كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور 16- أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول غسيل دماغ الشباب لقتل أنفسهم

 

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

 

يرى الدكتور محمد شحرور، أنه لايرى أي حرج في أن يعلن أحد أتباع محمد صلى لله عليه وسلم، تحوله إلى المسيحية ليصبح من أتباع عيسى عليه السلام، ويبني محمد شحرور هذه القناعة انطلاقا من قوله تعالى في سورتي البقرة ويونس “لا إكراه في الدين ” و”ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين “،مادام يلتزم المثل والقيم الإنسانية العليا ،ولايخرج في علاقاته بفعل مادي عن حدود المقاييس والأطر التي وضعها مجتمعه، ولكنه يضيف، يستطيع ويحق له أن يعلن رفضه عادات وتقاليد كثيرة في مجتمعه، ولكنه لا يستطيع أن يخرج عن القيم الإنسانية العليا المتمثلة في الوصايا، ويشرح الدكتور محمد شحرور قائلا،هناك من ارتد دينيا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ الرسول أي إجراء ضدهم.
ويزيد محمد شحرور شارحا، بالتأكيد على أن ما حدث بعد وفاة الرسول، هو انقسام سياسي بحت بين المؤمنين أنفسهم، ثم تحول الانقسام إلى كتل سياسية مختلفة كانت الأساس إلى تشكل كتل دينية عقائدية مختلفة، فالخلاف بداية، كما يرى صاحب كتاب “في تجفيف منابع الإرهاب “لم يقم أبدا على أركان الإسلام ولا أركان الإيمان، ولكن حدث بعد ذلك أن أركان الإيمان تم تقديمها على أركان الإسلام.
ومن هنا يستخلص الدكتور محمد شحرور ويرى أن التنادي إلى التركيز على إنسانية الإسلام هو اتجاه عالمي، وليس اتجاها حزبيا ضيقا، فحقيقة الإسلام وفق المفكر محمد شحرور، ليست حقيقة رأسمالية او اشتراكية، وليست حقيقة عمالية أو محافظة، بل هي حقيقة إنسانية قبل أي شيء آخر، إذ ليس ثمة في الأساس حقائق مخصصة، وكما أنه لاتوجد حقيقة طبقية،كذلك لاتوجد حقيقة فقهية ولا حقيقة صحابية أو تراثية، فالحقيقة ،كما شدد عليها الدكتور محمد شحرور، لاتكون إلا إنسانية، وكذلك القانون الأخلاقي لايمكن إلا أن يكون إنسانيا، ويشدد على أنه ليس هناك أخلاق عربية وأخرى عجمية، وإنما تلك عادات فقط، يمكن تجاوزها، ولكن بصعوبة ومع الزمن.
وفيما يتعلق بمسألة الصراع بين الحداثة والسلفية في الخطاب المعاصر، يرى فيها الدكتور محمد شحرور، صراعا بين أسلوب تاريخي سياسي، وأسلوب تاريخي معاصر للسياسة كفن لإدارة المصالح المتنازعة، وبين مضمون حقوقي فقهي كانت دلالاته متطابقة مع مدلولاتها في زمنها، ثم غابت المدلولات خلال مسيرة التاريخ، وبقيت الدالات دون مدلولات في عالم الواقع، ومن ثمة يخلص إلى أن المصطلحات الفقهية الإسلامية أصبحت تدور في العدم لأنها تاريخية بحتة.
ويخلص الدكتور محمد شحرور حديثة بخصوص هذا الأمر، بالتأكيد على أن الصراع يدور بين قطبين، بين المعاصرة والسلفية، فالمعاصرة تروم إلى إيجاد مدلولات معاصرة في العالم القائم والواقع المعاش لدالات موجودة في التنزيل الحكيم، تحقيقا للانسجام بين الدال والمدلول، وهو ما أطلق عليه الدكتور محمد شحرور، التأويل والاجتهاد ونقد الواقع.
أما بخصوص السلفية، فتتغيى إيجاد مدلولات قسرية أو وهمية للدالات الموجودة في كتب الفقه والتراث، فإن طرح السلفي الآن لا يمكن إلا أن يكون مستبدا، ولايتورع عن ممارسة العنف عندما تسنح له الفرصة بذلك، والسبب، يقول محمد شحرور، أن معظم طروحاته السياسية تنتمي إلى عالم الوهم أو الذاكرة التاريخية أكثر مما تنتمي إلى الواقع، ويرى أن الطرح السلفي هو المرحلة الأولى في غسيل دماغ الشباب لإرسالهم إلى حتفهم لقتل أنفسهم والآخرين دون تمييز بدعوى الجهاد في سبيل لله.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 13/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *