المخزن الجماعي لأيت كين.. ثراء معماري في حاجة إلى تثمين و توظيف ناجع في السياحة البديلة
يعتبر المخزن الجماعي لقرية أيت كين، الذي يسمى بالأمازيغية «أكادير أيت كين» تحفة معمارية تراثية تجسد المخازن الجماعية للواحات، والتي تختلف عن مثيلاتها بالأطلسين الصغير والمتوسط.
ويعد «أكاديرأيت كين» من المخازن الجماعية التي لاتزال نشيطة، التي يخزن فيها غالبا الشعير والفواكه الجافة والوثائق الثمينة للأسر، ويسهر حارس على فتحها عند الفجر وإغلاقها عند غروب الشمس.
ورغم إقرار الباحثين بعدم وجود تاريخ يحدد بشكل دقيق الفترة التي تم خلالها بناء «مخزن أيت كين»، فإن أرشيفا خاصا يعود تاريخه إلى سنة 1120 هجرية الموافق ل 1708 ميلادية، يوضح أنه تم استخدام هذا المخزن خلال تلك الفترة ويظهر وجود علاقة كانت تربط هذا المخزن بساكنة قرية أيت كين.
ويضم المخزن الجماعي «أيت كين» المتواجد بجماعة تكموت، والذي يقع على مساحة تزيد على 500 متر مربع، مجموعة من الغرف مختلفة الأحجام كانت قديما مخصصة لتخزين الحبوب والتمور ومنتوجات الصناعة التقليدية، فضلا عن توفره على مسجد ومرافق أخرى.
ويعد هذا المخزن، الذي يتواجد ضمن موقع محصن بقرية أيت كين، من بين أحد المواقع التراثية التي تبرز أهمية هذه المنطقة من المغرب والتي كانت تشكل ملتقى تاريخيا للرحالة على مدار التاريخ. لكن مما يميز هذا المخزن هو تلك البوابة المحصنة للقرية «أمي نواسقيف» التي كانت بمثابة المعقل الأول للدفاع عن القرية، والتي تمكن الحراس أو ممثلي العائلات المحلية «انفلاس»، المتواجدين بالطابق العلوي، من حراسة القرية وحمايتها.»
وقد أستفاد المخزن الجماعي لأيت كين من عملية ترميم وتجديد قام بها سكان القرية سنة 2004 لعصرنته تزويده بالإضاءة وإصلاح صهريجه ومدخله الرئيسي.
يقول محمد المحمدي، مهتم بالتراث الأمازيغي بطاطا «إن المخزن الجماعي أيت كين، يعد بناية تاريخية جميلة تتميز بمواصفات الفن المعماري الجميل، حيث تحتوي على باب مزخرف من الخشب، وجدران عالية، وبناية داخلية خاصة لحماية الماشية من التغيرات المناخية أو الكوارث الطبيعية أو كل ما من شأنه أن يعرض الحيوانات للخطر أو السرقة»، مضيفا ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن «أكادير أيت كين» كبناية تتكون من عدة طوابق وتحتوي على أزيد من 60 غرفة خاصة بالسكان، والتي توارثت من جيل لآخر»، مشيرا إلى «أن أهل القرية يختارون شخصا موثوقا ليكون الحارس الأمين للمخزن الجماعي»، مبرزا « أن المخزن ، الذي يتميز بتعدد وظائفه، منها تخزين ممتلكات الساكنة من حبوب وصوف وزيوت وعسل وممتلكات نفيسة، هو منبر لتدبير شؤون القرية، إذ يتوفر على قاعة أو ساحة يجتمعون فيها ويتدارسون شؤونهم المادية والاجتماعية كإقامة الأعراس والاحتفاء بالأعياد وتنظيم العمل الخيري»، مذكرا بأن «المخزن يعد أيضا مكانا لتعبئة أهل القرية ومحكمة للتقاضي ومحاكمة الجناة، حيث تتم إحالة وقائع النازلة على أمين المخزن الذي يخبر بدوره أعيان القبيلة للنظر في النازلة والحكم فيها»، مشيرا إلى «أن المخازن الجماعية للقبائل الأمازيغية لجزولة، ومنها «أكادير أيت كين»، التي كانت أيضا دورا للضيافة ومكانا لتعليم الصغار والكبار الفرائض والعبادات، تجسد حرمة ونزاهة القبيلة ومحلا للتنافسية».
الأستاذ خالد العيوض، باحث وفاعل جمعوي، أشار من جهته ، إلى « أن المخزن الجماعي لأيت كين كتحفة معمارية، يجسد المخازن الجماعية للواحات، التي تختلف عن مثيلاتها بالأطلسين الصغير والمتوسط»، مشيرا إلى « أن مخازن الواحات تبنى بالطين المكبوس وتسقف بجذوع النخيل عكس ساكنة الأطلس الصغير التي استخدمت الحجر في بناء مخازنها»، مضيفا «أن أكادير أيت كين، المتواجد في قلب الواحة، يجسد ثقافة الواحات المتميزة بالاستغلال الفلاحي المكثف وتدبير الماء بطريقة تتسم بالتشارك واحترام خصوصية الآخر، حيث يعتمد في توزيع الماء بين العائلات والأفراد على آلة «تناس» النحاسية الضاربة في القدم». ليخلص إلى أن «أكادير أيت كين» كمعلمة تراثية، تم ترميمها في السنوات الأخيرة، تحتاج إلى تثمين وتوظيف في السياحة البديلة، عبر التعريف بها سواء جهويا ووطنيا»، لافتا إلى «أن التحدي المطروح بعد عملية ترميم المخزن، يكمن في عملية التثمين، في انتظار التصنيف العالمي الذي تشتغل عليه الوزارة الوصية.»
وارتباطا باهتمام الفاعلين المحليين بالحفاظ على هذا الإرث التاريخي، تنكب وزارة الثقافة والشباب والرياضة على تسجيل «إكودار، جمع أكادير» باليونسكو كتراث يساهم في التنمية البشرية والاقتصادية، وأحد تجليات الثقافة الأمازيغية المادية المرتبطة بمجالات المعمار والأدوات والنقوش والتعابير التشكيلية التي تعزز القيمة التاريخية والخصائص الحضارية للعمق الأمازيغي للمغرب.وفي هذا السياق، نظمت الوزارة، يوم 13 أبريل 2021 بأكادير، ورشة وطنية تحضيرية حول تسجيل المخازن الجماعية «إكودار»، الضاربة في القدم، ضمن التراث العالمي لليونسكو من أجل تثمينه وجعله أداة للتنمية.