حكاية رحلة رياضية امتدت لأزيد من خمسين سنة 24- وداعا دفء الأسرة والذكريات..وداعا دفء الوطن

تعتبر نعيمة رودان أول إمرأة مغربية تحرز ميدالية ذهبية لصالح المسايفة المغربية، حدث ذلك في نهاية الستينيات خلال بطولة الألعاب الرياضية للمغرب العربي التي جرت بتونس.ويسجل التاريخ أنها ظلت منذ سنوات صباها وعلى امتداد خمسين سنة مرتبطة برياضة المسايفة كمبارزة،مدربة ومسيرة. ويحسب لها أيضا أنها حملت قضية المرأة الرياضية المغربية على عاتقها مدافعة عن حقها في ممارسة رياضية سليمة وعادلة حيث انضمت للجنة المرأة والرياضة التي كانت تابعة للجنة الوطنية الأولمبية وساهمت إلى جانب زميلاتها من الأسماء الرياضية الكبيرة في منح الرياضة النسوية الاهتمام الذي يليق بها.
لخمسين سنة،لم تنفصل عن عوالم الرياضة، بل وسهرت على أن ترضع أبناءها الثلاثة عشق الرياضة إلى أن أضحوا بدورهم نجوما وأبطالا في رياضة المسايفة محرزين عدة ألقاب في إسبانيا وفي كل التظاهرات بأوربا والعالم.

 

بدا زوجي في البحث عن محل لكي نفتح فيه المكتب، فيما تكلفت بالتجهيزات والمراسلات مع الشركات المصنعة مما جعلنا نربح وقتا كبيرا. وكانت لنا شركتنا الخاصة.
ومع كل انشغالاتي المهنية، ظلت المسايفة حاضرة في حياتي.
في مدريد، قمت بتسجيل أبنائي في المدارس، استغرق مني الأمر حوالي الشهرين عشتهما بمفردي هناك ولم تكن ترافقني إلا ابنتي.
في شهر يونيو رجعت مع ابنتي إلى المغرب، كان لقائي مع أبنائي مؤثرا فقد غبت عنهم لشهرين متتاليين، وخلال تلك الفترة كان ابني مطالبا باجتياز امتحان شهادة التعليم الثانوي، والحمد لله، نجح بامتياز، كذلك ابنتي البكر نجحت في السنة الأولى للترويض. نتائج أثلجت صدري خاصة أنها كانت الفترة التي سبقت الانتقال للاستقرار في اسبانيا. كنت أشعر بصعوبة المهمة، فلم يكن من السهل لا علي ولا على أبنائي الانتقال لحياة جديدة وأجواء مختلفة وبفارق 180 درجة.
كان زوجي قد سبقني واستقر في مدريد لتهييء البيت الذي استأجرناه.
سلمت مفاتيح النادي ومنحت كامل الصلاحية للكاتب العام ومساعده من أجل تولي مسؤولية النادي والإشراف على تدبير شؤونه. ولن أنسى ما قدمه لي أخي الأستاذ بثانوية محمد الخامس من مساعدة وهوالذي عمل كل ما في وسعه خلال الأيام القليلة التي تبقت لي ببلدي الحبيب، وكذلك زيارة المدرب للنادي والأب الروحي (الحاج عمر السفيني) الذي أكن له كل الحب والتقدير
قمت كذلك بإيجار شقتي التي تتواجد بحي المستشفيات لشخص سيتبين من بعد أنه لم يكن في المستوى المطلوب مع الأسف الشديد.
خلال شهر يونيو ويوليوز 2005، وخلال أخر أيام إقامتي بالوطن الحبيب، افتقدت طعم الراحة و كنت أقضي ساعات الليل في شرفة شقتي أفكر في المسار الجديد، و كيف سيكون التغيير بالنسبة لأبنائي. في شرفة شقتي، كنت أشاهد شريط حياتي وأودع كل ذكرياتي ومحطات مسارتي الرياضية والشخصية.
كانت فعلا من أصعب الأيام التي عشتها طوال حياتي وكان قرار الهجرة أصعب قرار اتخذته في حياتي.
لا أعلم كيف استطعت إخفاء الأمر وعدم اطلاع أسرتي والدتي وإخوتي ومعارفي على قرار الهجرة إلى اسبانيا. لم أخبر أي أحد باستثناء أخي أستاذ الفيزياء الذي كان يساعدني في تلك الفترة، كما طلبت منه أن لا يخبر أحدا من العائلة لأن الظرف كان جد صعب ، حتى أني كنت ،في بعض الأحيان، أتردد في تنفيد القرار، لكن التفكير في مصلحة أولادي، وتوقف الشركة عن العمل، كان يشجعني على السفر والهجرة رغم قساوة القرار.
شعرت بحزن شديد.. كل الأبواب أغلقت أمامي بعد أن فقدت العمل، لم يشفع لي اجتهادي في عملي ولم يشفع لي مساري الطويل كبطلة في رياضة المسايفة منحت للمغرب العديد من الألقاب والميداليات.
وحل يوم الرحيل.. كان ذلك في 15/8/2005 اليَومَ الذي سافرنا فيه متوجهين إلى الديار الاسبانية.. كان يوما حزينا وقاسيا أذرفت فيه دموعا غزيرة.. لن أعود لبلدي مرة ثانية.. وداعا ذكرياتي..وداعا ألقابي وبطولاتي.. وداعا دفء الأسرة ودفء الوطن.


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 22/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *