شكل «تعزيز التماسك الأسري مقاربات متعددة» موضوع يوم دراسي افتتحت به جمعية آفاق للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية بوجدة أنشطتها العلمية والثقافية الرامية إلى السعي لتطوير القوانين وتحديثها، وتقديم الخبرة والمساعدة القانونية للهيئات والمؤسسات المعنية بتحقيق العدالة لتحسين أدائها وتطوير كفاءتها، مع تنمية البحث القانوني والإسهام في الجهود الرامية لنشر وتطبيق قواعد القانون الدولي التي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان ونشر ثقافة التسامح…
وتمحور اليوم الدراسي، والذي احتضنته مؤخرا قاعة المحاضرات بمعهد القاضي الفقيه عبد الله بن سعيد الوجدي للتعليم العتيق بوجدة، حول «المقاربة الدينية والتربوية في تعزيز التماسك الأسري» و»المقاربة القانونية والقضائية لتعزيز التماسك الأسري»، تم تناولهما من قبل ثلة من الفعاليات المدنية والقضائية وباحثين في سلك الدكتوراه من خلال عروض قيمة، حيث افتتحت المداخلات بموضوع «البعد القيمي والديني للتنشئة الأسرية» أشارت فيه حليمة العلمي، رئيسة خلية المرأة بالمجلس العلمي المحلي بوجدة، إلى الدور الذي تلعبه الأسرة في المجتمع على اعتبار «أنها أساس وجود الإنسان ووعاء احتضانه وتنمية شخصيته وقدراته على اكتساب فن الحياة»… مؤكدة على أهمية إصلاح الأسرة وتهذيب النفوس وتربيتها وغرس الفضائل فيها وتنميتها…
سارة أسامة، دكتورة في القانون الخاص، قدمت مداخلة حول «الوسائل البديلة لتسوية النزاعات الأسرية، الصلح نموذجا»، حيث اعتبرت هذه الوسائل من الحلول الناجعة لحل المنازعات خارج نطاق المحاكم والهيئات القضائية، لكونها «تتميز بالسرعة في الحسم في النزاع الأسري والمرونة في الإجراءات والحفاظ على أسرار الأسرة»…
وتحت عنوان «العنف الأسري نحو مقاربة جديدة» قدم القاضي بالمحكمة الابتدائية بوجدة، علي أحنين، مداخلة أشار فيها إلى أن أهم إشكال يثار من الناحية القضائية في ما يتعلق بالعنف الأسري هو صعوبة الإثبات… كما تحدث عن «جمود نصوص القانون الجنائي والذي يعني تخلف العدالة الجنائية عن تحقيق أغراضها» وقال في هذا الإطار «بقدر ما يجب أن تكون النصوص الجزائية حاضرة في ضمائر الأفراد وثقافتهم بقدر ما يجب أن تكون حاضرة في حياتهم اليومية»، مضيفا أنه «من أولويات السياسة الجنائية عدم جمود آليات التجريم والعقاب»… وعرج على التشريعات الجنائية المقارنة حيث قال إنه «بقدر ما تكثف جهودها لحماية مواطنيها وضبط الأمن والنظام الاجتماعي عبر إقرار نصوص تشريعية جديدة، للتصدي لما استجد من الجرائم، فهي لم تتوان وبالأحرى لم تغفل عن استحداث آليات قانونية موازية تحمي بها محكومي الحق العام في الجنح البسيطة، عبر إلغاء تجريم بعض الانحرافات المنعدمة الخطورة، وفتح قناة التواصل معهم، بل إمكانية التفاوض معهم» وخلص إلى أن «العنف في إطار العلاقات الأسرية من أهم المجالات التي يمكن أن تستوعب هذا التوجه الجديد على مستوى السياسة الجنائية».
وقدم قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية ببركان، جمال بوصوابي، مداخلة حول موضوع «الحماية القانونية الزجرية للأسرة» تناول فيها الحماية القانونية لمؤسسة الزواج من الخيانة الزوجية، وحماية المرأة من العنف والاغتصاب وإهمال الأسرة وكذا الحماية القانونية للأصول والأحداث. كما تطرق للخصوصية الإجرائية في الجرائم الأسرية ودور النيابة العامة في هذه الجرائم، وكذا خصوصية الإجراءات المسطرية للأحداث.
أما فتيحة غميظ، نائبة وكيل الملك بابتدائية وجدة، فقدمت قراءة «في مسودة القانون المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء»، مشيرة إلى أنه «تم إغفال الإشارة في تقديم هذه المسودة إلى المرجعية الإسلامية والمسار التاريخي للوضع الحقوقي للمرأة»، موضحة أنه كان من المستحسن الإشارة إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة «حتى يتم توضيح كل مفهوم خاطئ لكل من يرى بأن تعنيف المرأة أمر مباح». كما ذكرت بأن المسودة «غيبت المقاربة الوقائية وارتكزت بشكل كبير على المقاربة الزجرية، ونأمل أن تتم إعادة النظر في هذا المعطى والارتكاز على العدالة التصالحية نظرا لكون الأمر يتعلق بالروابط الأسرية وبمصلحة الأطفال ولهذا لابد من سلوك مسطرة الوساطة قبل الحلول الزجرية»، مضيفة بأنها «بالرغم من النقط التي تم إغفالها في المسودة إلا أن حمولتها الحقوقية المتقدمة ستعزز الحماية القانونية لفائدة المرأة».
