قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر يهدد بتعطيل استراتيجية الولايات المتحدة بأكملها لمحاربة «الإسلاميين المتشددين» الذين يوسعون مجال تأثيرهم في غرب أفريقيا، ومن المحتمل أن يمنح روسيا فرصة استراتيجية في الوقت الذي تحاول فيه توسيع نفوذها بالمنطقة.
وقالت الصحيفة إن النهج الأمريكي تمحور تجاه الأمن الإقليمي ومن خلال إرسال الكوماندوز الأمريكيين لتدريب قوات النخبة المحلية لمواجهة تنظيمي القاعدة وداعش، التي انتشرت أيديولوجيتها بسرعة من الشرق الأوسط وجنوب آسيا إلى منطقة الساحل، وهي المنطقة شبه القاحلة الواقعة جنوب الصحراء، على مدى السنوات الست الماضية.
والآن، مع استمرار تشوش المشهد بعد أن أطاح ضباط عسكريون برئيس النيجر محمد بازوم يوم الأربعاء الماضي، تجد الولايات المتحدة نفسها مقيدة بالقانون الأمريكي الذي يحظر عليها تقديم معظم المساعدات الأمنية للأنظمة العسكرية.
ومع قول القوات المسلحة النيجرية يوم الخميس إنها دعمت التمرد، فإن القلق في واشنطن هو أن قادة الانقلاب يخاطرون بالتنازل عن المزيد من الأرض للمسلحين بعد الانفصال عن الولايات المتحدة، ويمكن أن يلجأوا بدلا من ذلك إلى المرتزقة الروس لمساعدتهم على القتال.
بازوم، الذي تم انتخابه في عام 2021، كان حليفا أساسيا في حملة الولايات المتحدة. وتستضيف الدولة الشاسعة الواقعة في غرب أفريقيا مسيرات أمريكية وقوات كوماندوز أمريكية، قاموا بتدريب القوات الخاصة النيجرية وتقديم المشورة لهم خلال المهام القتالية ضد «بوكو حرام» والجماعات المحلية التابعة لتنظيم القاعدة والدولة. وقتل أربعة جنود أمريكيين في كمين نصبه تنظيم الدولة في النيجر عام 2017.
وقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 500 مليون دولار منذ عام 2012 لبناء وتدريب قواتها المسلحة. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مليار يورو كمساعدات للنيجر، الأمر الذي أدى بدوره إلى توقف تدفق المهاجرين المتجهين شمالا نحو ليبيا والبحر الأبيض المتوسط.
وعلقت الصحيفة بأن الانقلابات في بوركينا فاسو ومالي على مدى العامين الماضيين أدت بالفعل إلى إعاقة المساعدة العسكرية الأمريكية للمنطقة؛ ويحد قانون التخصيصات الأمريكية بشدة من المساعدات للجيوش التي أطاحت بالحكومات المدنية.
وعلى الرغم من أن محامي وزارة الخارجية لم يعلنوا أن الأحداث في النيجر هي انقلاب، فإن مثل هذه الخطوة تبدو مرجحة.
وبعد الاستيلاء على السلطة، فقد أطاحت الجيوش في كل من مالي وبوركينا فاسو بقوات من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في معظم أنحاء غرب أفريقيا. واستأجرت مالي المئات من مقاتلي مجموعة فاغنر المرتبطين بروسيا، والذين اتهموا بارتكاب مذابح بحق المدنيين ونهب الموارد الطبيعية للبلاد.
وقال مسؤول استخباراتي أمريكي رفيع، إن «النيجر هي آخر قطعة من الدومينو نأمل ألا تسقط. إذا سقطت، فأنا لا أعرف بالضبط ما الذي سنفعله». وقال المسؤول إن النيجر كانت «آخر موطئ قدم رئيسي» في منطقة الساحل للقوات الأمريكية والفرنسية.
