفجر، ظل يقاوم سواد الإسفلت ويصرخ عاليا: «لن أستسلم لسوادك أبدا».
وداعا أخي عبد الحميد، كم كنت وحدك وكم كنت ممتلئا بك، مكتفيا. لقد أكملت قصتك كما أردت لها بإصرار، بذات النخوة، بربطة عنق دائمة، بأناقة في اللباس، بملامحك الإغريقية، تلك التي ظلت تؤمن بحكمة سقراط:
«سقراط ليس الطبيب،
الموت هو الطبيب،
سقراط كان فقط المريض».