«أدوار اتحاد كتاب المغرب اليوم والحاجة إليه» .. ما موقع الاتحاد اليوم في الهندسة الثقافية وصناعة الرأسمال اللامادي؟

أين يتموقع اتحاد كتاب المغرب اليوم من الصراع الذي طفا ببلادنا على المشهد الثقافي منذ سنوات حول أسئلة من قبيل: الهوية والتعدد والحراك اللغوي؟ وهل استطاع أن يكون مخاطبا قويا للدولة ومؤسساتها في تحديد السياسات العمومية الثقافية والمساهمة في إنتاج العرض الثقافي، ووضع الاستراتيجيات المتعلقة بالصناعات الثقافية والهندسة اللغوية والإنتاج اللامادي، وبالتالي كيف يمكن اليوم أن تتم هيكلة مؤسسات الفعل الثقافي الدستوري في غياب الاتحاد أو عبر حضور باهت؟وهل يمكن الحديث عن ديبلوماسية ناعمة يقودها اتحاد كتاب المغرب في شقها الثقافي، في ظل تجميد عضويته داخل الاتحاد العام للكتاب العرب منذ 2018؟
هي جملة من التساؤلات التي طرحتها أرضية ندوة «الملحق الثقافي» للجريدة : «أدوار اتحاد كتاب المغرب اليوم في ظل تدخل فاعلين ومؤسسات رسمية في تدبير الشأن الثقافي» المنظمة يوم السبت 25 فبراير الماضي بالمحمدية، والتي عرفت حضورا مكثفا للكتاب والمثقفين المغاربة من مختلف المشارب الفكرية والإبداعية.
وقد توصل الملحق الثقافي بعدد من الأوراق المقدمة في هذا السياق، ننشرها ضمن هذا الملف الخاص اضافة إلى أرضية الندوة.

 

يتلمَّس اتحاد كتاب المغرب، منذ ما يناهز عقدا من الزمن، سبل الدخول في سلاسة تنظيمية، تمنحه الفرصة لتطبيع دورات مؤتمراته، لأسباب يطول شرحها، يتقاسمها الذاتي والموضوعي. ويتجلى ذلك من خلال العجز البين عن عقد مؤتمرين اثنين متتاليين (طنجة والعيون ) وهي سابقة في تاريخه وتاريخ المنظمات المدنية، فوتت عليه محطات ضرورية لتقييم أدائه وتطويره، والتطلع الى أدوار متميزة، تجمع بين ما تراكم لديه من خبرات في الترافع الثقافي، ومن أدبيات تهم القضايا الجوهرية للكيان الثقافي الوطني، وبين ما استجد من أسئلة وأساليب عمل في الهندسة الثقافية وفي صناعة الرأسمال اللامادي.