ولم يفت المتدخلة الإشارة إلى بعض الإيجابيات التي جاءت بها المسودة، كنصها على الجزاء الجنائي في حالة رفض الزوج إرجاع زوجته إلى بيت الزوجية، والتدابير الحمائية وعرض المعتدى عليه على المصالح الطبية للعلاج…
وحول موضوع «الحقوق العقارية للمرأة، المرأة السلالية نموذجا» قدمت حنان الروبي، إطار بوزارة الداخلية وباحثة في سلك الدكتوراه، مداخلة تناولت فيها قضية المرأة السلالية وكيف تجاوزت هذه القضية البعد الوطني لتأخذ بعدا دوليا «زكاه اهتمام المنابر الدولية والمنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة لأنها مسألة مست في جوهرها مبدأ المساواة بين الجنسين»، وسلطت المتدخلة الضوء على واقع المرأة السلالية بالمغرب وبوادر إنصافها، مؤكدة بأن إقرار حق المرأة السلالية في الانتفاع من حقوقها العقارية وفق ضوابط قانونية واضحة المعالم، «سوف يلعب لا محالة دورا كبيرا في إقرار التماسك الاجتماعي للأسرة والمجتمع ويعمل على محاربة ومواجهة الأعراف المتشبعة بالفكر الذكوري».
نصيرة جنفي، محامية متمرنة وباحثة في سلك الدكتوراه، تناولت موضوع «المرأة العاملة ودورها في الاستقرار الأسري» تطرقت فيه إلى أسباب خروج المرأة إلى العمل ومدى تأثير ذلك على الأسرة… وكذا الحماية القانونية للمرأة العاملة وخصوصا الأجيرة… ودعت المتدخلة إلى ضرورة إعادة النظر في السن الأدنى لتشغيل الفتيات، وجعل إجازة الأمومة مدفوعة الأجر على غرار بعض التشريعات المقارنة، مع تقوية الجانب الزجري في حالة مخالفة المقتضيات الشغلية الخاصة بالمرأة العاملة خصوصا حالات تشغيل المرأة أثناء فترة الإجازة الاختيارية السابقة للوضع، كما أكدت على ضرورة العمل على تكثيف الحماية للنساء العاملات كأجيرات وذلك بحظر العمل الليلي.
وخلص المشاركون في اليوم الدراسي حول «تعزيز التماسك الأسري مقاربات متعددة» إلى مجموعة من التوصيات، حيث تم التأكيد على ضرورة استيعاب آليات السياسة الجنائية لظاهرة العنف الأسري باعتماد مقاربات حديثة وفعالة، مع ضرورة تعزيز دور المجتمع المدني في توعية الأسر، ودور الإعلام في تفسير وشرح القوانين المتعلقة بالأسرة، والعمل على مراجعة بعض النصوص التي أثارت إشكاليات على مستوى تطبيقها، أو تلك التي تعرف غموضا في صياغتها.
كما تمت دعوة المجتمع المدني إلى العمل على تتبع الإحصائيات المتعلقة بقضايا الأسرة، وإبراز أسباب ارتفاع قضايا الطلاق والتطليق، زيادة على ضرورة التنصيص على الوساطة كبديل عن المتابعات القضائية مع الدعوة لتوسيع هامش العدالة التصالحية في المادة الجنائية والتشجيع عليه، وكيفية اختيار الحكمين ومدة تعيينهما وعملهما وعلى جزاء التهاون والإخلال في تأدية مهامهما.
هذا إلى جانب التأكيد على إقرار ترسانة قانونية تنص على حقوق النساء السلاليات مع إلغاء ظهير 1919، وتمكين النيابة العامة من الإمكانيات والوسائل الكفيلة لضمان التفعيل الأمثل لدورها المحوري في مجال النزاعات الأسرية، وتنشئة الأجيال على القيم والتوعية بقيمة الأسرة مع تفعيل الوساطة الأسرية في المجالس العلمية ومأسسة الوساطة وتأهيل المقبلين على الزواج…
وللإشارة، فقد تأسست جمعية آفاق للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية بوجدة شهر يناير 2017، وتضم باحثين في مختلف المجالات، أساتذة جامعيين ودكاترة في القانون وطلبة جامعيين، وتسعى، حسب ما صرحت به عضو مكتب الجمعية نعيمة البوزكاوي، إلى تقديم أنشطة وبرامج هادفة وتنظيم أيام دراسية وندوات ودورات تكوينية وتقديم الدعم للطلبة السجناء… بتعاون مع المهتمين بالنهوض بالبحث العلمي والعمل الجاد لتحقيق الأهداف المتوخاة.