وضعت آخر نقطة ماء في دلوها على
الحَبَقة
ونامت قربها
عبَرَ القمر وجاءت الشمس
وظلت نائمة
…..
وحين جاؤوا
كانت نقطة ماء لاتزال
ترشح من يدها وتزحف
الى الحبقة»
بهذه الكلمات الندية والموغلة في الجرح في آن، افتتح أول أمس الشاعر اللبناني وديع سعادة أمسيته الشعرية بالمعرض االدولي للكتاب في دورته 25، بقصيدة أمي» .. الأم التي لم تكن تدري وهي تسقي بذرة الحبَق، أنها تسقي قلب ابنها البسيط فتنمو الأعشاب البرية والطحالب، وتتشكل ملامح البشر على صفحات البحيرات وينبت للعصافير ريش ثم تصير لها أجنحة تحلق بها في سماء سرية بسبب غيمة على الأرجح… الأم التي «حين تمر في الحي تفوح كل الحقول من ثيابها» فنظل حيارى: مَنْ الحبقة ومَنِ الأم؟
حوالي الساعة حلق الشاعر وديع سعادة بالحضور الى أقاصي الغياب، الى مرارته، وإلى جماله حين يكون خفيفا، الى قسوته حين يبدو غريبا ، نفش ريش الموت فأضحى طاووسا جميلا، مشتهى. مسح على جبين الغريب مُسِرًّا له ان كسرة خبز لا تزال على الطاولة وأن العصفورة لاتزال تنقر على زجاج النافذة تحرس ظله الى أن يعود .
وببياض الطفولة ودهشة الكلمات التي ظل ، كما جاء في كلمة رئيس بيت الشعر مراد القادري خلال الأمسية «مقيما فيها ، مكتفيا بها، مشذبا وراعيا لاستعاراتها في حديقته الخلفية، مابين تمجيد للغياب وللعابرين ورصد للذكريات والحيرة والموت والحروب والهجرات وكل ما يشعل الهشاشة في الذات وفي علاقتها بالآخر وبالعالم»، كان يفتح في القصيدة الواحدة جرحا غويرا ويضمده في الآن، يعلن موتنا قبل أن يحيي العظام الرميم التي ذابت، فإذا بنا طحالب تسعى، تنصت، تهف السمع الى شفيف الماء وأشَدّه وأوجَعِه دون أن تصدر عنا أنّة أو آه .
عبر في كلام غير عابر،
ثم أغلق دفتي ديوانه
ترك ظله هنا ومضى.