مسارات من حياة الشعيبية طلال.. 3- «ضرب الفأل» بالورق/الكارطة

لعل الكتابة عن سيرة فنانة ذات ريادة زمنية وريادة فنية،اختلف الناس في أمرها، لشخصها وشخصيتها وإنجازاتها التي ذاع صيتها في الآفاق، حتى أصبحت المعارض العامة الدولية تخطب ودها وتتمنى أن تحتضن لوحاتها العجيبة ، تقتضي اعتماد مصادر ومراجع وطنية أو دولية موثوق بها، غير أنه، للأمانة، لا نتوفر سوى على مصدر واحد ووحيد غير مستقل وغير محايد، ألا وهو ابنها الفنان الحسين طلال، الذي لا يقدم إلا ما يلوكه مرارا وتكرارا عن سيرة الشعيبية لوسائل الإعلام أو بعض الباحثين، من غير إضافات مميزة أو إضاءات مثيرة تسعف في الوقوف على هويتها، منجزها التشكيلي وخصوصياتها الجمالية وإسهاماتها في الحركة التشكيلية العالمية.
سنحاول في هاته الحلقات تسليط الضوء-قدر الإمكان- على مسار الشعيبية الذاكرة الفردية، الذاكرة الجمعية ترحما عليها، واعترافا بأياديها البيضاء في سبيل جعل راية المغرب خفاقة في المحافل العالمية، وإسهاماتها في إثراء المكتبة الفنية الوطنية والدولية.

 

تقول الشعيبية بخصوص ولادتها:” كنت ألحّ كثيرا على أمي في السؤال متى وُلدت؟ فكانت تجيبني بأني وُلدت في عام “الشوم” أو عام “الصهد”، إذ لم يكن الناس قبل ظهور الحالة المدنية بالمغرب، يؤرخون سوى بالأحداث المثيرة التي رافقت ولادتهم،يقولون مثلا: “ولدت في عام البون” أو “عام تحرقوا النوايل”..أو “عام الكايلة”، أو “عام الفار”.. أو “عام الجوع” أو “عام خيزو”، أو “عام الكَرنينة”، أو “عام الحميضة”، أو “عام الحرودة”، أو عام لْحفى ولْعرى، أو “عام التيفوس” أو”عام بونتاف”أو عام “الصندوق”.. وهي تواريخ شعبية يعرفها جيدا من عاصر مثل هاته الجوائح أو من وثّق لها. وكان أعوان المخزن هم من يقدرون تاريخ الولادة، وأيضا هم من يمنحون الألقاب العائلية بشكل عشوائي أو مزاجي ما لم يدْل أحد بشجرة النسب، فالفنان الحسين طلال، يدلي في أكثر من تصريح موثق لحياة والدته، أن عمَّها زوّجها من رجل من ورزازات، يعني ليس تجمعه بينها وبينه قرابة، فهو أمازيغي وهي عَروبية، والعجيب أن اللقب العائلي: “طلال”، يلزمها كما نفسه يلزم ابنها الحسين !
رأت الشعيبية النور باثنين اشتوكا وهو أحد دواوير الجماعة، على مقربة من مدينة أزمور التي تنأى عن مدينة الجديدة بخمسة عشر كيلومترا، والتي يوجد بها
الولي الصالح أو القطب الصوفي مولاي بوشعيب الرداد أو بوشعيب السارية أو كما اشتُهر لدى العامة والزُّوار بوجه أخص ب”مولاي بوشعيب عطاي العزارى”، الذي بِاسمه يُقام موسم كل سنة، تفد إليه نساء تنجبن إناثا فقط، أو نساء هُددن بالطلاق ما لم يُنجبن ذكرا.وقد حَملن إليه أنواعا من الطيب/ماء ورد و”كافور” والأبخرة/”العود القماري” و”عود الند”، و”الجاوي وصلبان” والشموع..وتُحمل إليه بعد تحقق “الغرض” أي الأمنية،الذبائح/القرابين(شياه ملحاء-فراريج سوداء تحديدا..) والشموع والحناء والتمور و”الباروك”، أي مبلغا ماليا يودع بصندوق الضريح بعد أن تتمسحن به وهن يطفن ويتنهدن ويبكين على ضريحه طويلا حد الندب.. وفي هذا الجو الدرامي،حيث الهيستيريا فعلا أو افتعال الهذيان والغثيان،آياتٌ قرآنية يتلوها “الحفظان” أو المستفيدون من صدقات وهدايا الضريح. وبهذا الأخير باحةٌ واسعة تجلس بها النساء تحنين وتغنين وتجذبن على نغمات أهل الحال والساكن.. تأكلن ما أحضرنه من طعام أو بعض ما أُحضِر للضريح من مأكولات،وأطفالُهن يركضون ويلعبون ويمرحون ويتفرجون على نساء يُطلعن الناس على السعد المرتقب أو سوء الطالع الذي ينتظرهن بواسطة “الورق” .
وسيكون للاطلاع على المجهول بواسطة تملّي “البيضة” أو “ألدون” أو “الورق” من امرأة أو “ضرب الفال” من فقيه مشعوذ أو سحار أو دجال، في هذا الموسم وقعٌ خطير على نفسية الشعيبية،إذ سيصاحبها طيلة مسار حياتها بيئة وتكوينا وثقافة.
استرعى انتباه الشعيبية “ضرب الفأل” بالورق أو ما تصطلح عليه العامة ب”الكارطة”. تحترم الشعيبية المجاذيب “أهل البركة”، أو “أولياء لله” المتنكرين، تتوسم في شخص قريب خيرا أو شؤما، فتشهر هي الأخرى”الكارطة من جيبها ، إذ كانت لا تفارقها.ومعظم الفنانين التشكيليين أو التشكيليات ممن احتكوا بالشعيبية يشهدون أنها كانت تستفرد بهم متقمصة دور المجذوب، وتضعهم في جو غرائبي، تسوده الضبابية تارة وسلطة الرمز تارة أخرى، لإطلاعهم على فألهم أو ما يخبئه القدر لهم، وكانت لا ترجو لقاء صنيعها ذاك، لا جزاء ولا شكورا. وكأنما كانت تجد في ذلك، متنفسها وترويحا عن نفسها، أو لذة في التكهن بالمصائر..


الكاتب : عزيز الحلاج

  

بتاريخ : 12/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *