الغرب والقرآن 9- إقصاء التاريخ

 

التفكير في النص القرآني، وشرحه وتفسيره وحصر معناه، ليس انشغالا عربيا؛ فقد دأب المستشرقون، ومعهم الدارسون القرآنيون، على محاولة تفكيك الخطاب القرآني وارتياد علومه ومباحثه ولغاته، وتحديد نوازله ومفاتيح فهمه، وذلك في مواجهة التيارات الدينية التي تحاول فرض أساليبها بمنطق استغلاقي واحتكاري وإيماني، لا يستقيم الآن مع تعدد المناهج وطرق البحث العلمية التي تنبني على التشخيص والتحليل والتدقيق والتمحيص واستدعاء القرائن العلمية المادية والتاريخية.

يستنتج حمود حمود أن هاوتينغ بنى أطروحته في القرآن مستثمرا السياق الجدلي، بهدف واحد وبسيط: هو إقصاء التاريخ، دون أي أي بديل لهذا التاريخ.
ويرى الباحث أن ميزة الكتاب الرئيسية تكمن في “كونه يمثل أرقى ما وصلت إليه الدراسات الحديثة في رفع مستوى الشك؛ ولكن الشك ليس من أجل النقد والنظام التحليلي للحدث والسياق، ولا البناء على جهود غيره من الأركيولوجيين والفيلولوجيين والنقاد والباحثين بشكل عام؛ وإنما الهدف: الشك من أجل الشك فقط، وتعليق القرآن بين قوسين بدون نقد أو مدارسة”.
فكتاب “فكرة الوثنية وظهور الإسلام” لهاوتينع، في رأي الباحث، لم يكتب من أجل تكوين صورة تاريخية كما هو العنوان الفرعي له (الجدل والتاريخ)، إنه بالأحرى كتب من أجل تهديم الصورة التاريخية أو أية محاولة لمقاربة تاريخية لمكة ومحمد والقرآن.
ويذهب الباحث إلى أن ” أي صورة في ذهننا عن شخصية مثل محمد وعربه البدو في القرن السابع هي صورة على أقل تقدير مشوهة ومبتورة، لكن هاوتينغ لا يقف عند هذا، إنه يسد كل الطرق للوصول إلى تكوين أي صورة سواء لمحمد (ولا أعلم بالضبط ما إذا كان ينفي أصلاً شخصية مثل محمد) أو عرب ما قبل الإسلام.
لم يبق أمام القارئ من خيار عند الانتهاء من قراءة الكتاب إلا أن يقول بشأن الأسماء التي وردت في القرآن ما هي إلا مخلوقات فضائية أو عفاريت من السماء أقحمها المسلمون في وقت لاحق في القرآن! عند هاوتينغ مثلاً الكعبة التي وردت في القرآن لا تدل بالضرورة على الكعبة التي في مكة (لأنه هناك كعبات كثيرة في بلاد العرب). إذن، على ماذا تدل الكعبة التي وردت بشكل فج وصريح في القرآن: “جعل الله الكعبة البيت الحرام” [المائدة: 97]؟ لا أحد يعلم!
في الواقع ينتهي الكتاب ولا نعلم بالضبط ماذا كان يعبد العرب، ولا كيف نشأ الإسلام ومتى؟ وأين (عند هاوتينغ مكة ليست المكان الذي ولد منه القرآن والإسلام)؟ ولماذا؟ الدواعي أو الحوامل التاريخية لنشوئه؟….إلى آخر هذه التساؤلات البسيطة ولكن المبدئية؛ وخاصة إذا وضعنا بعين الاعتبار أن دراسة هاوتينغ كلفت نفسها لتهديم ما سبق على أيادي المستشرقين والتراثيين على حد سواء، في مقابل البناء لصورة تاريخية سليمة كما عنونت الدراسة: من الجدل إلى التاريخ. إلا أن هذا كان كلاماً آخراً.


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 05/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *