رؤى وتصورات لمغرب.. ما بعد كورونا -3-

الرياضة لن تستعيد عافيتها بسهولة

من المؤكد أن آثار جائحة كورونا على المغرب والمغاربة ، ستستغرق وقتًا حتى يتم استيعابها وفهمها وقبولها.. لكن مع طرح سؤال بأي حال ستعود “الحياة الطبيعية” الى مغرب ما بعد كورونا ؟.. سؤال يطرح نفسه على نقاشاتنا وأفكارنا وهواجسنا وانتظاراتنا .. ، يدفعنا الى البحث عن كيفية للتواصل قصد وضع معايير وقواعد جديدة في أسرع وقت وبأكبر قدر ممكن من الفعالية ، من أجل المحافظة على الانسان وحياته ،المحافظة على المسار الاقتصادي ، والمحافظة على مسار العودة الى الحياة …
اذن في ظل هذه الظروف الاستثنائية ، تطرح الاسئلة الاستثنائية ..
ماهي الدروس والعبر التي يمكن أن تستخلصها الدولة والمجتمع ؟
هل هذه الازمة أعادت الاعتبار للدولة؟.. هل هي فرصة حقيقية لمراجعة خياراتنا الاقتصادية وإجراء إصلاح سياسي شامل؟
هل الانفتاح على العالم الذي هو ضروري وحتمي يجب أن يتناسب مع أولوياتنا وسيادتنا الوطنية ؟…
هل المدخل لكل الإصلاحات الاقتصادية سياسي بالدرجة الأولى ؟..
كيف نبني اقتصادا وطنيا منتجا، تضامنيا يقوي القدرات الاقتصادية للبلاد، ويكون في خدمة الحاجيات الأساسية لأغلب المغاربة؟..
كيف نؤسس لمشروع سياسي مجتمعي مبني على تعاقد اجتماعي جديد ؟ …
اسئلة عديدة ، سنتناولها في سلسلة حوارات عن المغرب ما بعد كورونا

 

– تأجيل العديد من التظاهرات الدولية، توقيف الدوريات، حرمان الجمهور من متابعة وحضور المنافسات، عقود الرعاية معطلة، إلغاء البث التلفزي…، كلها قرارات مفاجئة مست الحقل الرياضي المغربي ، في اعتقادكم هل سيصمد هذا المجال أمام هذه القرارات وتداعياتها؟
– الرياضة لها سحر خاص ينبني على الشغف والتنافس والحضور الجماهيري، وحين تفقد الرياضة أحد هذه العناصر تصبح كائنا بدون روح.
ما تعيشه الرياضة في العالم هو استثناء غير مسبوق، فالحربان العالميتان لم توقفا النشاط الرياضي المحلي في مختلف بقاع العالم باستثناء توقف كأس العالم والالعاب الأولمبية، وقوة هذا الاستثناء تتمثل في صعوبة توقع تاريخ عودة المنافسات الرياضية في الوقت الحالي، لأن الفيروس لا مكان ولا زمان له، إلى جانب ثبوت ان التجمع الجماهيري المصاحب للمنافسات الرياضية هو الأكثر تهديدا لسلامة الجمهور، فبعدما كان هذا التجمع منبع الفرح والحماس في الملعب، أصبح يشكل تهديدا حقيقيا، بدليل أن مباريات جرت قبل الحجر الصحي بإيطاليا واسبانيا وفرنسا وانجلترا في إطار المنافسات الأوربية شكلت عاملا أساسيا في ارتفاع حالات الإصابة في المدن التي جرت فيها تلك المباريات…إلى الحد الذي دفع عمدة ليفربول إلى المطالبة بفتح تحقيق وتحديد المسؤولين.
السؤال المركزي إذن هو ما إذا كان القطاع الرياضي سيصمد أمام تبعات هذه الجائحة، فالواضح أن تداعيات القرارات المصاحبة لانتشار الوباء أرسلت إشارات قوية على أن القطاع لن يكون بمعزل عما حصل في باقي القطاعات من خسائر ومن تأثيرات سلبية، ولن يعود إلى عافيته سريعا، فتكفي الإشارة إلى أن دوريات كرة القدم الخمسة الكبرى في أوربا خسرت 4 ملايير أورو، وذلك في انتظار الإعلان عن الخسائر المترتبة عن تأجيل أولمبياد طوكيو، وهي الخسائر التي لا تقتصر على الحكومة اليابانية ، بل أيضا على أزيد من 200 دولة دخلت في استعدادات ومعسكرات لضمان حضورها في الأولمبياد بكل ما يستوجب ذلك من ميزانيات ضخمة.

– ما بعد أزمة كورونا، هل ستظل الرياضة ” أفيون الشعوب”؟
– ربما هذه المقولة كانت مقبولة في وقت كان هناك صراع إيديولوجي وصراعات على الحكم لا تنبني على مرتكزات ديموقراطية، وكانت بعض الأطراف توجه الاتهام للدولة بكونها تسعى لاستغلال الرياضة من أجل تلهية الشعوب عن قضاياها الحقيقية، إلى جانب استغلال الرياضة في النصف الثاني من القرن العشرين من طرف المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي لتصفية حساباتهما. لكن الآن ربما أكبر المؤيدين لهذه المقولة سيجد أنه لا صوت يعلو على صوت النصر الرياضي، فالرياضة هي أولا وأخيرا مقوم إنساني وحضاري، من الصعب أن نطلق نفس التوصيف (أفيون الشعوب) في الوقت الحالي بالنظر إلى تحولها إلى اقتصاد قائم الذات، وإلى أحد عناصر الفخر الوطني، فالرياضة هي التي تجعل دولة فقيرة تقف إلى جانب دولة صناعية كبرى على نفس المنصة، فالمغرب لم ينجح في تجاوز دول عملاقة كأمريكا وفرنسا وألمانيا إلا وعداؤوه يقتنصون الذهب في الألعاب الأولمبية، مرغمين هذه الدول على سماع النشيد الوطني المغربي.
الرياضة ستحافظ على مكانتها، وإن كانت عودتها لن تكون سهلة، بل ستعود بأعطاب لن تلتئم سريعا.

– لدى جميع الاتحادات والجامعات الرياضية عالميا، خلف قرار توقيف المنافسات العديد من الاسئلة والردود والقلق .. المسؤولون عن الرياضة بالمغرب، لا نعرف فيما يفكرون بهذا الخصوص، ولا ندري ماذا سيقع مستقبلا، هل النقاش يدور في مكاتب مغلقة أم ماذا .. في نظركم ماذا هناك؟
– صحيح، القرار الرياضي الوحيد الصادر عن المنظومة الرياضية بالمغرب هو توقيف المنافسات، قبل ان تعلن جامعة كرة القدم عن تقديمها لمليار سنتيم هبة لصندوق مكافحة كوفيد 19. الإشكال هو أن وزارة الشباب والرياضة لم تعلن عن أية تدابير تخص المجال الرياضي، والأمر ذاته بالنسبة للجنة الأولمبية، أما الجامعات الرياضية فقراراتها لم تخرج عن الالتزام بقرار وقف الأنشطة الرياضية. والمثير حقا هو أنه لم يكن هناك أي توجه صوب إقرار إجراءات مستعجلة أو حتى توضيح الأمور أمام مختلف المتدخلين، إذ لم يتم تقديم توقعات بخصوص عودة النشاط الرياضي وكيفية حل الإشكال المرتبط بعقود اللاعبين، وهو الأمر الذي عالجه مثلا الاتحاد التونسي لكرة القدم في حينه من خلال إقراره بأن العقود ستظل سارية، كما لم يتم فتح نقاش بخصوص رواتب اللاعبين خصوصا أنهم غير مسجلين في صناديق الضمان الاجتماعي، إذ باستثناء صرف المنحة الثالثة لفرق كرة القدم والتي ربما لا تمثل سوى مصاريف شهر واحد بالنسبة لبعض الأندية بما أن هناك متأخرات، فإن لا أحد اثار مواضيع تخفيض رواتب المدربين سواء بالأندية أو جامعة كرة القدم، على اعتبار أن الأجور تفوق 100 ألف درهم شهريا، أو على الأقل وضع سيناريوهات محددة بناء على تشاور جماعي ليكون لدينا تصور أولي عن ما بعد رحيل كورونا.
خلاصة القول، كان تعامل الأجهزة الرياضة دون انتظارات مختلف المتدخلين في القطاع، فعكس بعض القطاعات الحكومية التي سجلت تحركا رصينا وتفاعلا إيجابيا مع الحجر الصحي، فإن المؤسسات الرياضية كانت محتشمة جدا ولم تتفاعل مع النقاش الدائر، على الأقل في الشق المتعلق برواتب اللاعبين ومصير لقب البطولة في مختلف الأنواع الرياضية.

