وضعية اليهود المغاربة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر 21 : أزمة يهود البلاط في فترة انتقال السلطة (1790م/1792م)

تندرج هذه المساهمة المتواضعة ضمن خانة التاريخ الراهن للمغرب، وضمنها نحاول أن نجيب عن أسئلة ظلت عالقة في هذا الصنف الجديد من التاريخ سيما وأن المدارس التاريخية؛ وبخاصة المدرسة الفرنسية، خطت خطوات كبيرة في هذا المجال عندما نادى مؤرخوها بإعطاء الأولوية لتاريخ المهمشين ضمن ما أسماه جاك لوغوفJaque Le Goofالتاريخ الجديد ؛ وفي هذا السياق تم اختيارنا لموضوع اليهود والمخزن خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بغية تسليط الضوء عن موضوع العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأغلبية المسلمة والأقلية اليهودية..

اشتدت أزمة يهود البلاط مباشرة بعد وفاة سيدي محمد بن عبد الله، السلطان المعروف بسياسة الانفتاح على الخارج، وقد اشتد الصراع بين أبنائه مما جعل وضعية يهود البلاط غير مستقرة ولا يعرف إلى ماستؤول إليه، ولعل بعضهم دخل في علاقات مع قوى أجنبية مناوءة للسلطان المولى سليمان. وباختصار يمكن القول أن ثروة اليهود كانت معرضة للضياع في ظل غياب مؤسسات بنكية ومحدودية الاسثتمارات باسثتناء اليهود الذين كانوا يسثتمرون أموالهم خارج المغرب وهم قلة قليلة .
حكم المولى اليزيد مابين 1790 و1792 المغرب ضاربا عرض الحائط مسؤوليته لحماية الذميين، وخلال فترة حكمه ،وحسب صاحب الكتاب ومن خلال أسفار الذكرى والوفيات التي يحتفظ بها اليهود في بيعهم، تعرض يهود المغرب لأبشع الانتهاكات التي تجسدت بتجريدهم من ممتلكاتهم ولاترتبط هذه الوضعية الأخيرة بفترة اليزيد لكنها قاعدة مرتبطة بتجاوز الحدود المرسومة لوضعيتهم المتدنية داخل دولة أغلبيتها من المسلمين، وهو ما يجر عليهم سخط العامة. وماتجدر الاشارة إليه وهو أن السلطان اليزيد اقترف جرائما دموية ليس في حق اليهود فقط وإنما كذلك ضد القبائل التي خرجت عن طاعته وكانت مساندة لأخيه مولاي سليمان. ولاتزال الذاكرة اليهودية محتفظة بحدث إعدام سلطات اليزيد للذمي يعقوب عطال (Jacob Attal) وهو الكاتب اليهودي الذي حظي بتقدير وتشريف من أبيه السلطان سيدي محمد بن عبد الله نظرا للخدمات التي قدمها للدولة المغربية، وقد اعترفت دولة انجلترا أنه بفقدان المغرب ليهوديها هذا فقدت معه أهم وكيل مغربي ووسيط تجاري. ونتيجة لهذه الوضعية المتردية حاول العديد من اليهود المغاربة الميسورين الفرار إلى الخارج بحثا عن ملجئ آمن للنجاة بأنفسهم من جرائم اليزيد التواق إلى حكم المغرب بقبضة من الحديد.
ولهذا الغرض، ولكسب ود الساكنة والعلماء الذين كانو ضد سياسة ابيه سيدي محمد ابن عبد الله،شجع اليزيد « الإبن العاق» نهب الملاحات وهي الشهادة التي أدلى بها المؤرخ المغربي الشاهد على الأحداث «الضعيف الرباطي « قائلا « وأمر بنهب اليهود حيث ماوجدوا، وبنهب كل ملاح في كل أرض من مدن المغرب. لأنه – نصره الله- كان يكره اليهود والنصارى « ( محمد الضعيف، تاريخ الضعيف، تحقيق أحمد العماري، الرباط دار المأثورات، 1983، ص202 نقلا عن دانييل شروتر، يهودي السلطان ، ص، 95).
