o تعلمنا النقد والسؤال من الدرس الفلسفي، أما زالت توهجهما حاضرا عند مدرسي الفلسفة اليوم؟
n تعيش الجامعة المغربيَّة أزمة هويّة في مختلف الحقول المعرفيّة والعلميّة… وترتبط هذه الأزمة بنيوياً بأزمة المجتمع ككل. وهي أزمة عامة تنعكس على درس الفلسفة. إلا أن تدريس الفلسفة على العموم في الجامعة لم يعد قادراً على أداءِ وظيفتِه النقديّة، كما لم يعد قادراً على تخطِّي مُعضِلاتِه نتيجة التّغيرات والتّحولات التي وقعت في المغرب. وقد صار هذا الدّرس مجرد رؤوس أقلام تُحفظ للامتحان، وليس محاضرات تساءل القيّم والثقافة والسُّلوكات والأحداث الرّاهنة التي تؤرق المجتمع.
لا نجد اليوم أي مُبرِّرٍ كي لا يهتم هذا الدّرس بسؤال الحداثة، ولكن ليس بمنظور إعادة قراءة كانط Kant أو هيجلHegel أو نيتشه Nietzsche أو فرويد Freud، ولا بتلقين دروس في التّحلِيل النّفسي أو في التعريف بالمشاريع النقديَّة الفلسفيَّة لأن ما يُميِّز مجتمع المعرفة اليوم هو وفرة المعلومة ويُسر الوصول إليها، إننا بحاجة إلى تعليم طرق الوصول إلى ما يفيد البحث، وإلزام الطالب بتقديم بحوثِه بشكل أصيل غير منقول، والدفاع عن الأطروحة التي توصل إليها أو تقديم خطة عمل لمّا سيواصل فيه البحث، ودفعه أيضاً إلى التساؤل حول مُمكِنات قيام الحداثة بالمجتمع المغربي، والبحث في الاشكالات التي تعترِض مجتمعنا نحو التّقدم والحريّة والتّحرر.
أما عن الدرس في الثانوي فإن ربط درس الفلسفة بالامتحان الوطني يمثل أحد العوائق التي تقف أمامه، حيث صار رهين وحبيس النّقطة، فلم تعُد الحاجة مرتبطة بتلقين قيّم معيّنة ولا بالتساؤل عن مشكلات معينة وإنما بالعمل من أجل الظفر برتبةٍ مشرِّفة. إلا أن هذا المشكل ليس وحده العائِق، فما الذي يمنع نجاح الدرس الفلسفي في السنة الأولى والثانيَّة من التعليم الثانوي التأهيلي؟ ما الذي يمنع من أن يقوم المُدرِّس بدوره كمربي على التفكير النّقدي، وكمتسائِل أول عن القيم السائدة؟ وما الذي يمنع مدرس الفلسفة من أن يكون الفاعِل الأول في الحياة المدرسيّة حيث التلاميذ بحاجة إلى تعلُّم أدوات التعبير عن الذات وعن الرأي، بحاجة إلى التساؤل عن هويته وادراكِها كما هي ليرفضها أو يقبلها؟ ما الذي يمنع هذا المدرس من أن يكون نموذجاً يقتدى به في حيّه ومجتمعِه الصغير؟
من البديهي جداً أن الترابُط بين المستوى الثانوي والجامعي قائم في علاقة جدليَّة لا ينكرها أحد. فأستاذ التعليم الجامعي يشتكي من ضعف مستوى الطلبة الذين يلتحقون بالجامعة، دون أن يسأل نفسه عن مصير أولئك الطلبة بعد أن يقضوا ثلاث سنوات أو خمس أو ثماني سنوات في الجامعة. كما يشتكي أساتذة الثانوي من ضعف مستوى الدّرس الفلسفي بالجامعة. أصبح التعليم في المغرب يعيش واقعاً محرجاً والكل يعرف عُمق الأزمة البنيويّة التي تطال البلد ككل وليس التعليم وحده. ولكن لا أحد يجرؤ على إعلان القطيعة الممكنة مع هذا الواقع.
ولهذا صار من اللاّزم إعادة النِقاش حول واقِع الفلسفة بالمغرب اليوم، والبحث بجديّة عن المخارِج الممكِنة للأزمة التي نتخبط فيها بحدة. كما صار من اللاَّزم إعادة التّأكيد على دور هذا الدّرس في الدفع بعجلة التقدم إلى الأمام. وهو ما ليس ممكنا إلا بإعادة النظر في الموضوعات المدرسة وفي الطرق التقليديَّة للتدريس، وفي الطابع التجاري (التسليع) الذي ينخُر جِسم الفلسفة. ولا سبيل غير الجُرأة والشجاعة في طرح موضوعات: الدعاية، الجسد، الموت، الدين، الفن، الاختلاف، التعدد والتنوع، الخاص والعام، التواصل، النوع، الحق، العدالة، الدولة، الديمقراطية، الحرية، السعادة، العنف، الاقصاء، الغيرية، الاستبداد بالرأي…
رغم حث منهاج مادة الفلسفة على أن النصوص هي مجرد معينات للاستئناس والاستثمار في مقاربة الإشكالات الفلسفيَّة، إلا أن هناك توجه يُقدِّسُ النُّصوص، وصار معه الدرس الفلسفي درساً للنصوص، بحيث يتبع المدرس – فيما يشبه تقليداً سلفيّاً – النصوص الواردة في المقررات المدرسيَّة بحذافيرها دون أن يكلِّف نفسه عناء إعادة النظر فيها أو عناء اختيار نصوص أخرى بديلة، وقد يفسر هذا الأمر بعدة عوامل:
ضعف مردوديَّة المؤطرين التربويِّين الذين من المفروض فيهم أن يولوا العناية لمشكلات الدرس واقتراح معينات جديدة أو نصوص جديدة وترجمات في المستوى المطلوب
ضعف اهتمام ومردوديَّة المبرزين الذين يمكنهم أيضاً بحكم تكوينهم الأكاديمي والمهني المساهمة في الرقي بالدرس الفلسفي
التحولات التي وقعت في الجامعة المغربيَّة من حيث التكوين وانعكاسه سلباً على الخريجين الجدد، لأن ضعف التكوين الجامعي ينتج مدرسين غير أكفاء ولا يملكون المستوى النظري الذي يؤهلهم لممارسة عملية التدريس.
الاستهتار بقيمة التعلم بحيث يعتبر العديد من المدرسين أن التعلم عمليَّة روتينيَّة ومُملَّة وهو ما يحول دون الاجتهاد في طرق ووسائل التدريس
هناك عوامل أخرى موضوعيَّة مرتبطة بتحولات المدرسة والمجتمع عموماً: الاكتظاظ، الحط من مكانة المدرس في المنظومة الاجتماعية، سلسلة الاحتقارات التي يتعرضها رجل التعليم في الصحافة وما تكرسه من صورة سلبيَّة عند الرأي العام…
لا أعتقد شخصيّاً أن التدريس بالنصوص يُقيِّد الدرس الفلسفي أو يُقبره، لأنها وسيلة فعَّالة لاحتكاك المتعلم باللُّغة والأفكار والحجج ولفهم منطق التفكير الفلسفي، غير أن الطريقة المتبعة في ثانوياتنا لا تحفِّزُ على تعلم التفكير النقدي أو التساؤل النقدي لأن الاشتغال على الأطروحة والاشكال والحجج (والذي تحول إلى أساليب لغويَّة جافة) يتساوى فيه المتعلم والمدرس معاً، وأحياناً نجد متعلمين متقدمين على المدرسين في قراءتهم وفهمهم لبعض النُّصوص وهذا يُنذِر بوضع كارثي، لذا يتوجب في نظري مراجعة طرق الأداء التربوي في درس الفلسفة بعد تقييم حقيقي وجماعي تتدخل فيه مختلف الهيئات المعنيَّة ، وفي الآن ذاته، فإننا بحاجة إلى مناهضة “النزعة التقنويَّة” التي حولت الدرس الفلسفي إلى مجرد تقنيات يمكن لأي مدرس آخر أن يقوم بها.
ليست النزعة التقنوية – بالمعنى الذي أورده هنا – مقتصرة على الفلسفة لوحدها بل اجتاحت كل المواد وكل المستويات التعليميَّة بفضل تعميم بيداغوجيا الكفايات التي جنت على المحتوى النَّقدي لبرامج التعليم وعلى كفايات المتعلمين الحقيقيَّة. بل إنها تتعدى المدرسة إلى المجتمع، بحيث صار التقنوي نموذجاً ناجحاً في المجتمع ويقدَّم كفاعلٍ سيَّاسي واجتماعي واقتصادي ناجع.
ولهذا لا أعتقد أن درس الفلسفة وفق الوضع الراهن يسمح بإعمال العقل والتفكير والتساؤل النقديَّين. فالقليل من المدرسين من يفسح المجال للمتعلمين لتأمل المواقف الفلسفيَّة والاعتراض عليها ومقارعة الحُجة بالحجة، ويتم أحياناً التبخيس من قيمة المناقشة بين الأقران لأن المدرس يحتكر الكلام طوال الحصة وكأنه متعطش للكلام من أجل الكلام، كما يتم التبجح أحيانا أخرى بضيق الوقت بسبب عدد الحصص وبسبب طول المقرر، غير أنه في نظري يمكن إعادة النظر في طريقة تدريسنا والتخلي عن بعض العادات السلبيَّة في التدريس مع الاجتهاد قليلاً في اختيار النُّصوص الملائِمة والاستعانة بالأقوال الفلسفيَّة والأشرطة الفلسفيَّة أو الأفلام ذات البُعد الفلسفي، أي أن مطلب التنويع صار ملحاً أكثر لنجاعة التفكير الفلسفي ولحفز المتعلمين على تملك القدرات النقديَّة. لهذا تبقى وظيفة المُدرس في حدود عمليَّة إعادة الإنتاج على مستوى:
التكرار: من جهة أن الترداد المُمل للأطروحات الفلسفيّة ومناهج الفلاسفة ومذاهبهم ومدارسهم وسيرهم وأهم أعمالهم ومساهماتهم ومقولاتهم الأبرز، شرحاً وتحليلاً وتأويلاً في الدروس المدرسيّة والجامعيّة أو في الكتب والمقالات والندوات، لا يخدم إلا وظيفة واحدة هي الحفاظ على الإرث الفلسفي في عراقته وأصالته.
الأستاذيَّة: يتذكر كل واحد منَّا المرحلة الانتقاليَّة التي مرّ منها: من الجامعة أو البطالة أو التعليم الابتدائي، أو مهنة أخرى إلى الفصل مروراً بمركز التكوين. وهي مرحلة تستهدف بالأساس تشكل الوعي بمهمة ومهنة الأستاذيَّة: تتعلم كيف يمكنك أن تكون أستاذاً على مختلف المستويات: النفسيَّة والاجتماعيَّة والنِّظاميَّة. ففي مراكز التكوين تتم عملية تدجين واسعة لحصول الوعي بمرتبة الأستاذيَّة.
البحث الجامعي والحر: ونقصد الرسائل والأطروحات والبحوث الجامعيَّة، والانتاج الحر غير المقيَّد بالمؤسسة والذي لا صلة مباشرة له بمناهج التدريس.
الأنشطة الفلسفيَّة: أي مختلف الندوات والمحاضرات والأيام الدراسيَّة والمقاهي الفلسفيَّة والتكريمات والاحتفالات والتتويجات، ومعارض الكتب، وحفلات توقيع الكتب… أي مختلف الأنشطة مؤسساتيَّة كانت أو جمعويَّة.
هل يستطيع مدرسو الفلسفة بمختلف أنواعهم أن يشدُّوا عن هذه القاعدة أي إعادة الإنتاج نحو الإبداع والإنتاج الفلسفي غير النَّمطِي وغير المقيَّد بالشروط الأكاديميَّة؟ تلكم معضلة كبيرة لازمت تدريس الفلسفة في بلدنا منذ ما يزيد عن نصف قرن، والتفكير في أدوات هذا الإبداع وأشكاله والطرق إليه نادِرةٌ جداً، وهي مُعضلة لم تحظى بالعِناية الكافيَّة، ولهذا يشترط الإبداع الفلسفي وفق هذه المقاربة: الجدل، أي خوض الصراع الفكري حول المسائِل الأكثر حيويَّة والتي تهم الشأن العام، وهو مجال الفلسفة السيَّاسيَّة بامتياز، لذلك فإن فلسفةً لا تدخل مُعترك السيَّاسة ولا تُدلِي بدلوها في قضاياها الأكثر ملحاحيَّة، فهي بعيدة كل البعد عن صفة الإبداعيَّة، غير أن الأماكن الهادِئة التي تحدث عنها عبد الله العروي لم تعد كما كانت: صارت أماكن مدرسي الفلسفة اليوم أكثر صخباً، حيث يتواجدون أكثر في سوق السيارات والعقارات والمدارس الخصوصيَّة، والدروس اللَّيليَّة. والقليل منهم يلجأ إلى الأماكن الهادئة في سياق مغربي تاريخي خاص.
o تحملتم المسؤولة في التحضير للمؤتمر الاستثنائي للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بالمغرب، ماذا أضافت لكم هذه التجربة؟ وما الذي ترجون منها؟
n صحيح، لقد كنت عضواً في اللجنة التحضيريَّة للمؤتمر الاستثنائي للجمعيَّة المغربيَّة لمدرسي الفلسفي الذي انعقد في الجديدة (7 و8 ماي 2016) وساهمت قدر المستطاع في إعادة احياء العديد من فروعها والمشاركة المكثفة في العديد من أنشطتها، إلا أنني انسحبت منها قبيل انعقاد المؤتمر لأسباب أحتفظ بها لنفسي. ويبدو لي أنها كانت تجربة غنيَّة من حيث أنها مكنتني باللقاء بالعديد من المدرسين الذين لم تكن بي صلة بهم من قبل أو بأصدقائي القدامى ومن زيارة العديد من المدن، لأحاول رسم صورة عامة حول الاختلافات القائمة بين الأجيال من جهة وطبيعة اهتماماتِهم فأنت تعرف أن تجربة خريجي الفلسفة في الجامعات المغربيَّة تختلف بحسب اهتمامه: الفلسفة، علم النفس، علم الاجتماع، الانثربولوجيا، وبحسب الكليَّات والمدرسين في معظم الحالات.
بعد مؤتمرها الاستثنائي كثَّفت الجمعيَّة من حجم أنشطتها على مستوى مختلف الفروع وكانت لها الريَّادة في الدفاع عن الفلسفة في وجه المخططات التي حِيكت ضدها في السنوات الأخيرة من قبيل الهجوم الذي تعرضت له في مقررات التربيَّة الإسلاميَّة أو حذفها من المسالك المهنيَّة، كما كان لها الفضل في تجميع جسم هيئة تدريس الفلسفة وقد كان هذا الهدف هو الأساس فمغادرة العديد من الأجيال للفصول الدراسيَّة قد يكون له انعكاس على مواصلة تقاليد وأعراف الدرس الفلسفي. لهذا فهي بمثابة جسر تواصل وتلاقح بين الأجيال لأن الحجم التوظيفات في صفوف المدرسين تضاعف مرات عدة منذ ما يقارب 15 سنة وكان لا بد من إيجاد صيغة لمواصلة التلاقح. كما أن العديد من المفتشين الذين لعبوا أدواراً هامة في الحفاظ على مكتسبات الدرس الفلسفي غادروا الوظيفة بسبب التقاعد أو المغادرة الطوعيَّة.
كان رهاني الأول هو العمل على تثمين هذا المولود الجديد لما له من أهمية قصوى في مواصلة الطريق نحو تجميع جسم هيئة تدريس الفلسفة رغم أن الجمعيَّة لم تستطع إلى اليوم أن تجد لها مكاناً في صفوف مدرسي الفلسفة المكونين بالمراكز الجهويَّة لمهن التربيَّة والتكوين أو المدارس العليا أو مختلف المؤسسات العليا الجامعيَّة وغير الجامعيَّة بمختلف أصنافهم (أساتذة التعليم الثانوي، دكاترة، مبرزون، أساتذة جامعيون)، وقد آن الأوان للعمل على ذلك بحيث إن الربط بين مختلف مدرسي الفلسفة في مختلف المراحل العمريَّة للمتعلم أو الطالب مهم للغاية لمد الجسور بين برامج التدريس.
في حقيقة الأمر يصعب الحكم على وضع تدريس الفلسفة بالمغرب بسبب غياب تشخيص دراسي مبني على معطيات دقيقة، ولكن على العموم وبحكم ارتباطي بالفصول الدراسيَّة كمؤطر تربوي وزياراتي المتكررة لمؤسسات من أقاليم مختلفة وتبادلي الحديث دوماً مع زملائي في جهات أخرى، أظن أن هناك خلل فيما يجري داخل الفصول: من جهة أن الدرس الفلسفي لم يعد درساً بالمعنى العميق للكلمة، بل صار مجموعة عمليات تقنية مغلفة بكلام حول الديداكتيك وبيداغوجيا الكفايات، ويمكن لأي مدرس أن يقوم بذلك وأقصد بالأساس الاشتغال على النص الفلسفي: إشكال، أطروحة، حجاج… كما تم تغييب السياق التاريخي ومجموع الشروط المحيطة بالنص وبصاحبه، إلى درجة أن هناك تكافؤ بين المدرسين والمتعلمين على مستوى المعلومة، بل نجد أحيانا متعلمين يتجاوزون المدرسين في المعلومة: فهل يمكن اختزال الدرس الفلسفي في المستوى المبتذل من التدريسية بالنصوص؟ وهل المطلوب هو تدريس النصوص بهذه الصيغة الفجة؟
هناك فعلا مشكلات معرفيَّة ومنهجيَّة مرتبطة بالتكوين وطبيعته الحالية، ومستوى الشهادات الجامعية من جهة، ومشكلات مرتبطة بالثقافة السائدة في المجتمع بحيث صارت النفعية الفجة وخدمة المصالح الشخصية والفردانية والسعي وراء الربح السريع متفشية في الأوساط المجتمعية بشكل مهول، وتتحمل السياسة الرسمية عموما قسطا من المسؤولية في تعزيز هذه الثقافة كما تتحمل المنظمات السياسية والنقابية قسطا من المسؤولية أيضا، لذا أقول: هل هناك من يؤمن اليوم داخل الجسم التعليمي بالواجب المهني بما هو واجب مهني؟ أكيد أن هناك نفر قليل من رجال التعليم الذين يقومون بواجبهم كما يلزم بل وأكثر من اللازم ولكن مع كامل الأسف هذا النوع يتجه نحو الانقراض والانمحاء، إلى درجة أنه صار نشازا داخل مؤسساتنا التعليمية، بفضل انتشار ثقافة «عدي وسلك» أو «ضرب الحديد ما حدو سخون».
كل متتبع لما يجري في الساحة الثقافية المغربية سيلاحظ بدون شك رجوع الفلسفة إلى دورها الثقافي والفكري في العديد من المدن المغربية، بحيث تظافرت جهود الجمعيات والهيئات ومراكز البحث والمخابر والجامعات في تنظيم أيام دراسية وندوات وحلقات نقاش عدة طرحت قضايا هامة للغاية. غير أن هذه الدينامية تفرض علينا تأملها بعين النقد والفحص الدقيق لاستشراف آفاقها الواعدة، ولهذا سأصدر قريبا تقريرا بحثيا حول هذه الدينامية في جزئين أحصيت فيه عدد المبادرات والمساهمين فيها والمدن التي شهدتها والموضوعات التي عالجتها وحتى المشاركين فيها والجهة المنظمة للأنشطة لكي نكون أمام تقييم موضوعي أو على الأقل مبني على دراسة جدية، وسأرفقه بمجموعة مقترحات للنقاش.
أما عن العوامل فأكيد جداً أن وضعيَّة مجتمعنا اليوم وتغطرس «الجماعات الإسلامويَّة» دفع بالعديد من الفاعلين في حقل الفلسفة إلى إعلاء قيم التنوير والعقل والحداثة في سبيل مجتمع ديمقراطي حقيقي يتسع للجميع، أضف إلى ذلك أن صراع السلطات ومؤسساتها مع هذه الجماعات قد سمحت نسبيّاً بأنشطة متنوعة ساهمت في خلق ديناميَّة فلسفيَّة، ولكن هذا ليس كافياً لوحده كتفسير ممكن، لأن هناك تحولات عميقة في المجتمع المغربي تفرض نفسها للبحث عن الايديولوجيَّات والبدائل السيَّاسيَّة الممكنة لحصول التغيير الحقيقي الذي يتم إقباره دوماً باسم المحافظة والتقليدانيَّة، فمن البديهي أن ما يتم تحاشيه لعقود من الزمن سيفرض نفسه بشكل بطيء أو سريع.
الفلسفة في المغرب إلى أين؟ 26 : رشيد العلوي: الدرس الفلسفي صار مجموعة عمليات تقنية مغلفة بكلام حول الديداكتيك وبيداغوجيا الكفايات
الكاتب : حسن إغلان
بتاريخ : 20/06/2018