آلاف الأسر المغربية في وضعية تيه ما بعد الإعلان عن نتائج الباكلوريا

بسبب كيفية اختيار آفاق تعليمية عالية مناسبة لفلذات أكبادها

 

انتهت محطة امتحانات الباكلوريا بالإعلان عن نتائج شوطها الأول أمس الاثنين، على أن يليها شوط ثانٍ بالنسبة للمستدركين، الذين يتعين عليهم انتظار شهر يوليوز لاجتياز «عقبتها» وترقب ما سيتم الإعلان عنه بعد ذلك. وإذا كانت فئة مهمة من الممتحنين في الامتحان الوطني الموحد للباكلوريا قد تنفّست الصعداء، بالنسبة للناجحات والناجحين منهم، فإن عنصر القلق بل وحتى التيه سيتواصلان عند الكثيرين منهم وسيرخي الأمر بظلاله على أسرهم كذلك، بسبب آفاق ما بعد هذه المحطة، والتوجه الذي سيركبون سفينته، لأن العديد من التلاميذ يجهلون أشياء كثيرة عن أمواج بحر التعليم العالي المتلاطمة التي يكون مدّ الكثير منها عاليا، سواء تعلّق الأمر بإشكالية التوجيه وعلاقتها بالاختيار الدراسي المرغوب فيه، أو معضلة المعدلات التي باتت عبارة عن حواجز تكبح طموحات الكثيرين في ولوج مؤسسات بعينها وللظفر بكرسي للدراسة في توجهات محددة، خاصة بعد أن أصبح المعدّل المرتفع جدا هو ورقة العبور، وباتت معدلات «الحسن» و المستحسن» و «المتوسط» تضمن مقاعد يرى عدد من المواطنين بأنها «أقل شأنا» من الأخرى؟
وضعية تعيشها العديد من الأسر كل سنة، يقول رشيد وهو أب لتلميذة حصلت على الباكلوريا في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي»، مبرزا أنه وبالموازاة مع التحضير لمحطة الامتحان سعى لتسجيل ابنته، بحكم أنه يعرف تفوقها، في مؤسسة تواكب الناجحين والناجحات في التحضير لمباريات مؤسسات التعليم العالي، من معاهد مشهورة في مجال التسيير والمقاولات، مشددا على أن الثقل المادي يشكل عبئا كبيرا خلال هذه المرحلة، التي يصبح توفير ميزانية كبيرة للدراسة أمرا مصيريا وذلك على حساب نفقة الأسرة وعيشها. بدورها سميرة أكدت في تصريحها للجريدة على أن ابنها يريد ولوج الأقسام التحضيرية كخطوة أولى للمرور بعدها إلى مستوى آخر يضمن آفاقا في سوق الشغل في زمن أضحت صعوبة العيش فيه واضحة بالنسبة للجميع ويعاني من تبعاتها الأفراد والأسر على حد سواء بسبب الغلاء واتساع دائرة البطالة، وهو ما يتطلب تضحيات أخرى تفوق ما ضحت به الأسر لتدريس أبنائها طيلة مشوارهم الدراسي في القطاع الخاص منذ مرحلة الروض إلى الباكلوريا، وذلك على حساب صحتها وراحتها ورفاهيتها.
معاناة الأسر مع فلذات أكبادها، هي القاسم المشترك بين تصريحات عدد من الآباء والأمهات الذين تواصلت معهم «الاتحاد الاشتراكي» بمناسبة امتحان الباكلوريا للحديث عن هاته المحطة وما بعدها، حيث أوضح أحمد في هذا الصدد بأنه اضطر بسبب المعدل غير المرتفع الذي حصل عليه ابنه في الباكلوريا إلى تسجيله بإحدى المؤسسات الشهيرة المعتمدة من طرف الدولة، وهو ما جعله يسدد مبلغا شهريا يعادل أجرة موظف، الأمر الذي تسبب للأسرة في صعوبات بات يحسّ بها الجميع، خاصة وأن له ابنين آخرين يواصلان دراستهما في القطاع الخاص دائما، مشددا على أن الابتعاد عن المدرسة العمومية كان اضطراريا بسبب مؤاخذات كثيرة على رأسها إشكاليات الإضرابات المستمرة، والمنهج التعليمي، وتفاصيل أخرى، فرضت عليه وعلى زوجته تكبّد صعوبات مادية كبيرة لأجل تمدرس أبنائهما.
بوح يكشف حجم الضغط، الذي يعيشه التلاميذ وتعيشه معهم الأسر، المادي والمعنوي على حدّ سواء، وهو ما شددت عليه جميلة في تصريحها لـ «الاتحاد الاشتراكي»، قائلة «حتى قط ما كيهرب من دار العرس»، اليوم الدراسة وبكل أسف أصبحت جدّ مكلّفة، والجامعة بحكم «تدنّي مستواها»، تضيف المتحدثة حسب وصفها، أصبح لزاما التدريس في القطاع الخاص، والسعي للحصول على معدّلات تسمح باجتياز مباريات تعتبر مطمحا للجميع، للظفر بمقعد للدراسة بشكل «مجاني» وإلا فإن مساعدة الإبن أو الابنة على مواصلة الدراسة، إما في المغرب أو خارج البلاد، تتطلب أموالا مهمة قد لا يكون الجميع متوفرا عليها.
واقع يرخي بظلاله وتبعاته على الجميع، يؤكد على أن تدبير العملية التعليمية تعاني من العديد من الإشكالات بالرغم من كل مسلسلات الإصلاح التي قطعها المغرب في هذا الباب، وبأن هناك فجوة عميقة على مستوى التوجيه والتدريس والآفاق المستقبلية، في مختلف المستويات والشعب والتوجهات، الأمر الذي يؤدي إلى وقع حوادث وآلام عديدة، وأعطاب عضوية ونفسية قد يعيشها التلميذ والتلميذة، في سعيهما لولوج باب النجاح، ليس فقط خلال محطة الباكلوريا بل حتى ما بعدها، وفقا للصورة التي باتت مترسخة في أذهان الجميع والتي يكرّسها الكلّ صباح مساء، سواء بغير وعي أو عن «سبق إصرار».


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 20/06/2023