أسامة الزكاري: الدرس الأكاديمي لم ينصف منطقة الشمال المدرسة التاريخية الوطنية استفادت من تراكم الكتابة التاريخية قبل الاستقلال

استضاف الزميل الإعلامي عبد الإله التهاني في حلقة السبت 31 أكتوبر المنصرم، من برنامجه الثقافي «مدارات»، الباحث المتخصص في تاريخ المغرب، وبشكل خاص بتاريخ منطقة الشمال وأعلامه من مختلف المشارب، الأستاذ أسامة الزكاري الذي ساهم في النبش عن تاريخ هذه المنطقة والذي كان بعضه مركونا تحت الظل رغم بعد المنطقة الحضاري وتراثها الرمزي والثقافي المشع، وهي المساهمة التي تظهر من خلال منجزه من   الدراسات البيبلوغرافية والمونوغرافية حول المنطقة وأعلامها.

حفيظة الفارسي

إن اهتمام الباحث أسامة الزكاري وتركيزه على البحث في التراث الفكري والسياسي والحضاري لمنطقة الشمال، لم يكن وليد الصدفة بقدر ما تحكمت فيه العديد من العوامل الذاتية والموضوعية، والمرتبط أولها بانتمائه إلى هذا الفضاء الجغرافي وبالضبط مدينة أصيلة ببعدها الحضاري الواسع وتراثها الرمزي، فيما تحكم في توجهه هذا، أيضا، اهتمامه بالدرس الأكاديمي وانفتاحه على الكتابة التاريخية من خلال الاحتكاك بالصحافة ومعايشة أسماء وازنة في الكتابة التاريخية ما خلق لديه استفزازا علميا، خاصة في فترة تميزت فيها الدراسات الاكاديمية بالنزوع نحو التركيز على البعد المونوغرافي في الدراسات من أجل إعادة كتابة التاريخ وفق منطلقات علمية، وهو ما كانت الجامعة تشجع عليه بالعودة إلى البحث المونوغرافي المحلي للانطلاق نحو الوطني كما أسست لذلك أطروحة جرمان عياش مثلا.
التركيز على البعد المونوغرافي والذي اتجه الى الاهتمام به الباحث أسامة الزكاري، أملته كذلك الرغبة في تكسير ثنائية الهامش والمركز التي جعلت الكتابات التاريخية الكلاسيكية تركز على المدن الكبرى، مقصية بذلك جزءا مهما من جغرافيا الهامش. هذه الثنائية غير المنصفة، أفرزت توجها جديدا في الجامعة المغربية نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، وهو التوجه الذي يربطه الزكاري بأطروحة الاستاذ أحمد التوفيق التي شكلت انعطافة منهجية في البحث التاريخي المغربي لتدارك الحيف الذي لحق منطقة الشمال والأقاصي والمناطق النائية قبل أن تتلوها أعمال كل من الباحثين حسن الفكيكي، علي المحمدي.
ويميز الزكاري في الكتابات التاريخية بين كتابات فترة الاستعمار، مقدما المثال بأكبر عمل مونوغرافي خاص بتطوان «تاريخ تطوان» والذي أنجزه المؤرخ محمد داوود، وبين كتابات ما بعد الاستقلال، والتي استفادت من التراكم الذي حققته الكتابة التاريخية في الفترة الاستعمارية على مستوى التراث والتطور العلمي أو ما يسمى المدرسة التاريخية الوطنية. ولم يفت ضيف «مدارات» الاشادة بأعمال كل من المؤرخين محمد حكيم عزوز وعبد العزيز خلوق التمسماني، على مستوى الاصدارات أو الابحاث العلمية وكذا العمل الصحفي من خلال إصدارهما لمجلات «دار النيابة «و»الوثائق الوطنية»..