ويشعر القادة العسكريون الأمريكيون بالقلق من أن الانقلاب سيشجع المسلحين، لا سيما من القاعدة، الذين شنوا آلاف الهجمات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو منذ عام 2017، ويضغطون الآن جنوبا في المناطق الشمالية من ساحل العاج وتوغو وبنين. وهناك قلق بين المسؤولين الأمريكيين والغانيين من أن المسلحين يضعون أعينهم على غانا، وهي قوة اقتصادية وسياسية إقليمية تضم عددا كبيرا من المسلمين في شمالها الفقير نسبيا.
وقال ضابط عسكري كبير من بنين، وهي دولة ساحلية تقع على حدودها الشمالية بوركينا فاسو والنيجر: «لا يزال عدم الاستقرار السياسي في النيجر مصدر قلق كبير. من الآن فصاعدا، قد نواجه نشاطا متزايدا من قبل الجماعات الإرهابية على طول حدودنا المشتركة».
وبينما أعرب المسؤولون الأمريكيون عن أمل غامض يوم الخميس في أن الانقلاب في النيجر ربما يتم عكسه، تشير الأدلة على الأرض إلى أن الإطاحة بـ زوم كانت نهائية. وقال مسؤولون كبار سابقون في النيجر وأوروبيون اطلعوا على الانقلاب، إن المجلس العسكري واجه معارضة محدودة من القطاعات الموالية للجيش، لكن اليد العليا الآن لها.
وقال اللواء عبده صديقو عيسى، الناطق العسكري، في بيان وزع الخميس، إن كبار ضباطها قرروا دعم التمرد «للحفاظ على السلامة الجسدية للرئيس وعائلته وتجنب المواجهات الدامية» بين أفرع القوات المسلحة.
وقال الرائد أمادو عبد الرحمن المتحدث باسم مدبري الانقلاب في إعلان متلفز، الخميس، إنه تم تعليق جميع الأحزاب السياسية. كما أنه اتهم فرنسا بانتهاك أمر إغلاق المجال الجوي للبلاد من خلال هبوط طائرة عسكرية في مطار العاصمة نيامي. ويتمركز العديد من القوات الأجنبية في النيجر، بما في ذلك حوالي 1100 جندي أمريكي متمركزين هناك، في الجانب العسكري من المطار، الذي يسمى القاعدة الجوية 101.
وأشار المسؤول الاستخباري الأمريكي الكبير إلى أن جيش النيجر ربما لا يزال يريد تعاونا وثيقا مع الغرب. ولكن بالنظر إلى القيود التي يفرضها القانون الأمريكي، فيبدو من المرجح أن تؤدي الانتفاضة إلى دق إسفين بين واشنطن والنيجر.
وبحسب كاميرون هدسون، المسؤول السابق لطاقم المبعوث الأمريكي الخاص للسودان: «إنها ضربة قوية للولايات المتحدة. لقد وقفنا مع هذا الزعيم أكثر من أي زعيم آخر في المنطقة».
ومنح الرئيس بايدن بازوم مقعد شرف إلى جانبه في القمة التي قادتها الولايات المتحدة العام الماضي مع القادة الأفارقة في واشنطن. وزار وزير الخارجية أنتوني بلينكن النيجر في آذار/ مارس للإعلان عن مساعدات إنسانية بقيمة 150 مليون دولار، فيما وصف دبلوماسيون أمريكيون ذلك بأنها محاولة لإظهار فوائد اختيار الولايات المتحدة على فاغنر.
قال محللون إن الانفصال عن الغرب بعد الانقلاب يمكن أن يمنح موسكو فرصة للتدخل بالسلاح والمرتزقة، كما فعلت في مالي.
وقال هدسون، وهو الآن باحث كبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: «أصبحت النيجر داخل اللعبة الآن. لقد انتقلت بقوة من المعسكر الغربي إلى نموذج للانتهازية الروسية».
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الانقلاب على بازوم غير دستوري. وقال في تصريحات نشرت على موقع الوزارة على الإنترنت: «في مثل هذه الحالات، نتخذ دائما موقفا واضحا».
وكان العميد موسى سالو بارمو، قائد القوات الخاصة النيجيرية وحليف موثوق به للجيش الأمريكي، من بين كبار الضباط الذين ظهروا علنا في نيامي، العاصمة، لإظهار دعمهم للإطاحة بالرئيس. العميد بارمو لم يستجب لطلبات التعليق.
