الدلالات التاريخية لزيارة بطل الاستقلال لمدينة امحاميد الغزلان سنة 1958
يخلـد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير يوم السبت 25 فبراير 2023 الذكرى 65 للزيارة التاريخية التي قام بها بطـل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس طيب لله ثراه لمحاميد الغزلان بإقليم زاكورة يوم 25 فبراير 1958، حيث استقبل رضوان لله عليه وجهاء وشيوخ وممثلي القبائل الصحراوية لتجديد البيعة والولاء، وجسد في خطابه التاريخي بالمناسبة مواقف المغرب ومواصلة نضاله من أجل استكمال وحدته الترابية.
لقد كانت الزيارة الملكية الميمونة تعبيرا واضحا وقويا عن عزم الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد على استكمال استقلاله، وحرصه على المضي قدما لاسترجاع أراضيه المغتصبة.
وهذا مـا أكده بشكـل صريح بطـل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس تغمده لله بواســع رحمتــه في خطابـه السامي إلى سكــان محاميـد الغزلان ومن خلالهم إلى الشعب المغربي والعالم أجمع حيث قال: «…سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا، وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان، وهكذا نحافظ على الأمانة التي أخذنا على أنفسنا بتأديتها كاملة غير ناقصة..».
وقـد كشف وارث سـره ورفيقه فـي الكفاح والمنفى، جلالة المغفور له الحسن الثاني عند زيارته الميمونة لمحاميد الغزلان يوم 11 ابريل 1981، في خطابه السامي بالمناسبة عن المضامين السياسية لزيارة والده المنعم، وعن الدلالات التاريخية العميقة التي يرمز إليها هذا الحدث الوطني المجيد، حيث قال جلالته رضوان لله عليه مخاطبا سكان محاميد الغزلان: «..إن الذاكرة ترجع بنا إلى الوراء، ترجع بنا إلى سنة 1958 حينما زاركم والدنا المنعم محمد الخامس، وإننا لنذكر تلك الزيارة باعتزاز وتأثر، نذكرها باعتزاز، لأن من هنا انطلق صوته رحمة لله عليه مطالبا باسترجاع الأراضي المغربية حتى تتم الوحدة الوطنية، ونذكرها بتأثر لأنها لم تكن صيحة في واد بل كانت نداء وجد أعظم صدى، وكان درسا في السياسة والصبر والمصابرة، ها نحن اليوم نجني ثماره».
لقـد أعلن جلالـة المغفور لـه محمد الخامـس فور عودتـه مظفرا منصورا من المنفى السحيق إلى أرض الوطن، يوم 16 نونبر 1955 حاملا إلى الشعب المغربي الأبي بشرى الحرية والاستقلال، حرصه على إعادة بناء الكيان الوطني على أسس الاندماج بين مناطقه وأقاليمه وتحطيم الحدود الوهمية المصطنعة الموروثة عن العهد الاستعماري. فقبل أيام من زيارته لربوع ورزازات وزاكورة، ألقى جلالته رحمه لله خطابا بعرباوة يوم 16 فبراير 1958 جاء فيه: «…وان مجيئنا الرمزي إلى هذا المكان ليؤذن بأنه لن يبقى بعده شمال وجنوب إلا في الاصطلاح الجغرافي العادي وسيكون هناك فقط المغرب الموحد…».
وبقدر ما كانت هذه الزيارة الملكية الميمونة تجسيدا للعلاقات القائمة على امتداد قرون بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الأبي، بقدر ما كانت تأكيدا وتثمينا لنضال وإصرار أبناء المناطق الجنوبية من اجل التحرير والوحدة الترابية والوطنية. لقد أظهر أبناء الأقاليم الجنوبية تمسكا قويا وراسخا بدينهم ووطنهم وملكهم، كما ابدوا اعتزازا عميقا بانتمائهم إلى ملاحم النضال التاريخي الذي جمع سكان الصحراء بإخوانهم في سائر مناطق البلاد خلال فترات تاريخية ونضالية ووحدوية في مواجهة الاحتلال الأجنبي.
وتظل المعارك البطولية التي خاضها جيش التحرير بالجنوب المغربي، الذي شكل أبناء الأقاليم الصحراوية عموده الفقري، منقوشة في السجل التاريخي لهذه الأمة بمداد الفخر والاعتزاز، وهي المعارك التي برهنت فيها ساكنة هذه الربوع الأبية من الوطن عن قدرة فائقة على الجهاد والتضحية والفداء، مكرسين بذلك تقاليد الكفاح الوطني التي أسسها أسلافهم عبر الحقب والعصور، والتي لم تكن ملحمة معارك بوغافر بجبل صاغرو سنة 1933 إلا واحدة منها.
نعم، لقد جنى المغرب ثمار كفاحه المستميت والموصول حيث تم استرجاع مدينة طرفاية في 15 أبريل سنة 1958، ومدينة سيدي ايفني في 30 يونيو 1969، بفضل السياسة الحكيمة التي نهجها فقيد الأمة، جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب لله مثواه الذي عمل جاهدا من اجل توحيد البلاد وتخليص مناطقها الجنوبية من الوجود الأجنبي. وقد مكنته عبقريته الفذة وحنكته السياسية من تحقيق الهدف بفضل المسيرة الخضراء المظفرة التي أعلن عنها يوم 16 أكتوبر 1975، داعيا شعبه الوفي للتوجه إلى الصحراء المغربية في مسيرة شعبية سلمية سلاحها القرآن لاسترجاع الحق المسلوب ولصلة الرحم بإخواننا وأبناء عمومتنا حيث كان في مقدمة طلائع المتطوعين أبناء الأقاليم الجنوبية وضمنهم أبناء منطقة محاميد الغزلان وإقليم زاكورة المجاهد. وهكذا، كانت المسيرة الخضراء تجسيدا فعليا لمضامين الخطاب السامي الذي وجهه بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس طيب لله ثراه إلى ساكنة محاميد الغزلان ومحطة بارزة في مسار استكمال الوحدة الترابية.
وعلى هذا النهج الثابت، يواصل صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه لله ملحمة الدفاع عن الوحدة الترابية وصيانتها وتثبيت مغربية الأقاليم الصحراوية التي كانت وستظل جزءا لا يتجزأ من أركان الوطن في ظل السيادة الوطنية.
وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تستحضر بفخر وإكبار هذه الملحمة التاريخية الغنية بالدروس والعبر والطافحة بالمعاني والقيم، تجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية ومغربية الأقاليم الصحراوية المسترجعة، وتؤكد وقوفها ضد مناورات خصوم وحدتنا الترابية ومخططات المتربصين بسيادة المغرب على كامل ترابه المقدس الذي لا تنازل ولا مساومة في شبر منه. وستظل بلادنا متمسكة بروابط الإخاء والتعاون وحسن الجوار ، إيمانا منها بضرورة إيجاد حل سلمي واقعي ومتفاوض عليه لإنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية. وفي هذا النطاق، تندرج مبادرة منح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية في ظل السيادة المغربية.
وهو ما أكده جلالة الملك محمد السادس حفظه لله في خطابه السامي يوم 6 نونبر2022 بمناسبة الذكرى 47 للمسيرة الخضراء المظفرة حيث قال جلالته: «يأتي تخليد الذكرى السابعة والأربعين للمسيرة الخضراء، في مرحلة حاسمة، في مسار ترسيخ مغربية الصحراء.
وإذا كانت هذه الملحمة الخالدة، قد مكنت من تحرير الأرض، فإن المسيرات المتواصلة التي نقودها، تهدف إلى تكريم المواطن المغربي، خاصة في هذه المناطق العزيزة علينا.
ومن هنا، فإن توجهنا في الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة».
ويضيف جلالته: «لقد شكلت الصحراء المغربية، عبر التاريخ، صلة وصل إنسانية وروحية وحضارية واقتصادية، بين المغرب وعمقه الإفريقي.
وإننا نسعى، من خلال العمل التنموي الذي نقوم به، إلى ترسيخ هذا الدور التاريخي، وجعله أكثر انفتاحا على المستقبل.
وهو توجه ينسجم مع طبيعة العلاقات المتميزة، التي تجمع المغرب، بدول قارتنا الإفريقية، والتي نحرص على تعزيزها، بما يخدم المصالح المشتركة لشعوبنا الشقيقة.
إن الوفاء لروح المسيرة الخضراء، ولقسمها الخالد، يتطلب مواصلة التعبئة واليقظة، من أجل الدفاع عن وحدة الوطن، وتعزيز تقدمه وارتباطه بعمقه الإفريقي.ّ
واحتفاء بهاتين المناسبتين المجيدتين، تنظم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير يوم السبت 25 فبراير 2023 على الساعة الحادية عشرة صباحا بزاكورة مهرجانا خطابيا يتضمن كلمات الإشادة بهاتين المحطتين البارزتين في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وتكريم صفوة من أسرة المقاومة وجيش التحرير بالإقليم، وكذا توزيع إعانات مالية على عدد من أفراد هذه الفئة المجاهدة الجديرة بموصول الرعاية والعناية.