حكاية  أول  أغنية فنانون..   مغاربة يسترجعون  البدايات : 20 ، عبد الواحد التطواني: «علاش ياغزالي» كنت أول فنان يفتتح البث التلفزي بهذه الأغنية «وفرحة طنجة» باكورة أعمالي من ألحان عبد القادر الراشدي

للبدايات سحرها  الخاص ،تبقى  دائما عالقة  في الذاكرة والوجدان،  مثل ظلنا  القرين،لصيق بنا في الحل والترحال،  مهما  كانت الإخفاقات أو  النجاحات فلن  يستطيع  الزمن  طيها.
البدايات كانت  دائما  صرخة  اكتشف  معها  المرء  لغز  الحياة،
وككل  بداية  أو أول خطوة تحضر  الدهشة  بكل  ثقلها، نعيش  تفاصيلها  بإحساس  مغاير  تماما  ،وهو  الإحساس الذي  يكتب له الخلود  ،نسترجعه  بكل  تفاصيله  وجزيئاته، كلما ضاقت  بنا  السبل  أو ابتسم لنا الحظ وأهدانا  لحظة فرح  عابرة.
البدايات  في كل شيء،  دائما  هناك  سحر  غامض  يشكل برزخا  بين  الواقع  وماتتمناه  النفس  الأمارة  بالحياة والمستقبل الأفضل.
في هذه  الزاوية  نسترجع  بدايات  فنانين  مغاربة عاشوا  الدهشة في أول عمل  فني  لهم،  واستطاعوا  تخطي  كل  الصعوبات كل  حسب  ظروفه  المحيطة  به، ليبدع لنا  عملا  فنيا  ويهدينا أغنية تشكل  اليوم  له مرجعا  أساسيا في مسيرته  الفنية   ،وتشكل لنا  لحظة  بوح  من خلال  استرجاع  عقارب  الزمن  إلى  نقطة  البدء،  وتسليط  الضوء على ماجرى.

 

الفنان القدير عبد الواحد التطواني، أول وجه فني يفتتح البث  التلفزي، التحق كمطرب بالجوق الملكي بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني، غنى للكبار وتغنى من ألحانه أيضا الكبار، لقب  بكنار المغرب الأقصى كما لقب أيضا بمطرب الملوك،عن كيفية  ولوجه عالم الفن، يقول الأستاذ عبد الواحد التطواني، لا أستطيع تحديد تاريخ ولوجي إلى عالم الفن، فقد كانت كل الأشياء من تنبض بالموسيقى، انطلاقا من منزل أبي رحمه الله الذي كان يحب الفن ويعزف على آلة القانون وآلة الإيقاع، وأحد الحفاظ الكبار للنوبات الموسيقية والموسيقى الشرقية على الرغم من اشتغاله كعسكري بالحرس الخليفي بمدينة تطوان « الحرس الملكي «،  إلى دكان جدي الحاج الهاشمي كريكش رحمه الذي الذي كان أول من افتتح دكانا لكراء الفونوغراف بالسوق الفوقي في الثلاثينيات من القرن الماضي بحي السوق الفوقي بمدينة تطوان، مما جعلني أتعرف في سن صغير جدا على فناني المشرق مثل الشيخ أبوالعلا، سلامة حجازي، الشيح حنطور، أمين الحسنين، صالح عبد الحي، كامل الخلعي، سيد درويش، أم كلثوم، محمد عبد الوهاب وغيرهم من الأسماء الكبيرة التي حددت مساري، فالجو الذي كنت أعيش فيه،  كان يوحي كله أن الموسيقى هي عالمي وبالتالي لا أستطيع تحديد تاريخ ولوجي إليه، إضافة أن منزلنا، يضيف الفنان القدير عبد الواحد التطواني، كان محجا مرة كل أسبوع لأمسية موسيقية يلتقي فيها كبار الفنانين التطوانيين كعبد السلام السعيدي، سلام الدريدب، أحمد الشنتوف وغيرهم.
ويتذكر الموسيقار عبد الواحد التطواني أن أول أغنية دشن بها مشواره الفني كانت هي «أغنية «علاش ياغزالي « سنة 1962 حيث كنت أول وجه رجالي يطل على الجمهور المغربي في افتتاح التلفزة المغربية، وكنت آنذاك عضوا في فرقة الحاجة الحمداوية كعازف على آلة الإيقاع، وكانت تحيطني بالكثير من العناية نظرا لصغر سني، حيث كانت تناديني دائما « ولدي «، كما أنها كانت دائما تشجعني على الغناء في فرقتها، وحين افتتاح التلفزة المغربية أصرت على القائمين آنذاك أن أكون الشاب الصغير الذي يفتتح معها التلفزة المغربية، كلمتها كانت مسموعة، وهذا شرف أحمله دائما في ذاكرتي خصوصا أن تلك المرحلة تميزت بوجود أسماء كبيرة، يكفي أن أقول أحمد البيضاوي, المعطي بنقاسم، إسماعيل أحمد، سي محمد فويتح وغيرهم، وهذا فضل لن أنساه للكبيرة الحاجة الحمداوية التي أتمنى لها الصحة والعافية وطول العمر، وهكذا أكون دشنت مشواري الفني كمطرب قبل جوق طنجة والأغاني الكثيرة التي لحنها لي الراحل العبقري عبد القادر الراشدي…».
ثم تأتي مرحلة طنجة سنة 1963، يتذكر الأستاذ عبد الواحد التطواني قائلا، حينما أمر الراحل الملك الحسن الثاني بتأسيس جوق طنجة الجهوي التابع للإذاعة والتلفزة المغربية أسند لي المرحوم عبد القادر الراشدي أول أغنية من ألحانه في مشواري الفني وهي قطعة « فرحة طنجة « من كلمات الراحل إدريس العلام وعزف الجوق الجهوي لإذاعة طنجة، وكان موضوعها يتحدث عن الزيارة الملكية للمغفور له الملك الراحل الحسن الثاني لمدينة طنجة وجمال هذه المدينة في أسلوب جميل وسلس ولحن رائع وعزف محترف، حيث كانت طنجة ولاتزال خزان العازفين الكبار مما جعل تنفيذ اللحن سهلا، خصوصا بوجود عازفين كبار مثل الراحل محمد البوعناني الذي قام بعزف صولو القطعة، وقد لاقت القطعة رواجا كبيرا في الإذاعات الجهوية والإذاعة المركزية وقمنا بتسجيلها للتلفزيون المغربي أيضا، وأتمنى من العلي القدير أن تتم رقمنة هذا التاريخ المهم في تاريخ الأغنية المغربية.
وبخصوص الكواليس المرتبطة بهذه الأغنية، يجيب الفنان  القدير عبد الواحد التطواني، كنت أقيم آنذاك بمدينة الرباط  حينما تمت المناداة علي للالتحاق بالجوق الجهوي للإذاعة والتلفزة المغربية بمدينة طنجة، وحين ولوجي للأستوديو لأول مرة وجدت العازفين والكورال يقومون بالتمرين على القطعة تحت قيادة المرحوم محمد البراق في غياب الأستاذ عبد القادر الراشدي،  ولم أكن أظن أنني من سيقوم بغناء هذه الأغنية، خصوصا أن الراحل الكبير كان دقيقا في اختياراته في ما يخص الأصوات التي تقوم بأداء ألحانه، جلست أحفظ القطعة وأردد مقاطعها، وحين دخول الأستاذ عبد القادر الراشدي توقف التمرين وقال : «على سلامتك «،وبعد السلام طلب مني الجلوس بجانبه وبدأ في تلقيني القطعة بطريقته حيث كنت سعيدا جدا، فالعمل مع هذا العملاق له إحساس وطعم آخر. ..».
ويوضح  التطواني، «في تلك المرحلة لم تكن هناك مبالغ مالية لإنجاز عمل فني بل كانت الدولة هي من تتكلف بإنجاز الأعمال الفنية، فالجوق الجهوي والراحل عبد القادر الراشدي وأنا كنا موظفين تابعين للدولة المغربية، وأظن أن هذا هو سبب ازدهار الأغنية المغربية، الكل كان يشتغل في إطار واحد هو الدولة المغربية التي توفر الجوق والأستوديو وكل الوسائل اللوجيستيكية من بث وغيرها للرقي بالذوق العام، اليوم تغيرت الأشياء والتاريخ، يسجل أن تلك المرحلة كانت هي أوج الأغنية المغربية وصرنا نسميها الزمن الجميل، وفعلا كان جميلا فالكل كان يشتغل لأجل الفن وإسعاد الجماهير والهُوية المغربية…».
بخصوص رد فعل الجمهور والوسط  الفني حول أول عمل فني  له ، يرد الفنان عبد الواحد التطواني: «كان أكثر من رائع حيث تعرف إلي، عن قرب، الجمهور المغربي والجمهور الطنجاوي الذي أكن له كل الحب والتقدير ، فالقطعة، كما أسلفت الذكر، كانت تتغنى بزيارة الراحل المغفور له الحسن الثاني لمدينة طنجة ،وأيضا تتغنى بجمال مدينة طنجة، مما جعل الجميع يسعد بها خصوصا الجمهور الطنجي الذي أوجه له التحية، فطنجة هي من صنعت اسم عبد الواحد التطواني، أما الوسط الفني فقد كان الجميع يسعد بأي مولود جديد في الأغنية المغربية بدون حزازات أوإشارات سلبية، خصوصا أن المغرب كان حديث الاستقلال والجميع يشتغل في إطار بناء مغرب جديد،  كل من موقعه مع ملك شاب، الحسن الثاني رحمه الله…».
أما رد فعل العائلة، يقول، «مسقط رأسي مدينة تطوان وهي مدينة الجمال والفن الراقي وكما أسلفت فإنني أنتمي إلى عائلة تحب الفن وتعشقه والمغرب،عموما، لم يكن يعرف ولايزال تلك الحركات الفكرية التي تمنع الغناء أوالفن، نحن شعب يعشق الحياة ونتذوق جميع الفنون وكل العائلات تحب أن ترى بينها فنانا ناجحا…».
وعن تقييمه لهذا العمل الفني اليوم، يقول، «كل الأعمال الفنية التي أنجزت في تلك المرحلة يصعب تقييمها لسبب بسيط هو أنها لاتزال حية في الإذاعات الوطنية ولاتزال مرغوبة في البرمجة الفنية ولايزال الشباب يرددها كجسر للتقرب إلى الجمهور المغربي، بكل بساطة، إنه الزمن الجميل الذي يصعب تقييمه، مؤخرا قام الفنان عبد السلام الخلوفي من داخل كواليس القناة الثانية بإهدائي إحدى مقاطع هذه الاغنية « فرحة طنجة « بعزف جميل من العازف الكبير عبد المجيد خليكان، هذا يعني أن القطعة عمرها 57 سنة ولاتزال في ذاكرة شباب اليوم، لذلك أكرر يصعب تقييم قطع تلك المرحلة.  لهذا أناشد الجهات المعنية برقمنة هذا الأرشيف المهم في تاريخ المغرب الحديث، حتى تتمكن الأجيال القادمة من تقييم كل هذه الأعمال وأن تفتح الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية موقعا مختصا يحمل كل هذه الأعمال الفنية أو دمجها على موقع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية بدل ان نراه بعضا منه على موقع اليوتوب أو غيرها من المواقع، وأكيد أن مثل هذا العمل سيحمل الكثير من الربح المادي والمعنوي للجميع…».
وماذا تشكل لكم اليوم هذه الأغنية في مسيرتكم الفنية؟ عن هذا  السؤال يجيب الفنان القدير عبد الواحد التطواني، «في الحقيقة هي مجموعة من الأعمال الفنية تبلغ ستة عشر عملا وقمت بإمضائها مع الكبير العبقري الراحل عبد القادر الراشدي وخصوصا قطعة « ماشي عادتك هادي «، إنها تاريخي المشرف، والذي أفخر به، وجوابا عما إذا استمر التعامل مع نفس الأسماء التي وقعت معه عمله الفني الأول يقول ، «في تلك الحقبة والتي كانت مدتها أقل من سنتين اشتغلت مع الراحل عبد القادر الراشدي على مجموعة كبيرة من الأغاني ومع زجالين كبار يتقدمهم الراحل أحمد الطيب العلج، فتح الله المغاري حمادي التونسي وغيرهم، ثم انطلقت في التعامل مع ملحنين كبار آخرين لأجل التغيير وعدم الاقتصار على مدرسة وحيدة في الأغنية المغربية، ثم بعدها ولجت عالم التلحين لأقوم بتلحين قطع غنائية لنفسي ولغيري…».


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 29/05/2019