أسلمة المغرب .. حسب ما قيل 26: محمد ابن الفتح سني على مذهب المالكية

منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.

 

3 ـ إمارة سجلماسة

وهي الإمارة المنزوية في صحراء المغرب الشرقية، وكانت ملجأ للهرب من الصراع الداخلي الأندلسي للانتجاع في هذه الأرض . وكما ترى بعض المصادر ، فقد كان فيهم أبو القاسم سمجو بن واسول المكناسي .. أبو اليسع.
وجدّ مدراركان صاحب ماشية ، و كثيرا ما ينتجع موضع سجلماسة. فاجتمع إليه قوم .. فلما بلغوا أربعين رجلا قدموا عليهم عيسى بن مزيد الأسود و ولّوه أمرهم، وشرعوا في بناء سجلماسة سنة 140 هـ .
يقول البكري: « … وبعمارتها خلت مدينة ترغة و بينهما يومان، وبعمارتها خلت زيز أيضا. ومدينة سجلماسة مدينة سهلية، أرضها سبخة حولها أرباض كثيرة و فيها دور رفيعة ..وسورها أسفله مبني بالحجارة و أعلاه بالطوب ، بناه اليسع أبو منصور ابن أبي القاسم من ماله (يقصد الخاص)، وكان بناؤه سنة 199، وارتحل إليها سنة 200 ، وقسمها على القبائل … وبها..و هم بنو مسّوفة من صنهاجة .. وملَك بنو مدرار سجلماسة 160 سنة . وكان فيها أبو القاسم سمجو بن واسول المكناسي. . أبو اليسع المذكور. وجدّ مدرار لقي بأفريقية عكرمة مولى ابن عباس و سمع منه ، وكان صاحب ماشية و ، وكثيرا ما ينتجع موضع سجلماسة .. فاجتمع إليه قوم من الصفرية ..»
وذكرت مصادر أخرى أن مدرارا كان حدادا من ربضية الأندلس، و خرج عند وقعة المربض و نزل منزلا قرب سجلماسة. ويبدو أنها هجرة من فتنة لشخص يريد أن يفر بدينه كما جاء في الحديث الشريف «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن».
نزل بذلك الموضع وبنى فيه خيمة وسكنها، وجاء البربر وسكنوا حوله. فكان ذلك أصل عمارتها . وأول من وليها عيسى بن مزيد مدة 15 عاما، كما يقول البكري: «.. ثم أنكر أصحابه الصفرية عليه أشياء. فقال أبو الحطاب يوما لأصحابه في مجلس عيسى : السودان كلهم سرّاق، حتى هذا و أشار إلى عيسى .. ثم ولوا أبا القاسم سمغو بن (نزول) بن مزلان المكناسي ، فلم يزل واليا عليهم إلى أن مات فجأة في آخر سجدة من صلاة العشاء سنة 168 هـ و كانت ولايته 13 سنة .
ووليها ابنه أبو الوزير إلياس ابن أبي القاسم، إلى أن قام عليه أخوه أبو المنتصر اليسع فخلعه سنة 174 هـ فولي أبو المنتصر و كان جبارا عنيدا فظا غليظا، فظفر بمن عانده من البربر، وأخذ خمس معادن درعة، وأظهر الصفرية، وبنى سور سجلماسة على ما تقدم . وتوفي سنة 208 هـ .
وولي ابنه مدرار المنتصر بن اليسع (و مدرار لقب)، فلم يزل واليا إلى أن اختلف الأمر بين ولديه ميمون (المعروف بابن أروى بنت عبدالرحمن بن رستم)، وابنه (الآخر) ميمون أيضا (المعروف بابن ثقية) فتنازعا الأمر بينهما، وتقاتلا ثلاثة أعوام، ومال مدرار مع ابن الرستمية. فأخرج ميمون بن ثقية من سجلماسة وولى ابن الرستمية ..»
لقد خلع ابن الرستمية أباه بعد هذا، مما دفع أهالي سجلماسة الذين تم استفزازهم أن يلجؤوا لابن ثقية الذي رفض التواطؤ معهم ضد رغبة والده . فاستعادوا مدرارا الذي استدعى ابن الرستمية المخلوع. مما أغضب أهل سجلماسة .
ويقول البكري: «.. فحاصروا مدرارا، و خلعوه ، وقدموا ابنه (ابن ثقية) وهو المعروف بالأمير ، فلم يزل عليهم واليا إلى أن مات سنة 263 هـ .. وفي إمارته، مات مدرار أبوه مخلوعا».
« ووليها محمد بن ميمون الأمير إلى أن توفي سنة 270 هـ .. فوليها اليسع ابن المنتصر ابن أبي القاسم إلى أن فرّ عنها لما تغلّب عليها أبو عبد الله الشيعي سنة 297 هـ . وولى عليها الشيعيُّ إبراهيمَ بن غالب المزاتي ، فقتله أهل سجلماسة ومن كان معه من رجال الشيعي بعد خمسين يوما.
ووليها واسول ، وهو الفتح ابن الأمير ميمون .. وتوفي.. فوليها أخوه أحمد إلى أن حاصره فيها مصالة بن حبوس وافتتحها عنوة فقتله وذلك في المحرم سنة 309 هـ ، وولى مصالة أمرها المعتز بن محمد بن سارو بن مدرار إلى أن توفي سنة 321. ووليها ابنه أبو المنتصر سمغو بن محمد وهو ابن 13 سنة (وكانت) تدبر أمره جدته، فمكث كذلك شهرين .
وقام عليه ابن عمه محمد بن الفتح ابن الأمير، فحاربه و تغلب عليه و أخرجه ، فتملك سجلماسة. وكان محمد ابن الفتح سنيا على مذهب المالكية، يحسن السيرة و يظهر العدل إلا أنه تسمى بأمير المؤمنين .. وتلقب بالشاكر لله، وضربت بذلك الدراهم والدنانير، فمكث كذلك إلى أن قربت منه عساكر أبي تميم معد مع قائده جوهر الكاتب ، فخرج بماله وولده و خاصته وصار بتاسجدالت (تاسكدالت) وهو حصن منيع على اثني عشر ميلا من سجلماسة.
ودخل جوهر سجلماسة سنة 347 هـ ..»


الكاتب : عبد الله خليل

  

بتاريخ : 02/05/2022