وكانت شعلتها صراخ السماوات

في عز هذا الليل البهيم، انفلتت من هذه الضوضاء و هذا الضوء المزيف الذي رصع حفل الجميع.. شعرت بتخلصها من درن نفسي كانت ترتديه فستان سهرة بوصفها امرأة خاطوا لها معايير الجمال والقد والقوام.
الشارع فسيح وخالٍ. ربما عيون ذئاب جائعة تتربص القمامات والطرائد الشاردة. لكنها السماء التي اغتسلت بنجوم من مقلتيها. تلألأت وبرقت في أنفاس كونها وهي تشرب الهواء الجديد.
كم من مصباح كان يضيئها اشتهاء، يلتهمها افتراسا. كم من عيون سبحت بدموع تماسيح حانية دانية، وهي ترى في تأمّل في تأنٍّ. تشعر بأنها تموت بل ماتت. مرات عديدة تساقطت فيها أوراق شجرها، لكنها لم تكن من أمّ الطبيعة لكي تجددها. ماتت اجزاؤها وتركتها متشظية في هذه الحياة. احترقت الورقات الطريات النضرة الخضرة حيوية النبض.
هي الدروب الفارغة. قد تسمع أصواتا بعيدة تئنّ. قد تستغرب للمفارقة. كم زغردت وكم رقصت وكم غنّت في أعماق الوادي وطلائع السطوح. كم حملتْها طفلة تهدهدها بدغدغات كفٍّ متاحٍ وصوت للإنشاد مباحٍ. تمر بين خطوات الخلق ولا تبالي. هو الغناء الذي شرعتْه حضانة الحب وحب الحضانة. ما بالها تئنّ؟ يعاودها السؤال الشقي. هي الآن أرواح غادرت دنيانا. كيف تُراها تسكن هذه الدروب؟
شقّت طريقها في دامس الظلال والأطلال. بحثت عن مصدر الأنفاس فلم تجد ريحا لها تزفِر.أهي الروح وهذه طبيعتها؟
تحوّل السؤال إلى مدينة قائمة. بسرعة خارج قياس هذا الزمان وهذا المكان، كانت مدينتها التي تعرفها وتسكنها كما تحتضنها.
ما بال الأصوات وقد همدت فلم تعدْ تنوح أو تهمس. تحوّلت وظيفة السمع وأصبحت هي امرأة التاريخ والطبيعة والليل الطويل. صوتها مدينة صاخبة وآلام أمهات ثكلى، وعذابات أطفال تم تعليب أحلامهم داخل خراطيش أسلحة متجددة.
نظرت إلى الخلْف. ما يزال الضجيج سيد الموقف والعالم. رائحة رطوبة تفرزها الأجساد فلا تترك لطراوة محلا. وتلك النظرات شكّلت ألوانها الجديدة، وجدّدت جلدها مثلما تفعل الحيات المعمّرة بكسائها. كأنه قربان موَزَّعٌ بين الموت والحياة، بين دروب الروح ودروب المدينة، بين الضجيج وهذا الصمت الكاسح للظلمة.
اكتشفت أنها لم تعِشْ. أنها تمّ تأثيث الوجود بها هي. شدّدت على ضمير أنوثتها وانطلقت تبني دروب روحها الجديدة. استعانت بعرق جسدها لكي تشعل فتيل الروح، وكانت شعلتها صراخ السماوات.
تمّ الإعلان عن إعادة تشكيل التاريخ والوجود وسقف السماء.


الكاتب : حسن إمامي

  

بتاريخ : 16/03/2018