التاريخ الديني للجنوب المغربي سبيل لكتابة التاريخ المغربي من أسفل 7- الكرامات المؤسسة لسلطة الزاوية

 

تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا.

 

لاشك أن الناصرية التي ذاع صيتها بتامكروت لم تكن لتشتهر، كما وصفت ذلك المصادر، لولا الكرامات التي تواترت عن أصحابها فأهل أكلو يعتقدون أن السر في عدم نضوب عيون مياههم لعنة من شيخ تيمكديشت أبي العباس (السوسي محمد المختار ،خلال جزولة، ج1، ص77.)
وظيفة التحكيم أو “الإستقلال المفترض”عند شيوخ تيمكديشت:
لا يمكن لأي شيخ أن يحظى بهذا الدور علما أن شيوخ تيمكديشت تدخلوا للحسم في علاقات المخزن المركزي والمحلي، وهذا الدور كما يرى الباحث محمد المازوني هو الرأسمال الرمزي لشيوخ الزاوايا وهو المقوي لسلطتهم(المازوني محمد ،مرجع سابق، ص62). إلى درجة أنه يمكن أن نشاطر قول أحمد التوفيق لما اعتبر الزاوية وهي تقوم بهذا الدور بمثابة محكمة للفصل والصلح وترتيب المواثيق وضبط الاتفاقيات…” (التوفيق أحمد، اينولتان ج2، ص95)، ولابد في معرض حديثنا عن هذه النقطة الرد على مزاعم الاطروحة الإنقسامية التي رأت في التحكيم الظاهر وغفلت الباطن، فإذا كان شيخ الزاوية يقوم بالتحكيم فهذا ليس في صالحه بالدرجة الأولى بل في صالح المخزن حيث يقيه الشيخ من معدات التحرك للفصل في النزاع القبلي، والشيخ وهو يمارس هذا الدور فإنه يراعي مصلحته؛ فهو يضمن هيبته كما أن علاقته مع المخزن التي يديع سيطها داخل القبائل تلزم الساكنة بالخضوع إلى أحكامه ويكون حكمه مبنيا على أساس المسالمة وهذه الأخيرة لا تعني كما ذهب إلى ذلك الأنثربولوجيين أنهم محايدين فأهل القبيلة يقبلون التسوية ظالمين أو مظلومين، ومهما كانت وضعيتهم بين الإتنثين فإنهم يعتبرون أنفسهم دائما ظالمين و بالتالي فالشيخ لا يمكن أن يسهو ويصدر حكما خطأ فهو ولي لله يستظل بظله في الأرض لهذا فالساكنة لها خيار واحد إما أن تقبل الحكم رغبة وإما أن ترضخ له رهبة.
نتساءل الآن ماذا يجني الشيح وراء تعبه هذا ومخاطرته بنفسه خصوصا إذا كان تحكيمه ظالما؟
تكشف المراسلات المخزنية أن شيوخ الزوايا اغتنوا من خلال ممارسة هذه الوظيفة، وأن كل الأحكام كانت مبنية خدمة وإرضاء للمخزن. كما لا يجب أن نغفل أن موقع تيمكديشت لم يختار عبثا فالمنطقة أولا كانت بعيدة عن المركز وبالتالي هذا يفسر أن اختيار المكان يفسر بتوفير ظروف الاشتغال السياسي للزاوية فشح الطبيعة، نتج عنه بركة الشيخ في فك الصدام القبلي حول الماء، كما أن الشيخ تدخل وأخذ على عاتقه حفظ أحد أهم طرق التجارة البعيدة المدى.
لقد انتقل شيوخ تمكديشت من الوساطة بين الأفراد والجماعات إلى الوساطة بين هؤلاء وممثلي المخزن المحلي والمركزي إلى الوساطة بين السلطان وممثليه.
وساطة شيوخ تيمكديشت بين الأفراد والجماعات:
– وساطة الشيخ الأول: فقد تدخل الشيخ للتحكيم بين قبيلة أكلو وتزنيت كما توسط المدني بين هرغة وهوزالة ،وقد اعلن عن حياده لكلا الطرفين، و نفس الشيء فعله لفك النزاع بين قبيلة إرزان التي كان أهلها معروفون بقطعهم للطرقات وقد نشر المختار السوسي حوالي إثنتا عشر وثيقة تفيد كلها ما بدله الشيخ في سبيل إعادة المياه إلى مجاريها في جهة سوس (السوسي محمد المختار، ج6، صص240-451.)، وقد كان نتيجة ذلك أن القي بالشيخ في غياهب السجن ولولا شفاعة السلطان لما أطلق سراحه وما يهمنا هو أن هذه القبيلة “كتب لها لله الهداية” على يد الشيخ منذ أن دخلت في الطريقة الناصرية كما هو رائج في الرواية الشفوية.
وساطة الزاوية بين القبيلة والمخزن:
أهم مثال نضربه في هذا الصدد هو تدخل محمد الحنفي الشيخ الثالث لدى كل من القائدين التامانرتي والعبدلاوي في سبيل التصالح بين قبيلتيهما، وقد فشل في مهمته لأن الأمر فاق ثقل الشيخ الرمزي مما اضطره إلى رفع القضية إلى السلطان ولم يستطع المخزن التدخل في مثل هذه الحالة مما دفع به إلى أن يطلب الشيخ ليعاود الكرة مرة أخرى وإن كان وهو مايؤكد أن السلطان فوض جزء من سلطاته للشيخ .
وساطة الزاوية بين السلطان وحاشيته:
ففي سنة 1876/1293 تدخل الشيخ الحسن بن احمد التيمكديشتي لدى السلطان المولى الحسن لاطلاق سراح القائد الطيب الكندافي المعتقل من طرف القائد أحمد أومالك قائد قصبة مراكش، وهو الطلب الذي قبله السلطان حيث أطلق سراح الكندافي وعينه قائدا على واد النفيس (أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا، ج9، ص،116).


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 02/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *