آفة الدروس الخصوصية

مع اقتراب موعد إجراء الامتحانات الإشهادية ينتعش سوق الدروس الخصوصية. لقد تعددت مبررات وذرائع ممارسة الدروس الخصوصية. تنطلق من تدني الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الأساسية وكثافة الفصول الدراسية بما لا يتيح للتلاميذ التدريس الفعال.
تمثل الدروس الخصوصية نوعا من التهاون في أداء الواجب المهني داخل الفصول الدراسية من أجل استغلال أولياء الأمور. كما أن الدروس الخصوصية تؤدي إلى تٱكل الجهود المبذولة من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وفي مواجهة مشكلات المنظومة التعليمية. كما تمثل الدروس الخصوصية إرهاقا ثقيلا لميزانية الأسر.
إن الدروس الخصوصية أصبحت مرضا مزمنا وأزمة سرطانية، تعددت أسبابه وتفاقمت أعراضه عبر عقود من الزمن، يصيب انتشارها مجمل الجسم التعليمي بمختلف أسلاكه بالضعف، لقد تقبل أولياء الأمور الدروس الخصوصية على مضض يجد فيها عدد كبير من التلاميذ وسيلة لتعزيز المعرفة وطرح الأسئلة التي تظل بدون أجوبة داخل الفصل الدراسي إضافة إلى الاستعداد الجيد للامتحانات والتدريب على تطوير أساليب وطرق الإجابة عن أسئلة الامتحان مختصرة للتحصيل الدراسي دون متابعة للنشاط الصفي، ووصل الأمر ببعضهم إلى التباهي بتعاطي تلك الدروس الخصوصية. وأتاحت لمؤلفي الكتب الخارجية إمكانية للتوزيع كما فتحت الشهية لبعض المدرسين لتكوين أرصدة مالية سمينة بل والاشتغال في عالم التجارة والعقار والاستقالة من مهنة التعليم بالمدارس العمومية.
ومن سلبيات الدروس الخصوصية تراجع مكانة وقيمة بعض المدرسين  في الحياة الاجتماعية. وأصبح التعليم بالنسبة إليهم سلعة تباع وتشترى لمن يريد ولمن يدفع الثمن وفي أي مكان، وفي أي وقت سواء بالنهار أو في الليل. ولم يعد لكثير من المدرسين المشتغلين بالدروس الخصوصية طاقة فكرية أو بدنية تمكنهم من أداء واجبهم في المدارس في حصص النهار..كما أن الدروس الخصوصية شوهت وخدشت صورة السياسة التعليمية، فقد أدت إلى إهدار مجانية التعليم في مختلف مراحله وقضت على مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية على أساس القدرات والمواهب واستبدلته بمبدأ القدرة المالية على تحمل نفقات الدروس الخصوصية.
إن الدروس الخصوصية اختزلت العملية التعليمية في الامتحانات الإشهادية وغيبت مهمة التعليم في تنمية قدرات التفكير بدءأ من الفهم والاستيعاب والتحليل والتركيب وإدراك الأسباب والنتائج والتفكير النقدي وغيرها من منظومة التفكير العلمي، التي تمثل جوهر الناتج المنشود من العملية التعليمية.
ومن بين أسباب انتشار الدروس الخصوصية كذلك التنافس على الالتحاق بالمعاهد العليا ذات الاستقطاب المحدود سواء داخل البلاد أو خارجها خاصة في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية واللغات الأجنبية. كل ذلك ساهم في إحداث فجوة عميقة في البنية الطبقية للمواد الدراسية.
وبخصوص ٱثار الدروس الخصوصية على التلاميذ والتلميذات، فقد تولد لدى العديد منهم نزعة الاغتراب عن المدرسة وعن احترام المدرس، بحيث لم تعد للمدرسة أهمية في نظرهم مادام التعليم يتحقق في حصص الدروس الخصوصية في البيت أو في مكان خارج المدرسة. ولعل هذا الاغتراب والمتمثل في أبسط صوره في عدم تتبع التلاميذ والتلميذات وعدم الاستماع إلى المدرس اعتمادا على الدروس الخصوصية، ويتيح لبعضهم إهانة المدرس والالتحاق بمصادر الانحراف خارج أسوار المدرسة.
تلك هي أهم الخسائر التي تنجم عن الدروس الخصوصية لكافة أطراف العملية التعليمية، والتي تؤدي إلى تبديد الجهود المبذولة في تطوير التعليم ببلادنا وتعيق تحقيق مخرجاته المرجوة.
ولمواجهة نزيف الدروس الخصوصية الداء المزمن، على مدراء المؤسسات التعليمية وجمعيات الآباء التفكير في الدعم والتقوية داخل المؤسسات التعليمية وتعقب المدرسين الذين يعبرون التلاميذ والتلميذات على تعاطي الدروس الخصوصية لديهم وإصدار تشريع يجرم الدروس الخصوصية الإجبارية لإيقاف استنزافها لجيوب الأسر ذات الدخل المحدود.
إن الدروس الخصوصية تلعب دورا خطيرا في إيجاد فرص النجاح بامتباز للقادرين على دفع فاتوراتها في الوقت الذي تتضاءل فرص أصحاب القدرات والاجتهاد ممن لا يستطيعون شراء تلك الدروس الخصوصية في متابعة التعليم أو في فرص العمل في المستقبل. كل ذلك يساهم في إعلاء قيم المال والثروة على بقية القيم الاجتماعية الأخرى وفي مقدمتها قيمة المساواة والعدل وتكافؤ الفرص.
وصفوة القول، إن الدروس الخصوصية كلفة ضائعة ووسيلة ارتزاق لبعض المدرسين الذين امتهتوا التعليم كتجارة رابحة.لكن هناك مدرسون أكفاء لهم ضمير مهني وفضلاء. هؤلاء نضعهم فوق رؤوسنا بخلاف تجار الدروس الخصوصية الذين يبتزون أولياء الأمور ويتعمدون إهمال ما يلقونه من دروس في فصولهم الدراسية ليخققوا أهدافهم من مضاعفة الاقبال عليهم ومضاعفة ما يطالبون به من أجر.

(*) باحث تربوي


الكاتب : خليل البخاري (*)

  

بتاريخ : 17/03/2022