وسط ترقب وحذر في مختلف أنحاء العالم : اليوم ينتخب الأمريكيون رئيسهم الجديد في ظل انقسامات غير مسبوقة

يتوجه اليوم الناخبون الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب رئيس جديد، في انتخابات مثيرة وغير مسبوقة بسبب المنافسة الشديدة والخطاب السياسي للمرشحين الرئيسيين، والذي في أغلب الأوقات انحرف عن سياقه المعتاد، ليتحول إلى هجوم شخصي وكيل للشتائم والاتهامات، مما زاد من جرعة القلق لدى قطاع واسع من الرأي العام، من أن تؤدي، بعد إعلان النتائج، إلى موجة من العنف بين أنصار المعسكرين، الديموقراطي، ممثلا بالمرشحة كامالا هاريس والجمهوري ممثلا بدونالد ترامب.
وصوت أكثر من 76 مليون شخص مبكرا قبل الثلاثاء في وقت تظهر الاستطلاعات تعادل نتائج المرشحين في هذه المرحلة إلى حد غير مسبوق.
وفي هذا الإطار، واصلت كل كامالا هاريس ومنافسها دونالد ترامب الأحد حملة أخيرة محمومة لكسب الأصوات في الولايات الحاسمة قبل ساعات على موعد الانتخابات التي تشهد تقاربا تاريخيا في التأييد.
وقال ترامب في أول تجمع انتخابي له في بنسلفانيا حيث يراهن على مزاعم لا أساس لها بشأن محاولات تزوير، إن «مصير أمتنا بين أيديكم. عليكم أن تنهضوا الثلاثاء». ووعد ترامب بـ»موجة عارمة» من الأصوات لمصلحته.
من جهتها أكدت هاريس، على منصة للحملة الانتخابية في جامعة ميشيغان، أن «الزخم في مصلحتنا».
وفي هذه الولاية، حيث تخاطر بفقدان دعم السكان من أصول عربية الذين يمثلون نحو 200 ألف شخص، بسبب دعم واشنطن لإسرائيل، وعدت الديموقراطية «بفعل كل شيء لوقف الحرب في غزة».
وقالت هاريس «أريد أن أقول إن هذا عام صعب نظرا إلى حجم الموت والدمار في غزة، ونظرا إلى الضحايا المدنيين والنازحين في لبنان».
وأشار استطلاع أخير أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع سيينا الأحد إلى بعض التغييرات التدريجية في الولايات الرئيسية المتأرجحة، لكن النتائج من كل الولايات السبع ظلت ضمن هامش الخطأ.
وهاريس الساعية لكسب التأييد في ولايات البحيرات الكبرى التي تعد أساسية بالنسبة للديموقراطيين، قضت النهار في ميشيغن، بدءا بديترويت قبل التوقف في بونتياك وإقامتها تجمعا انتخابي مساء في جامعة ولاية ميشيغن.
وقالت هاريس في دردشة مع الصحافيين في ديترويت «ملأت للتو بطاقة الاقتراع (وأرسلتها) عبر البريد»، مضيفة أن «بطاقتي في طريقها إلى كاليفورنيا»، الولاية التي تتحدر منها.
أما جدول أعمال ترامب ليوم الأحد، فقد تركز على بنسلفانيا وكارولاينا الشمالية وجورجيا التي يعد الفوز فيها مكسبا في منتهى الأهمية في إطار نظام «المجمع الانتخابي» الذي يعطي النفوذ للولايات بحسب عدد سكانها.
