آتياس سالومو: نفتخر بأننا دافعنا عن راية وطننا الغالي المغرب في مختلف التظاهرات العربية والعالمية

عمره يتجاوز الثمانين سنة، من مواليد مدينة الدارالبيضاء سنة 1940، مايزال آتياس سالومو، الملاكم المغربي اليهودي السابق، محافظا بشكل لافت على لياقته البدنية بفضل مواظبته،كما يؤكد أثناء لقاء جمعنا به يوم الجمعة الأخير، على ممارسة التمارين الرياضية ومزاولة الملاكمة الرياضة التي عشقها وتعلق بها منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي.
آتياس سالومو مايزال مستقرا بالدارالبيضاء، رفض الانتقال للعيش في بلد آخر من العالم قائلا:» أبنائي رحلوا لأمريكا ولكندا، عدد كبير من أفراد أسرتي وأقربائي اختاروا الاستقرار بإسرائيل، لكنني،ومعي الكثيرون، فضلنا الاستمرار في استنشاق هواء وطننا الغالي المغرب..وهل لنا وطن غير المغرب؟»
سألته جريدة « الاتحاد الاشتراكي» عن مساره في رياضة الفن النبيل، وعن الأسماء التي تألقت في سماء هذه الرياضة من الملاكمين المغاربة اليهود، أطلق تنهيدة عميقة وهو يسترجع صور شريط يمتد لبداية الخمسينيات من القرن الماضي، هناك في قلب مدينة الدارالبيضاء حيث عاش أكثر من 22 شابا يهوديا داخل نادي «شانيتير للملاكمة»، منهم من أحرز لقب البطولة الوطنية، ومنهم من نال ميدالية ذهبية في البطولات العربية والافريقية،ومنهم من حمل القميص الوطني المغربي في بطولات العالم للملاكمة.. يتذكر منهم مثلا: ماكس كوهين، شارلي بوحبوط،أسراف نسيم،دافيد الباز،روني زاكوري،دانان ماردوشي،بينتاكون،ليفي، وغيرهم من الأبطال المغاربة اليهود.
لم يكن يعرف أي شيء عن رياضة الملاكمة قبل بلوغه 17 سنة،يحكي آتياس سالومو، وسيكتشفها لاحقا بعد حكاية عجيبة تعرض خلالها لضرب مبرح في الشارع من طرف أحد «فتوات» الدرب، وفي مناسبتين متتاليتين.عاد لبيت الأسرة بعد تعرضه للمرة الأولى للضرب حزينا لكونه لم يستطع الدفاع عن نفسه،معتبرا أن الحظ كان بجنب من اعتدى عليه وأن بإمكانه التغلب عليه لو أتيحت له الفرصة..في اليوم الموالي،عاد إلى نفس المكان،التقى بنفس الشخص،واستقبل نفس اللكمات ونفس الضرب.
حكى القصة لأحد معارفه،وكان للصدفة،مدربا للملاكمة،فنصحه بالالتحاق بنادي «شانتير للملاكمة».
انطلق في التمرين وفي تعلم فن الملاكمة..كان ذلك في نهاية 1956 وبداية 1957، بعد فترة،عاد لنفس المكان،إلى نفس الشخص،ومرة أخرى يتعرض للضرب وينهزم في تحديه. عاد للنادي، وأفرغ غضبه على مدربه:لماذا لم تنفعني الملاكمة في أخذ ثأري من المعتدي علي؟
كان رد المدرب غريبا بالنسبة لشاب غاضب: ركز في تداريبك وانس الموضوع والأيام ستعيد لك حقك.
مرت أيام وشهور، نسي حكاية الاعتداء عليه، لكن المعتدي لم ينس. لمحه وهو عائد لبيته، صرخ في وجهه: هل اشتقت ل»سلخة» أخرى؟
وقف ماتياس سالومو،وخاطبه برزانة: أقترح عليك نزالا على الشاطئ قرب الميناء.
التقى الاثنان في الموعد والمكان،لحظات كانت كافية لتعلو ابتسامة النصر على محيا ماتياس سالومو..لقد تفوق بضربة بيسراه كانت مباشرة وقاضية.
منذ ذاك الحين،انخرط في رياضة الملاكمة ومثل ناديه في مختلف البطولات المحلية بعد أن لعب 15 نزالا فاز في 11 منهم وتعادل في اثنين وخسر مرتين.
وطيلة مساره كملاكم، يقول آتياس سالومو، أتيحت له الفرصة للتعرف عن قرب على كبار أبطال الملاكمة المغربية خاصة منهم اليهود المغاربة، وكان عددهم يفوق الثلاثين ملاكما في الستينيات من القرن الماضي، منهم ماكس كوهين أبرزهم الذي أحرز ميدالية ذهبية في البطولة العربية التي أقيمت سنة 1961 في مصر والتي شهدت قصة عجيبة بعد أن اعترض الاتحاد المصري للملاكمة على مشاركة ماكس كوهين على اعتبار أنه يهودي الديانة. فكان رد الجامعة المغربية واضحا وحاسما في كون ماكس كوهين مغربي ويحمل جوازا مغربيا، ومثله مثل أي رياضي عربي ولديه قناعاته الدينية ومثل المصريين وفيهم المسلم والقبطي.
يتذكر آتياس سالومو « خوتنا» الأبطال المغاربة المسلمين في ذلك الزمن الجميل من حقبة الستينيات كالبطل محمد بنشيكر الملقب ب» تشيكو»، أحمد بورزة «المش»، السويطة،عبدالمولى سكوما،وغيرهم،ويقول أنهم كمغاربة يهود لم يشعروا أبدا بأي فوارق بينهم وبين إخوتهم المسلمين،والجميع كان يكد ويجتهد في الدفاع عن العلم المغربي.
وتمر الأيام ويتقدم العمر،يقول آتياس سالومو، ويختار الأبناء والأقرباء الرحيل، ونصر نحن الكبار على المكوث في أحضان الوطن،وللأسف، دون أن تتذكرنا وتتذكر تاريخنا الرياضي أي جهة باستثناء جمعية قدماء نجوم الملاكمة المغربية التي يواظب رئيسها محمد المحجوبي على السؤال عنا وكم من مرة نظم لفائدتنا حفل تكريم واعتراف.
ما نزال على تواصل اليوم،يضيف آتياس، مع إخوتنا الأبطال السابقين الذين اختاروا الاستقرار بعيدا عن الوطن،وكم سعد من اختار الاستقرار بإسرائيل من القرار المهم الأخير المتعلق بتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل إذ يقول البعض منهم أنه أخيرا سيتمكنون من السفر من وإلى البلد الأم المغرب عبر خط جوي مباشر ودون الاضطرار إلى المرور عبر أوربا.
وختم آتياس سالومو حديثه لجريدة»الاتحاد الاشتراكي» بالتأكيد على أنه يتابع بسعادة كبيرة التطورات الهامة التي تعرفها الرياضة المغربية ويعتز كثيرا بعلاقات الصداقة التي ما تزال تربطه برياضيين سابقين في الملاكمة وكرة القدم خاصة منتخب الستينيات والسبعينيات ويسعد دائما بتذكر مباريات المنتخب الوطني في مونديال مكسيكو 1970.
قبل أن نودعه، طرح آتياس سالومو السؤال التالي:
لا أعلم عدد المغاربة اليهود الذين مايزالوا يمارسون الملاكمة في الوقت الحاضر، وماذا عن الأنواع الرياضية الأخرى، هل هناك يهود مغاربة في مختلف المنتخبات الوطنية؟


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 26/01/2021