أكد رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يوسف إيذي، أن الحديث عن السياسة الحكومية وانعكاساتها على المجالات الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، هو مناسبة لفتح نقاش عمومي، حقيقي، وجاد، حول سياسة واقعية للقطاع السياحي داخل المملكة، على اعتبار أنه يشكل حاليا أحد أهم القطاعات الحيوية التي تؤسس للاستراتيجيات الكبرى لبلادنا.
وأوضح يوسف إيذي، في تعقيبه على جواب رئيس الحكومة خلال الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة بمجلس المستشارين، حول موضوع السياسة السياحية، أن هذه الأخيرة تمثل مصدرًا مهمًا للدخل الوطني الخام، وتساهم في تحسين مستوى عيش المواطنين المغاربة، وتبرز القيم التاريخية والثقافية للمملكة المغربية الشريفة التي تمتد لأزيد من 12 قرنا، والتي تتميز بمؤهلات سياحية وثقافية وتراثية، قد تجعلها القبلة الأولى للسياح الأجانب داخل القارة الإفريقية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط كدرجة أولى.
وسجل المستشار البرلماني، أن مناقشة هذا الموضوع «نابع من قناعتنا بأن تعزيز وتطوير وإيلاء الأهمية القصوى للقطاع السياحي، يجب أن يندرج في إطار إعادة صياغة السياسات العمومية المرتبطة بهذا المجال نحو تطوير العرض السياحي، وتعزيز وتقوية البنى التحتية، والارتقاء بمستوى وقدرة الموارد البشرية، نظرا لحجم الإشكاليات والتحديات التي تؤثر سلبًا على نموه وتطوره».
وشدد يوسف ايذي باسم الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، أن واقع السياسة السياحية ببلادنا اليوم والأهداف المعلنة من خلالها، لا يرقى إلى حجم التطلعات التي ينشدها المغاربة، خصوصا أن رقم 11 مليون سائح لا يساوي شيئا أمام تاريخ وعظمة وأمن بلادنا مقارنة مع دول أخرى تستقطب أكثر من 70 مليون سائح، أخدا بعين الاعتبار أن وصول وفود جديدة من السياح في الآونة الأخيرة، لم يأت نتيجة سياسة حكومية، بل جاء نتيجة للأداء المبهر والكبير لمنتخبنا الوطني في مونديال قطر 2022.
وتابع إيذي في تعقيبه على ما قدمه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، «وهذا يعود بالأساس إلى ضعف الرؤية لدى الحكومة في تدبير هذا القطاع الحيوي، من حيث انعدام التنسيق والتعاون بين الجهات المعنية، ونقص الاستثمار في البنية التحتية السياحية، وعدم الانفتاح وتوسيع مجال العرض السياحي والاكتفاء بأقطاب محددة للأداء السياحي، وضعف برامج الترويج السياحي».
وأضاف رئيس الفريق الاشتراكي «إننا أصبحنا ننتظر بعض المؤثرين من الخارج حتى يقوموا بالترويج لصالح بلدنا، وكأننا في دولة ليس لها من المقومات المالية والتدبيرية والإبداعية ما يكفي للترويج والتسويق لمنتجاتنا السياحية بالمستوى المطلوب. «
وأشار إلى أن نهج سياسة مرتبطة بهذا المجال، تستوجب العمل وفق مقاربة شمولية من أجل تغيير جذري في منظومة التدبير في القطاع السياحي والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة ومواكبة الأطر والعاملين، وضبط آليات اندماجه في مسارات الإنتاج الوطني، وتعزيز مكانة المملكة والترويج لها على الصعيد العالمي وفق التوجيهات الملكية السامية.
