إن سؤال البعدية أو ما بعد، سؤال ملتبس، بل قد يكون سؤال حلم أو تنجيم… وإذا كانت البعدية موضوعة « notion »على صعيد الفكر الإنساني مثل: ما بعد النسائية..وما بعد الذكورية.. وما بعد الحداثة..وهي أسئلة مرتبطة بإشكاليات وبراديغمات على صعيد الفكر، كما على صعيد الواقع في مناخ تاريخي معين، فإن ما بعد «كورونا»، هو سؤال بعد حدث جلل فاجأ الإنسانية، سؤال يطرح أولا: ما عصر كورونا؟ نقصد هل هناك تشخيص أو فهم موضوعي لأسباب نزول هذا العصر، ومناخه المركب والمتراكب على صعيد العلم والبحث، كما على صعيد السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، بصيغة أخرى: هل نحن أمام تشخيص متفق عليه؟ أم أمام تشخيصات متعددة تنطلق من الاستنتاج وليس من المعرفة، من التأمل وليس التحديد..؟
إن هكذا أسئلة تعكس حالة النسبية واللايقين في المعرفة الإنسانية بصفة عامة، وعلى العصر الكوروني بصفة أخص، لأنه عصر اختلط فيه التحليل التآمري بالتحليل العلمي، أقصد البحث عن بروتوكول علاجي ناجع وفعال ينقذ الإنسانية من الهلاك..وهكذا يمكن الحديث عن ثلاث مراحل متداخلة ومتواصلة:
مرحلة الصدمة: بانتشار هذا الوباء من الصين إلى العالم.
مرحلة الدهشة أي البحث عن وسائل الوقاية والبحث عن وسائل العلاج.
مرحلة الشك والتأويل: إن هذه المرحلة الأخيرة التي طرح فيها العلم الإنساني، بدءا من علم السياسة إلى علم الاجتماع، إلى علم التاريخ…إلى علم الاقتصاد..إلى الفلسفة، سؤال: وماذا بعد؟ هكذا عن بعد، قبل أن ينتهي عصر كورونا ولا يُعرف متى ينتهي لأن منظمة الصحة العالمية نبهت قبل أيام إلى عدم التسرع في رفع الحجر الصحي، بل إن الصين أكدت عودة كورونا ولو في حالات.
إن سؤال الما بعد هو سؤال مضمر لما سيكون عليه العالم من حيث الإدارة والريادة، من سيحكم العالم؟ هل ستتغير القطبية الوحيدة الآنية، وهل ستنتقل من الأحادية إلى التعددية؟
وجوابا عن هذه الأسئلة، هناك سيناريوهات قد تكون ذهنية أكثر منها واقعية أو تقترب من الواقع.. إلا أن المؤشرات التي يمكن الانطلاق منها من أجل بناء قراءة نسبية أو اقرب إلى المآل هي:
من المنتصر في ابتكار بروتوكول علاجي؟
من المنتصر في إجراء الحجر الصحي كإجراء وقائي؟
من له القدرة على مساعدة الآخرين في هذا الزمن الصعب؟
ودون أن أطيل، يبدو واضحا أن الصين هنا تحتل مكان قوية، علاجا ووقاية، بل حتى في رغبتها في المساعدة، ذلك في الوقت الذي توارت فيه أمريكا، وتخلت عن المؤازرة، سواء بالنسبة للدول الأوربية أو غير الأوربية مما جر عليها السخط والغضب..فهل الصين قادمة إلى رئاسة العالم؟
ما أستطيع أن أؤكد هنا، هو حلم الصين الذي بدأ منذ عقد من الزمن أو أكثر، ومن مؤشراته تقوية اقتصادها، وانفتاحها على بلدان من جميع القارات والمغرب واحد من هذه البلدان، على مستوى الحضور الثقافي وفي مقدمته تعلم اللغة الصينية، وتبادل الزيارات والوفود الثقافية ما بين الكتاب والصحافيين المغاربة والصينيين..
فإلى أي حد سيتحقق حلم الصين أو يقترب من الصين.. ومن سيكون منتصرا حقا، والى ماذا سينتهي السجال اليوم بين أمريكا والصين؟ هل فعلا سيكون هناك تحول ما، أم أنه مجرد سحابة صيف عابرة ستنتهي بانتهاء «العصر الكوروني»؟
أقول هذا وأنا متهيب، بل وحذر جدا، لأسباب عديدة منها:
كم من السيناريوهات التي طرحناها في حرب الخليج الاولى في 1991، وفي أحداث 11 شتنبر 2001، وفي الربيع في 2011، وها نحن نطرح أسئلة في هذا العصر الكوروني اليوم.
لاشك أن كورونا أدت إلى كثير من الأفعال عن بعد، كالتعليم عن بعد والتواصل عن بعد والصحافة عن بعد، وكثير من السلوكات الإنسانية في هذا الحجر، عن بعد، كما لا شك أن السؤال عما بعد هو أيضا، عن بعد.. !!
عالم الاجتماع والباحث
في سوسيولوجيا الثقافة