1 – سياق وطني وجهوي متغير

من مفارقات الوضع الذي يعيشه الاتحاد، أن المحيط الذي يتطور فيه، اتسعت مساحاته الثقافية ، واتسمت بالعديد من السمات التي كانت غير واردة في السابق من العقود، وقبل زمان الأزمة الحالية ، ومن أهمها:
ـ الانشغال العميق للمغرب، دولة ومجتمعا ، بالمسألة الثقافية واستشعار الضرورة الثقافية في تمنيع الكيان الوطني، وفتح آفاق الحل للعديد من المعادلات التي عاشها بغير قليل من التوتر، ومنها القضية اللغوية التي لم يسقط فيها في الاستحالة، أو في الباب المسدود، والتكريس الدستوري للبعد الثقافي في بناء الذات الوطنية، رسميا وشعبيا.
ويجدر بنا في السياق ذاته أن نشير إلى أن كلمة «ثقافة» لم تدرج في النص الدستوري المغربي، إلا بعد نصف قرن من الاستقلال، كما أن الدسترة المفكَّر فيها والناتجة عن حقيقة اجتماعية وخيار استراتيجي للدولة، للمسألة الثقافية، مع تقوية الهيكلة الدستورية للمسألة الثقافية، لم تتأتَّ سوى بعد نصف قرن من الحياة الحرة للمغرب. فكل الدساتير السابقة، لم ترد فيها كلمة «ثقافة» في النص، فبالأحرى ورودها كتوجه قادر على تقوية النص الدستوري وتوسيع رهاناته..بالنسبة للقضية اليوم، فإن الدستور يجعل من الثقافة إسمنتا حضاريا يُمنِّع قدرات االبلاد، سواء عبر النصوص المهيكلة لذات الدولة أو في ما يتعلق بالعلاقة مع القيم الكونية ..
وقد توفقت المكونات المغربية في الإفلات من الاستحالة اللغوية، التي كانت تهدد النقاش العام حول مواضيعَ ذات صلة بالهوية، والتعدد اللغوي ومؤسسات الحكامة الثقافية، عندما تم إقرار قانونين تنظيميين: يتعلق الأول بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في الإدارة والحياة المهنية، والثاني بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.. وما يصاحب ذلك من نقاش حول الهوية والحراك اللغوي في المغرب …
وقد عاش المغاربة بعضا من الصراع القوي في الآونة الأخيرة حول هذا الدستور الثقافي، الذي يوسع من مفهوم الديمقراطية، والمواطنة ومفاهيم هيكلية أخرى في بناء الوعي السياسي للحاضر والمستقبل، ولكنه نقاش يتحرر من معادلة صعبة الحسم: دولة مدنية أو دولة دينية، ويجيب عن السؤال بتركيبة دينامية ومنفتحة على التفاعل مع التاريخ، تجعل من الوطنية الدستورية، وتفعيل بنود الدستور الثقافي، باعتباره نصا تاريخيا، إعلان ميلاد جديد للدولة وآلياتها وإشكالاتها…
وإجمالا، وبالإضافة إلى الديباجة، تمت دسترة مجالس لها علاقة مباشرة بالشأن الثقافي، أو بالحكامة الثقافية، أو بفضاءات الإنتاج الثقافي، من قبيل المجلس الوطني للغات، أو التنصيص على القيم الثقافية باعتبارها قيما مهيكلة للدستور، كما في الفصل25 الذي نص على» أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، وحرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة». والفصـل 26 + ألزم السلطات العمومية بدعم «بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة،كما تسعى لتطويرتلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة».
والمهم بالنسبة لبلدنا أنها دسترت الثقافة كما أصلت الطابع الثقافي للدستور، ولعل السؤال الذي يفرض نفسه، انطلاقا من هذه المقدمة : هل استطاع الاتحاد أن يكون مخاطبا قويا للدولة ومؤسساتها في تحديد السياسات العمومية الثقافية، عبر تكريس دوره في إنتاج العرض الثقافي وتنزيل مقتضيات الدستور في هذا الباب، بل في وضع الاستراتيجات المرتبطة بالصناعة الثقافية والهندسة اللغوية والإنتاج اللامادي؟
يبدو أن الموضوع يستحق منا نقاشا جوهريا وتحليلا دقيقا ومرافعات عديدة لدى أصحاب القرار، كما يفترض وظيفة ثقافية جديدة طموحة من لدن اتحاد كتاب المغرب تتجاوز ما قد تقوم به جمعيات ثقافية أو بعض القطاعات المجتمعية.
ومن مخاوف المأزق الحالي أن تتم هيكلة كل مؤسسات الفعل الثقافي الدستوري في غياب الاتحاد أو بحضور باهت لا يعكس قوة تاريخه ولا حتمية حاضره ومستقبله!.
إن الاتحاد، الذي كان وصل رئيسه السابق إلى مركز القرار، استطاع أن يخلق قفزة نوعية جدية في مجال السياسيات العمومية في القطاع الثقافي، كان من أبرز سماتها تحويل المطالب الثقافية والنقابية للمنظمة إلى سياسات مرقمة وقوانين ومراسيم دعمت الإنتاج المسرحي والسينمائى ونشر الكتاب وطبعه .. وقد آن الأوان أن يقوم الاتحاد بالتحول الى تقوية نفسه لكي يكون فعليا مخاطبا ذا مصداقية ومحاورا لصاحب القرار..

2- الجهوية، التنمية ودور الثقافة:

النقطة الثانية تظل هي التحولات التي تمس الثقافة في بعدها الجهوي، وهنا سننطلق من مُسلَّمةٍ عامة، مفادها أن الثقافة عنصر ومُكوِّن مُحدّد للجهوية، وبالتالي نُغامر بالتأكيد على ألا جهوية بدون قاعدة ثقافية ..
وعليه، نصل إلى المسلمة الثانية، المتفرعة عنها وهي أن هوية الجهة تصنعها الثقافة، وفي المغرب قد لا نصل الى أن يتطابق «التقطيع الترابي» مع «التقطيع الثقافي»، كما في جهات من قبيل الصحراء المغربية وسوس نسبيا، لكن في كل الحالات نجد أن الثقافة هي التي تعطي للتقطيع الترابي معناه.
والجهوية، بهذا المعنى هي تحول كبير ـ أو استراتيجي ـ في ثقافة الدولة المغربية المركزية، بما أنها تصبح مطالبة بالتكيف مع الهامش المكون لها ( الجهات) وبالنسبة لدولة يعقوبية، ممركزة ومتمركزة حول تاريخها وحامية للتماسك الوطني (الدولة هنا ككيان entité وليس كجهاز appareil…) فالجهوية ثورة ثقافية يقوم بها المركز ضد نفسه ، على عكس الدول التي بدأت كجهات إسبانيا، ايطاليا وألمانيا الى حد ما ثم تحولت الى كيان موحد .
والمسلمة الثالثة، تبعا لتمحيص السياسات العمومية، هي أن «الثقافة لم تدرج كأولوية وطنية» بدليل ضعف الميزانية المخصصة لها، بالرغم من وفرة التفكير المؤسساتي الذي يتناول بالبحث إشكالياتها في السنوات الأخيرة..
والمسلمة الرابعة هي أن الجهوية ما زالت في مرحلة تأسيسية، وهو ما أثِّر في التجارب المعاشة في الفترة السابقة. .
لماذا هذه المقدمات ؟
هذه المقدمات ضرورية لوضع الجهوية والمسألة الثقافية لم تدرج بعد كأولوية وطنية، في سياقها الوطني العام، ثم تقييم أدوارها من خلال النصوص المنظمة للفعل الثقافي.. وعليه يكون على الاتحاد أن يترافع ويحلل ويتابع الأبعاد الجهوية للثقافة أو الابعاد الثقافية للجهوية، مما يفسر أن عليه أن يعطي للتنظيم الجهوي كل الثقل في بيانه التنظيمي.وهوما يفسر أنه علينا أن نفكر في تغذية المكون الثقافي في بناء الجهة وتكييف المنظمة نفسها مع أدوارها الجهوية، كمخاطب لمؤسسات دستورية معنية بالمجال الثقافي والترافع من أجل تمكين الجهات من أدوارها الثقافية الضرورية.. عبر تحديد الأدوار المنوطة بالجهة، كمؤسسة منتخبة وليس كمؤسسات إدارية أو قطاعية، من ناحية ثانية..
وهوما يجعل المقاربة تخضع لامتحانين اثنين:
* الامتحان الأول يكمن في نص القانون المنظم للجهة، وهو القانون التنظيمي 14ـ 111.
فهو لا يذكر الثقافة سوى مرتين فقط ، ويحصر مهمة الجهة في جملتين( من 14 كلمة) فالثقافة، بالنسبة للجهة كما وردت في الفصل الأول المادة 82 تتحدد في اختصاصات ذاتية هي
1) الإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها.
‏2) تنظيم المهرجانات الثقافية والترفيهية….
وعليه يمكن أن نبادر، من الوهلة الأولى إلى تسجيل أن الثراء الثقافي في الدستور وأهمية الثقافة فيه لم ينتقلا الى نص القانون التنظيمي الخاص بالجهة الذي كان «بخيلا» للغاية في المهام المنوطة بها في ما يرتبط بالعلاقة بين الثقافة والتنمية!
* الامتحان الثاني يكمن في الثقافة في المخطط الجهوي للتنمية PDR وهنا لا يتم الحديث عن الثقافة ككيان قائم الذات، بل تم دمجها في قطب أوسع هو الجاذبية الاجتماعية ..!
وسيكون على الاتحاد الترافع من أجل:
3 ـ بناء دعم تشييد دور الثقافة
4ـ المساهمة في بناء فضاءات الذاكرة التاريخية
5ـ الجوائز الجهوية للأدب في إطار دعم القراءة… وتحويل أماكن العيش والفعل الثقافي، (سينما، مسارح، مرافق عمومية، خزانات …)، لتكون خاضعة لـ»براديغم تدبيري» مرن لإدماج الشباب عن طريق الثقافة
– تمنيع الجهة حتى لا تضيع الكثير من تراثها الثقافي بسبب غياب مؤسسات وبنيات تنقل الثقافة الجهوية إلى الأجيال الصاعدة والى كافة المعنيين أو الفضوليين الشغوفين بها.
ـ تنظيم الحوارات المدنية الثقافية، بشراكات مدنية بمشاركة الجامعيين والمسرحيين والنشطاء في المجتمع المدني والسينمائيين والكتاب والمثقفين ..
هذا الحوار يسمح بوضع معالم سياسة ثقافية جهوية من أولوياتها:
* ضرورة إنشاء مرصد جهوي للتنمية الثقافية، يهتم بإصدار تقرير سنوي يخص الإنتاج والفعل الثقافيين..
* إنشاء آلية مستقلة للتنمية الثقافية قد يكون عبارة عن قطب تنسيقي بين القطاعات الجهوية ذات الصلة بالقطاع.
– إعداد اتفاقيات بين الجهات والدولة لخلق فضاءات خاصة بالقراءة…علاوة على خلق «مكتب للقراءة العمومية» لخلق سياسة مرتكزة على بناء تعاقدات وعقود للقراءة في المجالات الترابية….

3 ـ دار الفكر:

ظل مطلب تأسيس مقر يليق بالمكانة الاعتبارية لاتحاد كتاب المغرب، كمؤسسة ثقافية وطنية، مطلبا عبر عنه كل الرؤساء السابقين للاتحاد كما المثقفون، بعد أن حقق الاتحاد مطلبه بتخويله صفة المنفعة العامة في 1996أي بعد35 سنة على تأسيسه. وقد قوبلت الاستجابة الملكية للملك محمد السادس مع مطلب تخصيص مقر للاتحاد في 2017 باستحسان كبير من الكتاب والكاتبات المغاربة، لما لهذه الخطوة من رمزية دالة واعتراف بمكانة هذا الصرح الثقافي الذي ساهم منذ 1960 في إثراء وتثوير الممارسة الثقافية وارتباطها بحاضنتها المجتمعية، واجتراح الأجوبة والبدائل عن أزمنة الاستعصاء وأسئلة الواقع المتحولة. وقد قرئت هذه الالتفاتة، لحظتها، كبداية تدشين عهد جديد بين الدولة والمثقفين بعد سنوات من الاحتقان.
اليوم وقد صار الحلم حقيقة، وطال انتظار تدشين « دار الفكر» بما تحمله من رمزية تاريخية تحيل على زمن الرواد المؤسسين، يحق لنا التساؤل: أين هو اتحاد الكتاب الفاعل الذي سيدبر شؤون هذه الدار في ظل هذه الأزمة المصطنعة؟ وماهي الأدوار الموكولة لهذه المعلمة إن لم تكن رفع رهانات ثقافية وطنية تساهم كقوة اقتراحية في تحديد السياسات الثقافية العمومية وبلورة المشاريع الثقافية الكبرى؟
وإذ يثمن الكتاب والكاتبات والمثقفون والمثقفات المغاربة، عاليا، هذا المنجز الذي تفضل به ملك البلاد محمد السادس، وسهر عبره على الاستجابة لأفق انتظار ومطلب قديم للاتحاد، يعتبرون أن دار الفكر مرتبطة بعقد ميلاد وطني، يندرج في ما يختاره جلالته لمكانة المثقفين في النسيج الوطني ولمن يختاره في تدبير وتسيير مرافق الدار.
وعليه، تحتاج دار الفكر لوحدها الى وقفة تأمل،لما عليها من رهانات في توظيب الفضاء الثقافي المعد لاحتضان هذا المجهود، والمساهمة في بلورة حركية ثقافية بايقاع رفيع.
* من أدوارها القريبة من المثاقفة الايجابية، إنجاح شروع مأسسة سياسة وطنية للترجمة ، سواء التي تغدي الحقل الوطني أو التي تنطلق منه الى رحاب العالم الواسع..
* تنظيم متحف الكتاب المغاربة، على شكل مقتنيات تخصهم، الأحياء منهم والأموات، مع الاستئناس بتجارب دولية في هذا المجال (بيشماركينغ)، وهي التفاف لتكريس الحضور المادي المنطقي للكتاب، عبر مقتنياتهم الذاتية أو أدوات الاستعمال اليومي التي اشتهروا بها ( معاطف، أقلام، غالونات،إشارات رسمية، قبعات، … وغير ذلك من آثار الهوية الخاصة بيومي الكاتب).
* اقتراح تخصيص دور لإقامة ضيوف الاتحاد وضيوف المغرب من كبار الكتاب وزوار بلادنا، تكون في المستوى المطلوب، وتوفر أسباب الراحة والخلوة، كما يجد فيها الكتاب أسباب العيش المريح وظروف استقبال زواره.

4- الديبلوماسية الثقافية..

راكم اتحاد كتاب المغرب تاريخا قويا وطويلا من العلاقات، مع منظمات شبيهة، صديقة وشقيقة، لعل أهمها الاتحاد العام للكتاب العرب، وهي علاقة كما نعرف توجد في نقطة الصفر بعد تعليق عضوية الاتحاد في المنظمة العربية.
وبدون الدخول في حيثيات الحالة الراهنة، يمكن القول بأن ما راكمه الاتحاد من تاريخ، مُعرض – في حالة استمر الوضع على ما هو عليه- لحالة جمود وتآكل تفضي إلى غياب مطلق عن الساحة العربية.
كما أن الاتحاد الذي ربطته في العقود الأخيرة علاقات واتفاقيات شراكات مع دول عديدة، لم يستطع تحويل هذا المنحى الى ثابت ديبلوماسي يمكنه من ربط علاقات تأثير وتأثر ثابتة مع القارات، ولاسيما إفريقيا وآسيا، حيث ما زالت المنظمات المُهيْكلة لدينامية الكتاب موجودة وذات تأثير لا يستهان به.
ولقد كانت الديبلومساية الثقافية لا تكتفي بالطابع المنبري، بل رافعت عن أوضاع الكتاب، وعن حرية الرأي والتعبير وعن حرية الكتابة والوضع الاعتباري للكاتب، مما جعل الإتحاد حاملا تنويريا لمثل هذه القضايا، واليوم صار من واجب المثقفين والكتاب أن تلعب الثقافة ، وفي قلبها الاتحاد، دورا مركزيا في تقوية التوجه الحداثي في البلاد، وربط العلاقة مع القوى الحاملة للمشروع ذاته، بالاضافة الى الترافع عن القضايا الوطنية المركزية، وتمنيع الوعي الوطني في ظروف تعرف التوظيف الثقافي غير البريء في الصراع الدولي.
ويمكن القول بأن الدولة استطاعت تقوية أذرعها الديبلوماسية كلها، بما فيها التقليدية والروحية والأمنية والاقتصادية، وما زال المجتمع في عتباته الأولى من ناحية تطوير ديبلوماسية ثقافية قوية تسند المغرب، ككيان ودولة، في اتحاد له مكانته اللائقة في محفل الدول وفي السوق الدولية للقيم …
وعليه، فإن اتحاد كتاب المغرب لا يمكن أن يعفي نفسه من سؤال الديبلوماسية الثقافية، بوضع تصور جدي ومسؤول، وموارد لكي تنتقل المنظمة من الأنشطة العابرة والمحدودة إلى توفير أرضية صلبة لديبلوماسية ثقافية تتقاطع فيها المسار ات الرسمية مع المسارات المجتمعية والشعبية، ممثلة في الاتحاد وفي النسيج الثقافي المغربي برمته.
ـ بذل مجهود خاص، يسلط الضوء على تقاطع التاريخ الخاص بالعلاقة بين المغرب والدول التي يربطه بها تاريخ من الديبلوماسية، ثقافية كانت أو روحية وتاريخية، والتاريخ الثقافي لبلادنا بكل مكوناته وتشعباته، الأندلسية والإفريقية والعربية وغيرها… مع تاريخ الكتاب ومن كل الأجناس والمراحل.
ـ يتطلب ذلك خلق دوائر عمل بناء على التواجد القاري للكتاب في مرحلة أولى، ثم توسيعه ليشمل عملية تعريف واسعة وأنشطة موازية مستمرة..
وعليه يكون من المفيد خلق دوائر للديبلوماسية الثقافية:
ـ الدائرة الفرنسية لاتحاد كتاب وتشمل كل الذين ينتجون بالفرنسية أو يكتبون بها أو يترجمونها الخ
ـ الدائرة الإسبانية لاتحاد كتاب وعلى منوال ماسبق ، كما هو الحال بالنسبة للانجليزية والصينية، التي بدأت تعرف حضورها الرسمي في الفضاء المغربي، علاوة على ترجمة مضطردة للكتاب المغربي الى الصينية..
-الاستفادة من التاريخ الشخصي للكاتب المغربي، ولاسيما الذين مارسوا الديبلوماسية الرسمية، وهم كثر في تاريخ الثقافة المغربية ـ علي أومليل، عبد القادر الشاوي، حسن طارق، محمد محمد الخطابي ….) أو الذين تحولوا الى الكتابة بعد تجربة ديبلوماسية.

