ثريا جبران فارسة وسيدة المسرح المغربي تترجل..

فقدت الساحة الفنية المغربية المغربية و العربية أول أمس الاثنين هرما مسرحيا كبيرا وكبيرا جدا، هرم حمل على عاتقه حمل لواء العمل المسرحي بشكله الاحترافي الملتزم والهادف منذ العشريات الأخيرة من القرن الماضي.. إنها الفنانة القديرة المتمكنة والمبدعة ثريا جبران التي فارقت «مسرح» الحياة على إثر مرض عضال ألم بها في الأيام الأخيرة، أدخلت على إثره إلى مستشفى الشيخ خليفة بالدار البيضاء تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس..
فنانة مغربية عربية، قالت ونفذت، شخصت وأمتعت، ناضلت وساهمت في تحقيق مكاسب جلية ملموسة للجسم المسرحي المغربي بشكل أثارت الاحترام والتقدير من لدن كل المهنيين و المثقفين المغاربة و العرب، كابدت وعانت وهي تتعرض لحادث مأساوي بقي عالقا في ذاكرة المسرح الجاد والهادف بالمغرب، حيث كانت ضحية اعتداء جسدي لم تفكّ ألغازه قط، ولو أن البعض ربطه بطبيعة الأعمال الفنية ذات «الرسائل السياسية المزعجة لبعض دوائر السلطة» في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين. وقابلت كل ذلك بصبر و إصرار..
كانت الصوت النسوي المسرحي، في حينه، الذي مثل الركح المغربي في نصفه الآخر، فخلفت في كل ملتقى وتظاهرة و لقاء.. شاركت فيه الإعجاب و التقدير بهدوئها ولباقتها وصراحتها وثقافتها الواسعة وتمكنها من عالم أب الفنون فكرا وممارسة.. لم تتطفل عليه بل شربته وشربها منذ نعومة أظافرها، منذ أن وعت أن المسرح حياة والحياة مسرح.. حتى وإن تولت مسؤولية تسيير وزارة الثقافة بين سنتي 2007 – 2009 كأول فنانة عربية تتولى منصبا حكوميا، وكان ذلك في العهد الجديد، عهد الملك محمد السادس..، تكليف و تشريف «توج» مسيرتها الفنية المضيئة، التي مكنتها، وبكل اقتدار، من الحصول على لقب «سيدة المسرح المغربي»- وعلى جوائز وأوسمة داخل وخارج المغرب، فهي حاصلة على وسام الاستحقاق الوطني من الملك الحسن الثاني، وعلى وسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب من درجة فارس. كما توجت بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الثانية 2008.. وفي إطار التقليد الذي دأبت عليه الهيئة العربية للمسرح بتخليد اليوم العربي للمسرح – حيث يوجه بالمناسبة فنان عربي «رسالة اليوم العربي للمسرح»- تولت ثريا إلقاء رسالة هذه الاحتفالية بمناسبة الدورة الخامسة لمهرجان المسرح العربي المنظمة في العاصمة القطرية الدوحة في شهر يناير 2013.
تقول سيرة الفقيدة الفنانة المغربية الكبيرة السعيدية اقريتيف المعروفة بـثريا جبران، التي ساهمت على صعيد العمل النضالي في تأسيس العديد من المنظمات الناشطة في المجال الإنساني والحقوقي، تقول السيرة إنها من مواليد يوم 16 أكتوبر 1952 في مدينة الدار البيضاء، عرفت اليتم من سن مبكرة، وذلك بعد وفاة والدها بحي درب السلطان الشعبي، فاضطرت أمها للخروج للعمل بمؤسسة الخيرية الإسلامية بحي عين الشق كمربية، حيث هناك- تقول سيرتها، فتحت ثريا بصيرتها على عوالم مجتمعية هشة أثرت في مسارها الفني وموقفها السياسي والنضالي والإنساني.. ليتكفل بها زوج أختها محمد جبران – الذي كان بمثابة مؤطر تربوي في المؤسسة- ولعب دورا في توجيهها نحو عشق «أب الفنون» (المسرح)، بل ومنحها اسمه الذي أصبح اسمها الفني في ما بعد..
على المستوى الدراسي الأولي تلقت ثريا جبران دراستها الابتدائية والثانوية بمدينة الدار البيضاء، وكانت من بين الأفواج الأولي من التلميذات المغربيات اللواتي تخرجت في المرحلة الابتدائية مع فجر استقلال المغرب، لتلتحق بعد حصولها على شهادة الباكالوريا بالمعهد الوطني التابع لوزارة الشؤون الثقافية، ومنه حصلت على دبلوم التخصص المسرحي الذي مهد لها الطريق لتنخرط في هذا الفضاء الإبداعي الفسيح بكل المعرفة اللازمة مسنودا بطاقة إبداعية دافقة وموهبة كبيرة قل نظيرها كشفت عنها العديد من المسرحيات والأعمال الدرامية الوطنية و العربية.. قبل أن تسند لها مسؤولية تسيير وزارة الثقافة سنة 2007 ، حيث ستطلب إعفاءها منها سنة 2009 لأسباب صحية..
على المستوى المهني المسرحي شاركت الفنانة الراحلة القديرة ثريا جبران في العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، تركت فيها بصمتها بكل وضوح، وكانت من عناصر نجاحها، فقد كانت مؤسسة ورئيسة فرقة «مسرح اليوم»، بعد أن خاضت تجارب موفقة وهادفة في مسرح الهواة بالمغرب، الذي قام بدور مهم في تكوين أجيال من الفنانين المحترفين المغاربة في العشريات الأخيرة من القرن الماضي.
ومن بين تجاربها الواضحة، وهي لم تتجاوز العاشرة من سنها،انضمامها إلى فرقة «الأخوة العربية « التي كان يشرف عليها الفنان، المخرج و الإعلامي عبد العظيم الشناوي، الذي فقدته الساحة الوطنية في الأسابيع القليلة الماضية، حيث شاركت في مسرحية «أولاد اليوم». كما شارك شاركت في النجاحات التي حققتها فرق «الشهاب» المسرحية و«المعمورة» و«القناع الصغير» ومسرح الرائد الطيب الصديقي، قبل أن يرتبط اسمها بتجربة «مسرح اليوم» الذي قدمت عبره أشهر عروضها التي سافرت بها خارج الحدود.
فقدمت مع الصديقي سنة 1980 مسرحية «ديوان عبد الرحمن المجذوب» التي تستعيد تراث الشاعر الصوفي المجذوب، كما قدمت مسرحية «أبو نواس» سنة 1984.
وشاركت معه سنة 1985 في المسرحية العربية التاريخية «ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ»، في إطار فرقة الممثلين العرب التي أسسها الصديقي رفقة الفنانة اللبنانية نضال الأشقر، وبمشاركة ممثلين من العراق وسوريا والأردن وفلسطين والمغرب.
كان عام 1987 منعطفا نوعيا في مسيرة ثريا من خلال فرقة «مسرح اليوم» وعملها الأول «حكايات بلا حدود»، التي اقتبسها زوجها المخرج عبد الواحد عوزري من نصوص للشاعر السوري الراحل محمد الماغوط. وشاركت المسرحية في مهرجان بغداد المسرحي في تلك السنة، وفي مهرجان دمشق للفنون المسرحية سنة 1988.
من أنجح أعمال ثريا جبران العرض المسرحي «أربع ساعات في شاتيلا» سنة 2001، وهو نص للكاتب الفرنسي جان جنيه بترجمة الناقد محمد برادة. وواصلت اشتغالها على نصوص الأدب العربي والعالمي من خلال مسرحية ديوان الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي «الشمس تحتضر».
وبالجملة قدمت الراحلة ثريا جبران عبر عقود من الممارسة الفنية الاحترافية الهادفة مجموعة من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية. فعلى الشاشة الكبرى شاركت ثريا في الأفلام التالية: «الناعورة» (عام 1984)، «الزفت» (1984) «غراميات» (1984) «شفاه الصمت» (2001) «عطش» (2001) و»عود الورد» (2007).
كما سجلت أيضا بصمتها في عدة أعمال تلفزيونية، غير أن قوة حضورها تجسدت على منصة أعمال مسرحية من قبيل «الشمس تحتضر»، و«بوغابة»، و«امتى نبداو» (متى نبدأ؟)، و«امرأة غاضبة»، و»حكايات بلا حدود»، و«النمرود في هوليود»، و«الجنرال»، و«أربع ساعات في شاتيلا»، و»طير الليل»، و«اللجنة» عن رواية صنع لله إبراهيم، و«أيام العز» وغيرها.


الكاتب : إعداد: جمال الملحاني

  

بتاريخ : 26/08/2020