انسجاما مع ما سجلناه من ملاحظات في الفترة الممتدة بين منتصف مارس إلى نهاية السنة الدراسية الماضية ، لم تكن المردودية المتوخاة من وراء عمليات التعليم عن بعد في مستوى التطلعات ، ولا أدل على ذلك من القرار الذي اتخذته الوزارة وهي تعفي تلاميذ المستويات الإشهادية من الدروس المنجزة عن بعد، مكتفية بالدروس المنجزة حضوريا، وهو قرار له مبرراته التي لم تستطع الوزارة للأسف إشهارها أو إيجاد حل لها، وهي قلة شجاعة منها، إن لم نقل تغطية للفشل الذي لازم هذه التجربة.
وحتى نكون أكثر موضوعية، ففشل تجربة التعليم عن بعد وتوقع فشلها مستقبلا يجد إجابات عنه في ما يلي:
أولا: ضعف البنية التقنية والخدماتية العامة في المغرب، حيث إن المداشر القروية بل إن كثيرا من المناطق الشبه الحضرية لم تستفد من خدمات تعميم الكهرباء والتغطية الخاصة بالهاتف العادي أو الانترنت على اعتبارهما خدمتين (الكهرباء والتغطية) أساسيتين في تأمين توصل جميع المتعلمين بالدروس المنجزة عن بعد، والتفاعل مع الأنشطة المباشرة داخل الحصص المنجزة، زد على ذلك غياب أية مبادرة خاصة بتعميم الألواح الالكترونية على المتعلمين، وهي عملية نجد جوابا عن غيابها في غياب الكهرباء والتغطية.
ثانيا: غياب التكوين الأساسي الذي يهم المدرسين والتلاميذ معا، إذ يسجل في هذا الخصوص النقص الحاصل في التكوين لدى المدرسين في مجال الإعلاميات، مما يشكل عائقا حقيقيا أمامهم لاستغلال للمنصات الإلكترونية المسخرة لذلك، والأمر نفسه يسجل على الغالبية العظمى من التلاميذ الذين لا يدرسون بتاتا إواليات مادة الإعلاميات خاصة تلاميذ السلك الابتدائي.
ثالثا: عدم فاعلية الدروس المبثوثة على شاشات التلفاز، حيث تبقى دروسا تلقينية بامتياز تعتمد على الطرق الكلاسيكية والحشو والميكانيكية، وهي أمور تبعد المتعلم عن قلب العملية التعليمية التعلمية وتتعامل معه كأنه إناء، في الوقت الذي ينبغي أن يكون هناك تفاعل للمتعلمين مع الدروس المبثوثة مباشرة، حتى يتسنى للأستاذ التدخل إما للتوضيح أو التصحيح أو المعالجة أو الدعم أو التعضيد.
رابعا: المشاكل الصحية الناجمة عن استعمال الوسائط التكنولوجية، حيث إن استعمال الأطفال لهذه الوسائط بشكل يومي ومستمر قد يعصف بسلامة صحتهم خاصة ما يتعلق بالتأثير على البصر والعمود الفقري، وبالتالي غياب التركيز المطلوب أثناء عمليات التعلم عن بعد.
خامسا: غياب مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، وهذا الأمر، إن صح التعبير، نتاج غياب مقومات التعليم عن بعد أساسا، كما أن التكافؤ في الفرص أيضا قد نجد ضحايا له، يتمثلون في المتعلمين الذين يعانون من إعاقات خاصة على مستوى البصر خاصة.
إن فشل تجربة التعليم عن بعد وتوقع فشلها مستقبلا في المغرب يعني أيضا فشل التعليم بالتناوب، لأنه هو الآخر يعتمد في شقه الثاني على التعليم عن بعد، وما سيق من أسباب دالة على فشل التعليم عن بعد يبقى ساريا أيضا على التعليم بالتناوب، ومعه تبقى وزارة التربية الوطنية مدعوة إلى مصارحة المغاربة دون تجن بشأن حقيقة الواقع المر الذي تعيشه منظومة التربية والتكوين كما تعيشه قطاعات أخرى، الأمر الذي يستدعي الآن وفورا التركيز على المداخل الكبرى للإصلاح.
(*) فاعل وتربوي