5- اقتراحات في الشق التنظيمي

إن تجديد أساليب العمل الثقافي اليوم يقتضي إعادة النظر في قوانين الاتحاد حتى يكون في مستوى الاستجابة للطّلب الثقافي الذي تحتاجه بلادنا اليوم. وفي هذا الشّأن، نلاحظُ جميعاً أنّ قوانين الاتحاد (القانون الأساسي والقانون الداخلي) ظلت تشكو من عامليْن سلبيين هما:
انعدام ملاءمتها القانونية والدستورية.
العمل بالفروع بالصيغة التقليدية، وعدم مسايرة التقطيعات الجغرافية لبلادنا.
ومن ثمّ، فإنّ هناك مُقترحات أساسية تتعلّق بتجويد القانون الأساسي. وتهم هذه المقترحات ملاءمة هذا القانون مع المستجدات الدستورية في المجال اللغوي والمناصفة والجهوية (اقتراح تعديل وإغناء أهداف الاتحاد بإدراج أهداف من قَبيل:
يهدفُ الاتحاد إلى المساهمة الفاعلة في الدّفاعِ عن حرّيّة الرّأي والفكر، وفي خلق ثقافة وطنية وترسيخ قيم الحداثة والحرية والتنوير والتعددية الثقافية واللغوية.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، تقوم الجمعية بما يلي:
أولا: العمل على ترسيخ دور اتحاد كتاب المغرب بصفته إطارا يوحّد جهود الكتاب المغاربة، ويلتزم بالدفاع عن حقوقهم الاعتبارية والمادية؛
– المساهمة في نشر الكتاب المغربي والتعريف به؛
-الدفاع عن حقّ الرعاية الصحية والاجتماعية للكتاب والأدباء المغاربة.
– ضمان حقّ التفرغ لأعضاء اتحاد كتاب المغرب لإنجاز مشاريعهم الفكرية في مجالي البحث والإبداع، بما ينسجم مع أهداف وتوجهاته؛
– ربط وتوثيق علاقات التعاون الثقافي مع الجمعيات الوطنية والاتحادات العربيـة والدولية ذات الأهـداف المشتركـة أو المماثلة. ويمكن للاتحاد أنْ ينضمّ إلى إطارٍ داخلَ الوَطَن أو هيئة ذات الاهتمام المُشترك.
كما تهمّ المقترحات اعتماد فروع جهوية للاتحاد في المدن الرئيسية التي تتواجد فيها المقرات الإدارية للجهات، بينما تظلّ باقي فروع الجهة تابعة للفرع الجهوي، وذلك من خلال قانون داخلي يتمّ إعداده جهويا في هذا الإطار. وهذا يسير بطبيعة الحال في سياق منح استقلالية نسبية في التسيير والتنشيط للفروع الجهوية.

6- البرنامج المرحلي:

* الشروع في إعداد شروط عقد المؤتمر الوطني القادم بما يتيحه المقرر التنظيمي للمنظمة، وبما تسمح به الشروط الحالية داخلها، وذلك بالتشاور حول أفضل السبل الانتقالية للدخول في دينامية البناء.
* عقد المؤتمر في يوم واحد، تنبثق عنه الأجهزة الوطنية، الرئيس والمكتب التنفيذي.
* انتخاب الأجهزة الجهوية من داخل المؤتمر الوطني، لتشرع بعده مباشرة، وربحا للوقت والجهد، في تنظيم ذاتها جهويا..
* عقد ندوة وطنية كبرى حول الثقافة الوطنية في ظل التحولات العالمية الكبرى تحتضنها عيون الساقية الحمراء، بحضور عربي وإفريقي مشرف تسهر عليه الاجهزة المنتخبة وطنيا وجهويا، وبتنسيق مع كافة الأطراف المتدخلة في المجال…( الوزارة الوصية، أكاديمية المملكة، الارشيف الوطني… والهيئات المنتخبة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية …).


بتاريخ : 03/03/2023