ويتوقع أن يرفض ترامب النتائج إذا خسر، كما فعل قبل أربع سنوات. والأحد، استغل ترامب مخالفات معزولة اكتشفها مسؤولو الانتخابات لتضخيم مزاعمه حول تفشي «التزوير» على نطاق واسع. وأضاف أمام أنصاره في بنسلفانيا «إنهم يقاتلون بشدة من أجل سرقة هذا الشيء».
ويحاول الجمهوريون أيضا في بنسلفانيا التي تضم جالية بورتوريكية كبيرة، احتواء تداعيات وصف أحد المتحدثين لبورتوريكو خلال تجمع انتخابي لترامب في نيويورك على أنها «جزيرة قمامة عائمة».
ميشيغن تعد من جهتها واحدة من الولايات السبع الحاسمة التي تجري متابعة التطورات فيها من كثب.
ونجح ترامب في كسب تأييد الولاية التي كانت معقلا للديموقراطيين سابقا عندما هزم هيلاري كلينتون عام 2016. وأعادها الرئيس جو بايدن إلى صف الديموقراطيين في 2020، بدعم من العمال النقابيين وجالية كبيرة من الأميركيين المتحدرين من أصول إفريقية.
لكن هاريس تواجه هذه المرة خطر خسارة تأييد جالية أميركية عربية تعد 200 ألف نسمة، نددت بطريقة تعاطي بايدن مع الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة.
وأشارت مراكز الاستطلاع إلى تراجع تأييد السود للمرشحة الديموقراطية فيما يقر مساعدو هاريس بأنه ما زال عليهم بذل كثير من الجهود لدفع ما يكفي من الرجال الأميركيين من أصل إفريقي لدعم هاريس كما كان الحال مع بايدن في 2020.
وفي مسعى لتجاوز قاعدة مؤيديها التقليدية، اختتمت هاريس يوم حملتها السبت بظهور مفاجئ على برنامج «ساترداي نايت لايف» حيث سخرت من منافسها ترامب. وقالت نائبة الرئيس الأميركي «أبقوا كامالا وامضوا قدما جميعا».
وحجزت حملة هاريس التي تسعى إلى الظهور على التلفزيون بأكبر قدر ممكن، مساحة لمدة دقيقتين من البث الأحد أثناء مباريات كرة القدم، بما في ذلك خلال مباراة بين فريقين في الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية من ولايتين حاسمتين: غرين باي باكرز (ويسكنسون) وديترويت لاينز (ميشيغن).
وتتعهد هاريس في الإعلان أن تكون «رئيسة لجميع الأميركيين» وتعد «ببناء مستقبل أكبر لأمتنا». وذكرت حملتها أن «أبحاث الحملة تظهر أن الأسبوع الماضي أثبت أنه حاسم في ترسيخ الخيار في هذه الانتخابات لدى الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم بعد وأولئك الأقل استعدادا» للتصويت.
وتلقت هاريس (60 عاما) دفعا إلى الأمام السبت عندما أظهر استطلاع لصحيفة «دي موين ريجستر» قبل يوم الانتخابات والذي يعد مقياسا يمكن الوثوق به للجو العام، تقدم هاريس في ولاية آيوا التي فاز فيها ترامب بسهولة في 2016 و2020.
وتقد مت بثلاث نقاط في الاستطلاع بعدما كانت متخلفة عن منافسها بأربع نقاط في سبتمبر.