وفي نظري فإن حملة اليزيد «الابن العاق» ضد اليهود لا يمكن القياس عليها إطلاقا؛ فعداؤه ضد اليهود والنصارى كان مماثلا ضد المسلمين الخارجين عن طاعته، والموالين لأخوي مولاي هشام و مولاي سليمان. ولعل ماتعرض له يهود فاس وتطوان ومكناس وطنجة والقصر الكبير من انتهاكلت جسيمة وصلت حد التصفية الجسدية قد تم في فترة الفراغ السياسي الذي تلى حكم سيدي محمد بن عبد الله. لقد أٌجبر اليهود المغاربة بمغادرة الملاحات والمشي حفاة وعراة، وعندما تخلى أهل الحوز ومراكش عن ولائهم لليزيد وانحياشهم إلى كفة أخيه المولى هشام تعرضت مراكش وأحوازها لأبشع الجرائم الفظيعة، ولم يسثتنى من ذلك حتى علية القوم من علماء وفقهاء وشيوخ الزوايا وأعيان وقد أعطى السلطان أوامره لنهب الملاح وبهذا الصدد يقول محمد الضعيف الرباطي:» أمرهم بالملاح فنهبوه وهدموه، ووجدوا فيه نحو الأربع مائة ألف مثقال دون السلع والجواهر و الذهب، فأعلموا السلطان بما وجدوا فيه فتعجب وقال: لانعرف اليهودي إلا مفلسا مزننا عنده في شكارته وجهين إحداهما مهرسة والأخرى مقصصة. وأمر بخروج اليهود على باب دكالة حفاة عراة ليسكنوا بالحارة» ( الضعيف الرباطي، 233-234/ أنظر كذلك بخصوص محنة اليهود المغاربة الرسالة التي حررها قنصل الدانمارك في طنجة بتاريخ 30 أبريل 1792، عند جون لوي مييج في المقال الآتي: (Jean-Louis Miege : Un bicentenaire ; Schbousboue, botaniste et consul).
لم يسلم يهود الصويرة من الكارثة غير أنه كان من حسن الطالع وفاة اليزيد بمدينة مراكش يوم 16 فبراسر1792وقد سبق أن طلب منهم مبلغا كبيرا من المال وأمر بسجنهم جميعا، ولم يسثتنى منهم سوى اليهود الكبار من ذوي النفوذ، وتنفيدا لأوامر اليزيد فقد حررت لائحة بأسماء اليهود المغاربة الذين تقرر إعدامهم وهم : جوزيف كيابي، لايتون، سيكار، مايير بينيطو، أبودرهم، مردوخاي زاكوري، ميمون قرقوز، بن ساسي، سولومون الصباغ، زوجة طابييرو، أرملة باغا، وحسب صاحب المؤلف فإن إسم مايير مقنين لم يكن واردا في اللائحة المشؤومة، ومن حسن الطالع أن المذبحة لم تتم بسبب وفاة مفاجئة لليزيد وفي هذا السياق صرح القنصل الدنماركي متنفسا الصعداء «أنقدنا هذا الحدث (وفاة اليزيد) من بلاء رهيب كان سيمحقنا لو قدر للسلطان أن يبقى على قيد الحياة، لمجرد يوم إضافي واحد، لكن الرب أنجانا برحمته الواسعة، ولم يسمح بإراقة دماء الأبرياء بالمذبحة التي كانت على وشك الاقتراف في حقنا، تنفيذا للأوامر السلطانية» وهنا يحق لنا التساؤل هل اقتياد هؤلاء اليهود إلى مراكش كان من أجل مصلحة أم من أجل تنفيذ مذبحة لم تكتشف تفاصيلها إلا بعد وفاة اليزيد. إن التهم التي وجهت لهؤلاء مرتبطة بخيانة الدولة والتآمر ضد اليزيد واستيراد أسلحة من الاسبان لزعزعة الاستقرار، ومهما قيل عن هذه الفترة السوداء من تاريخ الذميين بالمغرب إلا أن اليزيد اعترف بأهمية اليهود وبخدماتهم وفي هذا السياق تأتي رسالة اليزيد إلى «أولاد حزان كدالة» تتضمن عبارات الولاء والاخلاص التي ميزت هذه الأسرة اليهودية تجاه اليزيد.


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 08/05/2021