الدرس الأكاديمي لم ينصف منطقة الشمال

في حديثه إن مشروعه حول اعداد موسوعة مونوغرافية حول تاريخ منطقة الشمال، والذي يوثق لكل الدراسات والكتابات التي تناولت المنطقة كموضوع، أكد الزكاري أن هذا العمل يسعى الى تجميع الرصيد التاريخي لمنطقة لها خصوبتها التاريخية والتي لم تستثمر بالشكل المطلوب، مؤكدا أن الدرس الاكاديمي لم ينصف هذه المنطقة. وربط الباحث رغبته في إخراج المخطوطات التي لم تر النور للوجود بقناعته بأن من صعوبات البحث التاريخي يظل الوصول الى المادة المصدرية هو العائق، حيث تعمل هذه الموسوعة على توفير هذه المادة بثلاث لغات العربية والاسبانية والفرنسية، خاصة أن المصادر الإسبانية في هذا الباب غزيرة وفي مختلف المراحل لأن الجامعة الاسبانية اهتمت بالدراسات المغربية والاسبانية حول الشمال على الرغم مما يشوب الكتابات الاسبانية من خلفيات كولونيالية، لكنها تبقى مادة مصدرية غنية لا يمكن القفز عليها ، بالاضافة الى وجود أرصدة وثائقية في شمال المغرب وإسبانيا وتتعلق بوثائق حزب الاصلاح الوطني وحزب الوحدة ووثائق بعض هيئات المجتمع المدني خلال فترة الاستعمار.
وإذا كانت ندرة المادة الخبرية قد دفعته الى الاهتمام بتاريخ منطقة الشمال، فإن اهتمامه بإنجاز كتاب حول تاريخ مدينته أصيلة « أصيلة : دراسات ببلوغرافية تصنيفية» أملته نفس الأسباب من قلة المادة النظرية إلى الدراسات المتفرقة، مؤكدا تفاجؤه بالكم الهائل من الكتابات البرتغالية حول المدينة خاصة في القرنين 15 و16، ما جعله يميز في تصنيف مادته العلمية بين فترات التاريخ القديم، الوسيط، الحديث ثم المعاصر حيث شهدت المدينة إشعاعا اقتصاديا وثقافيا في الفترة البرتغالية وتحولت الى عاصمة، ولو لفترة وجيزة، قبل احتلالها من طرف الإسبان.
وأضاف الزكاري أن التوثيق لذاكرة الريف عموما يتطلب العودة لوثائق المؤرخين الإسبان وكتاباتهم، خاصة من اهتموا بالمشترك بين إسبانيا والمغرب بعيدا عن الخلفيات المحكومة بالهاجس الكولونيالي.

النخبة، الهوية، التعدد

يعتبر الباحث في التاريخ المعاصر أن موضوع النخبة أثار جدلا واسعا بين الباحثين في التاريخ بعد تداوله إعلاميا لفترة طويلة، ليخترق أسوار الجامعة المغربية التي بدأت الاشتغال على المفهوم في الأطروحات الجمعية، مؤكدا أن التأريخ للدولة (الاقليم والمركز) لا يستقيم إلا بتفكيك بنياتها ومؤسساتها، وطبيعة مهام ووظائف وتركيبة هذا البنيات، خاصة الإثنية والتي عكست في كل مراحل الدولة المغربية قيم التسامح، وهو ما تجلى واضحا على مستوى الادارة المركزية. هذا التجانس بين الأعراق والإثنيات حاولت الادارة الاستعمارية اختراقه عبر إحداث شرخ في نسيجه المجتمعي، بالانتصار للفرد الهوياتي، إلا أن النخبة المغربية ظلت منتظمة داخل نسق موحد ما أفشل هذه المحاولات، وهو ما جعل أنتروبولوجيا وإثنولوجيا كبيرا بحجم روبير مونتاني يقر بأن التعدد المغربي حقيقة قائمة، رغم كتاباته وأبحاثه التي كانت تروم إبراز التناقض الهوياتي داخل مغرب ما قبل الاستقلال، والتمييز داخله بين بنية أصيلة وأخرى دخيلة.

الذاكرة التاريخية والذاكرة الجماعية

إذا كانت الذاكرة الجماعية تتأسس على مجموع التراكمات والمرويات ،وتتدخل فيها العواطف كما قد تتسلل إليها النرجسيات بعيدا عن صرامة التعاطي العلمي، فإن الكتابة عنها قد تتجاور فيها التعبيرات غير المتجانسة حول الواقع والتاريخ وهو ما قد نجده في السير الذاتية لرجال الحركة الوطنية، ولهذا فإن الكتابة التاريخية تروم تفكيك وإعادة تركيب أجزاء من تاريخ المغرب من أجل حفظ هذه الذاكرة التاريخية مادامت الذاكرة الوطنية التحررية غير موثقة وتظل محفوظة في ذاكرة صانعي هذا التاريخ.
ومن أجل حفظ هذه الذاكرة من الضياع، كان توجه الباحث لتجميع عناصر هذه الذاكرة مع ترك مهمة غربلة هذه المادة للمؤرخ الذي يمتلك من الأدوات ما يجعله ينتقي السليم منها، وضمن هذا السياق كان عمله واشتغاله على الذاكرة من خلال «مذكرات الهاشمي الطود:خيار الكفاح المسلح»، و»عبد القادر تاج الدين: مسيرة وطني أصيل».
اللقاء تطرق أيضا لاهتمام الباحث في التاريخ المعاصر، بمجال الأدب من خلال توثيقه لحياة ومسار الكاتب أحمد عبد السلام البقالي الذي اعتبره الزكاري «ذاكرة الابداع المغربي» لطاقته الهائلة في كل فنون الإبداع من شعر وقصة مسرح ورواية ، ولانفتاحه على كل الثقافات.


بتاريخ : 03/11/2020