الرهانات الخمسة الكبرى
في الانتخابات الرئاسية الأميركية

توصف الانتخابات الرئاسية التي تنظمها الولايات المتحدة الثلاثاء على أنها تاريخية. لكن ما هي الرهانات السياسية الأساسية فيها؟
بعد ثلاث سنوات من التضخم الشديد، باتت القدرة الشرائية محط اهتمام كبير للعديد من الأميركيين.
ووعد المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية «بأكثر من 10%» على كل الواردات، مؤكدا أن ذلك سيسمح له بتمويل تخفيضات ضريبية أكبر، وهو الذي عمد خلال ولايته على خفض الضرائب على الشركات والأكثر ثراء.
كما تعهد ترامب بجعل الولايات المتحدة «العاصمة العالمية للبتكوين والعملات المشفرة».
من جانبها، تقدم منافسته الديموقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس نفسها على أنها مرشحة الطبقات الوسطى، وتتعهد بإقامة «اقتصاد الفرص». وإن كانت اعتمدت بعض التعهدات التي قطعها الرئيس جو بايدن قبل أن يسحب ترشيحه لصالحها، فهي أدخلت عليها تعديلات.
وتعهدت بتقديم تخفيض ضريبي للعائلات التي تنجب طفلا، ومساعدة لشراء أول منزل، وبإعطاء دفع لإنشاء شركات.
وتشكل الحدود «المسألة الأولى» بالنسبة لترامب، وهي الموضوع الأكثر حساسية في الحملة الانتخابية، بعدما سجلت الولايات المتحدة في عهد بايدن ذروة في عدد المهاجرين غير القانونيين الوافدين.
وبعدما خاض حملته الانتخابية عام 2016 واعدا ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين، مضى المرشح الجمهوري أبعد من ذلك هذه المرة، واعدا بأكبر عملية ترحيل مهاجرين غير قانونيين في تاريخ البلاد.
وهو يردد على الدوام خطابه المعادي للأجانب الذي يجرد المهاجرين من أي صفة بشرية، فيندد بـ»اجتياح» و»جحافل» مؤكدا «إنهم يسممون دماء أميركا».
أما هاريس التي تلزم موقعا دفاعيا بهذا الصدد، فأوضحت أنها ستعتمد سياسة حازمة حيال الهجرة، مؤكدة أن الذين يدخلون بصورة غير قانونية يفترض أن يتحملوا «عواقب».
وأيدت مشروعا قدمه بايدن لتشديد سياسة الهجرة، ينص خصوصا على الاستثمار في إقامة حواجز مادية.
كما يمكن لمسألة الإجهاض أن تحض مواطنين غير مسيسين تقليديا على التوجه إلى صناديق الاقتراع، ولا سيما النساء منهم، وهو ما قد يعطي أفضلية للديموقراطيين، إذ تنظم بموازاة الانتخابات الرئاسية استفتاءات حول هذا الموضوع في عشر ولايات.
وهذه أول انتخابات رئاسية تجري منذ أن ألغت المحكمة العليا التي تضم أغلبية من الأعضاء المحافظين بعدما عين ترامب ثلاثة من قضاتها، الحماية الفدرالية لحق النساء في الإجهاض، بإلغائها في يونيو 2022 حكما بهذا الصدد صادرا عام 1973 في قضية «رو ضد وايد».
ومنذ ذلك الحين، فرضت عشرون ولاية على الأقل حظرا كاملا أو جزئيا على الإجهاض.
وجعلت هاريس من هذه المسألة موضوعا محوريا من عملها كنائبة للرئيس وحملتها كمرشحة. وهي تحمل خصمها مسؤولية الوضع الحالي الذي تصفه بأنه «مروع ومؤثر»، داعية إلى إصدار قانون فدرالي يرسي هذا الحق.
في المقابل، يعمد ترامب إلى المراوغة بهذا الصدد، فيعتز بأنه فوض القرار في هذه المسألة إلى الولايات بفضل قرار المحكمة العليا، غير أنه اعتبر أن بعض الولايات «مضت أبعد مما ينبغي».
ووعد بأن إدارته ستكون «رائعة للنساء» غير أن البعض يخشى بعد تصريحاته الملتبسة أن يستخدم صلاحياته الرئاسية للحد من إمكانية الوصول إلى أدوية الإجهاض.
تراقب بعض فئات الناخبين مواقف المرشحين بشكل دقيق، في ظل الحروب الجارية في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
ويردد ترامب الذي يعتبر أن درجة الاحترام لأميركا لم تكن يوما متدنية كما هي اليوم، أنه سيحل النزاعات الجارية بدون إبطاء، من غير أن يوضح كيف سيقوم بذلك.
ويندد بالمبالغ الطائلة التي تنفقها واشنطن لمساعدة كييف منذ بدء الغزو الروسي في 2022.
في المقابل، وعدت هاريس بأنها ستقف «بحزم إلى جانب أوكرانيا» ولن «تصادق الطغاة»، خلافا لمنافسها.
وإن كان كلاهما أكد دعمه لإسرائيل في «حقها في الدفاع عن نفسها»، حاولت نائبة الرئيس اعتماد خطاب أكثر توازنا مشيرة كذلك إلى معاناة الفلسطينيين.
من جهة أخرى، تعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم بعد الصين، لكن قلما تطرق أي من المرشحين لهذه المسألة التي تتباين مواقفهما بشأنها.
ووعد ترامب المشكك في حقيقة الاحترار، بالعودة عن الدعم الممنوح للطاقات المتجددة والآليات الكهربائية، كما تعهد بتنشيط التنقيب واستخراج النفط والخروج مجددا من اتفاق باريس.
أما هاريس، فتعهدت بـ»مواصلة وتطوير الزعامة الدولية للولايات المتحدة بشأن المناخ».
وهي دعمت كنائبة للرئيس خطة الانتقال في مجال الطاقة التي أقرها بايدن في ما يعرف بـ»قانون الحد من التضخم».
كما أنها أيدت بصفتها سناتورة عن كاليفورنيا، «الصفقة الخضراء الجديدة» الرامية إلى الحد بشكل كبير من انبعاثات الغازات ذات مفعول الدفيئة.

 


بتاريخ : 05/11/2024