كما أن القوات التي دربتها الولايات المتحدة في غينيا ومالي وبوركينا فاسو انقلبت على الحكومات المدنية في تلك البلدان أيضا.
وقال البروفيسور إيمانويل كويسي أنينغ، رئيس مركز كوفي عنان للتدريب على حفظ السلام في أكرا، غانا: «إن استراتيجية الولايات المتحدة لا تساعد منطقة الساحل ولا الولايات المتحدة نفسها».
وقال مسؤولون إن الانتفاضة – الخامسة من نوعها منذ استقلال النيجر عن فرنسا عام 1960 – تعكس سنوات من الإحباط داخل الجيش بسبب الفشل في هزيمة المتمردين الإسلاميين. وانزعج الضباط من محاولات بازوم لإصلاح الجيش. وفي خطوة واحدة في يونيو، عينت حكومته ساليفو مودي، قائد القوات المسلحة النيجرية منذ عام 2020، سفيرا لدولة الإمارات. ويوم الخميس، تكهن مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بأن مودي، الذي تعذر الوصول إليه، سيظهر الآن كزعيم للمجلس العسكري.
وكان سبب آخر للانقلاب هو قرار بازوم بتقليص الامتيازات المالية للحرس الرئاسي – القوة التي قادت الانتفاضة من خلال محاصرة الرئيس في مقر إقامته، على حد قول مسؤول أوروبي سابق. لأكثر من عام، كان الرئيس يدرس ما إذا كان سيعزل قائد الوحدة، الجنرال عمر تشياني. وعمل بازوم على بناء وحدات عسكرية أخرى كقوة موازنة للسلطة التي يمارسها الحرس الرئاسي.
مع تصاعد المواجهة في مقر إقامته إلى محاولة انقلاب، تلقى بازوم مكالمة هاتفية ظهر الأربعاء من مسؤول أمريكي سابق يحتفظ باتصالات منتظمة مع المسؤولين الدبلوماسيين والأمنيين الأمريكيين. وطمأنه بازوم خلال تلك المكالمة بأن الوضع لا يزال تحت السيطرة وأنه يتوقع وصول الجيش قريبا إلى مقر إقامته ليفكك الحصار.
وبدلا من ذلك، خرج كبار الجنرالات في البلاد لدعم الثورة. وقال المسؤول الأوروبي السابق عن الانتفاضة: «كان لا بد أن يحدث ذلك. لم يتفاجأ أحد».
لأكثر من عام، كان المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون قلقين بشأن ما يسمونه موجة المعلومات المضللة على شبكات التواصل الاجتماعي في غرب أفريقيا. في مقطع فيديو عمره شهر، تمت مشاهدته أكثر من مليون مرة على «تيك توك» و»فيسبوك»، أعلن مذيع أخبار فرنسي أن انقلابا جاريا في النيجر. والتعليقات معادية للفرنسيين بأغلبية ساحقة، وتتهم الرئيس بأنه دمية في يد الغرب.
وأظهرت مقاطع فيديو أخرى انتشرت على نطاق واسع هجمات إرهابية في محاولة لإثبات أن الوجود الأمريكي في النيجر جعل البلاد أقل أمنا. وفي العام الماضي، سار بضعة آلاف من النيجريين، بعضهم يحمل أعلاما روسية أو لافتات موالية لروسيا، في شوارع نيامي مطالبين الجيش الفرنسي بالرحيل.
وقال جون بيتر فام، وهو دبلوماسي أمريكي كبير سابق في أفريقيا: «إن وجود يد لروسيا ليس بالضرورة في الانقلاب نفسه، ولكن في إرساء الأساس له، أمر واضح للغاية. سواء كانوا في وضع يسمح لهم باستغلالها، فهذه مسألة أخرى».
وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن الإدارة ليس لديها دليل على أن روسيا أو مجموعة فاغنر وراء الانقلاب.
وول ستريت جورنال: انقلاب النيجر يقلب الخطط الأمريكية بغرب أفريقيا ويمنح روسيا فرصة
بتاريخ : 08/08/2023