 

– من خلال معرفتكم الدقيقة لواقع الرياضة المغربية، هل الاندية المغربية قادرة على الصمود أمام الازمات التي ستنتج بسبب هذا الوباء؟
-إذا تحدثنا عن أندية كرة القدم بالقسمين الأول والثاني، قد يكون الجواب إلى حد ما إيجابيا بحكم أن جامعة كرة القدم تدبر شؤونها بميزانية تقدر ب85 مليار سنتيم متأتية من مصادر قارة من قبيل بنك المغرب والمكتب الشريف للفوسفاط والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، وهي موارد متأتية من مصادر عمومية، عكس العقود الخاصة التي ترتبط بعقود تفرض التوصل بمقابل ملموس من قبيل حمل العلامة التجارية والاستفادة من مرورها خلال النقل المباشر للمباريات. إذن بالنسبة لأندية كرة القدم (القسمان الأول والثاني)، فإن وقع الحظر قد يكون مخففا باستثناء: أولا الأندية الكبرى من حجم الرجاء والوداد اللذين تمثل مداخيل الجمهور نسبة مهمة في ميزانيتهما السنوية خصوصا أن مباراة واحدة تترك أحيانا في خزينة الفريق حوالي 350 مليون سنتيم، وثانيا بالنسبة للأندية التي لها عقود استشهار مع شركات خاصة، إذ عكس الجماعات المحلية والجامعة التي لا يمكن أن تتملص من دفع منحتها المالية، فإن الشركات الخاصة ستجد نفسها مرغمة على وقف الدفع أو فسخ العقود بما أنها لن تستفيد من الترويج لعلاماتها التجارية خصوصا في المرحلة الحالية التي تشهد ركودا تجاريا.
يبقى الإشكال الحقيقي هو باقي الرياضات الأخرى، فربما ستكون هناك نكسات ستصيب أسرا عدة بما أن بعض اللاعبين في كرة السلة وألعاب القوى هم محترفون ويعيلون اسرا بأكملها.

– تداولت وسائل الاعلام العديد من المصطلحات ضمن المعجم اللغوي للتعبير عن اثار الازمة التي خلفها هذا الوباء، نذكر منها: الاقتصاد الرياضي، النقل التلفزي، عقود الاشهار واللاعبين، رحيل العديد من اللاعبين عن أنديتهم، التقليص من اجور اللاعبين …
ايننا في المغرب، من كل هذه التعابير في الواقع ؟ وهل من الممكن ان تكون فرصة التوقف هاته مناسبة لمراجعة نظم الرياضة المغربية؟
-جائحة كورونا أكدت أنه يتوجب سن سياسات استباقية، بمعنى إجراءات تكون جاهزة للتنفيذ حتى لا يكون هناك ارتجال في التعامل مع بعض الحالات الطارئة. صحيح أن لا أحد بإمكانه توقع كارثة من حجم كورونا التي أتت على كل القطاعات بدون استثناء، لكن على الأقل من المفترض أن يكون هناك توجه حكومي من أجل خلق صندوق دائم معد لمثل هذه الحالات، وإن كان المغرب أثبت سرعة كبيرة في التعامل مع هذا الطارئ الوبائي مقارنة مع العديد من الدول الأخرى.
الوباء جاء ليعطينا درسا أساسيا وهو انه ليس هناك شيء ثابت في الرياضة، وأن صعودها المالي المهول في السنوات الأخيرة قد يتحول إلى انتكاسة حقيقية ستضرب جل النظريات، وتعيد تشكيل مفاهيم أخرى، خصوصا ما يتعلق بالشروط الجزائية سواء في عقود اللاعبين أو المستشهرين.

– هل أنت متفائل بأن المغرب ستكون له أجندة بالمواضيع والسلوكات والسياسات الرياضية التي يجب معالجتها او القطع معها؟
– ربما بعد عودة النشاط الرياضي، سيكون الرهان مقتصرا على إعادة ترتيب البيت الداخلي وتحقيق بعض التوازن السابق، لكن أستبعد أن يكون هناك تغيير جذري في طرائق التدبير، لأن الأمر مرتبط بالحكامة المعتملة في مختلف المؤسسات الرياضية، وطبيعة المتدخلين في المجال الذين يغيب عليهم منطق التدافع على مستوى الأفكار وإبداع الحلول، والدليل هو ما يجري في الجموع العامة التي غالبا ما تكون عبارة عن مهزلة، وإن لم تكن كذلك فهي سيرك للصراع السلبي.


الكاتب : أجرى الحوار: ادريس البعقيلي

  

بتاريخ : 12/05/2020