ودعا ايذي باسم الفريق الاشتراكي الحكومة إلى إعادة التفكير في البنية التدبيرية لهذا القطاع، عبر تعزيز آليات الانسجام والتوازن بين القطاعات ذات الصلة، وتوحيد مجالات الاشتغال والتسيير، والرفع من نسب الاستثمار في البنى التحتية ذات الاستقطاب السياحي، مثل الفنادق والمنتجعات السياحية والمطارات والطرق، والعمل على صون وتثمين المعالم الثقافية والتراثية وتحسين الخدمات المقدمة فيها، مع تطوير الموارد البشرية في القطاع السياحي عبر توفير التدريب والتكوين المناسبين، وبالأخص التركيز على تطوير المهارات اللغوية والثقافية، والسعي إلى إدماج المياومين منهم ذوي الدخل المحدود جدا، والذين يشتغلون في هذا المجال منذ زمن طويل. وكذلك تعزيز التسويق السياحي عبر توجيهه إلى الأسواق الهامة والعالمية، والرفع من مستوى استخدام التكنولوجيا الحديثة في الترويج للوجهات السياحية والثقافية والتراثية التي تتفرد بها بلادنا.
وأكد ايذي على « أننا وإذ نسجل هذه المقترحات، فإن تخوفنا من ضعف الرؤية العامة للحكومة في تدبيرها لهذا القطاع، يزداد حين نرى ونلاحظ أن الحكومة لا تبدي اهتماها لجانب مهم من المنظومة السياحية ألا وهو السياحة القروية، التي ترتكز على مقومات ذات بعد طبيعي وثقافي محلي، يؤدي إلى جذب أعداد مهمة من السياح من جهة، وتحسين مستوى دخل وعيش السكان القرويين ويحد من تدفق الهجرة القروية من جهة ثانية.
وأضاف المتحدث، أن العمل على الترويج للسياحة القروية سيكون له الأثر المهم على الارتقاء وتنمية القطاع، نظرا للتنوع الطبيعي وغنى التراث الثقافي القبلي الذي تعرفه بلادنا.
وسجل المستشار الاتحادي أن أول تحد يواجه السياحة القروية في بلادنا هو ضعف البنية التحتية، حيث يعاني العالم القروي من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والطرق والاتصالات، مما يعيق وصول السياح ويجعل الاستثمار في هذا الجانب أكثر صعوبة أو منعدما، وبالتالي ضياع الكثير من الفرص للنمو والتطور، وعدم استغلال التراث الثقافي والبيئي والطبيعي الذي تتمتع به هذه المناطق القروية.
وأوضح أن السياحة القروية في بلادنا، هي أسلوب جديد في مجال العرض السياحي، يتهافت عليه غالبية السياح الأجانب، ويمكن أن يكون المغرب من رواد هذا الأسلوب عبر العالم لما يتمتع به من مؤهلات طبيعية أصيلة وعادات وتقاليد من جوهر التاريخ تجذب «العادي والبادي».
وشدد على ضرورة العمل على إعادة تشييد وإصلاح المباني التقليدية ودور الضيافة الموجودة في القرى، والتسويق لها عبر مختلف الوسائل الممكنة، وتسهيل عمليات حجز الإقامات، ثم العمل وفق برنامج استراتيجي لتحديد مناطق قروية رئيسية وتحويلها الى أقطاب سياحية بمرافق عالية الجودة وخدمات سياحية مميزة، وتعزيز التدريب والتكوين لدى السكان المحليين لإدماجهم وجعلهم الأساس لبناء وتطوير هذا الورش، حتى يكون بالفعل أحد محاور التنمية القروية.
ومن جانب آخر، أكد يوسف إيذي على ضرورة تقديم تحفيزات ودعم للمستثمرين الذين يهتمون بتطوير السياحة القروية في المناطق القروية، تشمل الإعفاءات الضريبية والدعم المالي، والدفع بسكان القرى إلى الانخراط في مجال المقاولة والمشاريع السياحية، إضافة إلى ضرورة تعزيز التعاون بين القطاع العام والخاص والتعاونيات المحلية لدعم تطوير السياحة القروية في بلادنا.
وخلص إلى أن بلادنا تخوض منذ سنوات معركة التراث والتنمية السياحية، وهي معركة تطلبت الكثير من الجهد والتسلح بروح المواطنة، والمسؤولية، معركة حققت مكاسب مهمة في العديد من المدن المغربية، نتيجة العناية المولوية لجلالة الملك محمد السادس لتسير فيها عجلة إعادة الاعتبار للتراث الطبيعي والثقافي بشقيه المادي واللامادي. مؤكدا أن المرحلة تستوجب توظيف التراث في التنمية المندمجة عبر تشجيع الإبداع والابتكار في مجال الاستثمار السياحي المستدام.