أسلمة المغرب .. حسب ما قيل 29 : النخاسة الأوربية تحولت إلى أمريكا

1 ـ أسماء القبائل و مساكنهم

إن الصراع الأصل إذن هو صراع سياسي بغلاف ديني (بين الشيعة والأمويين و الأدارسة والخوارج الصفرية و الأزارقة) ووجدوا في قبائل البربرلشمال أفريقيا ذلك الحطب الذي تلتهب به نار الصراع حول المواقع .. لذلك كان من العادي جدا أن يصعد الملثمون من الجنوب أي من الصحراء، من أجل وضع حد لهذا الصراع و يجمعوا القبائل و يوحدوا الصفوف ، بل سيبنون مدينة جديدة ستكون رمزا تجمع شمل هذا المغرب الإسلامي. وسيؤسسون مدينة مراكش في وسط المغرب الأقصى، وسيسمى بها البلد ككل لتكون هي محور المملكة وسيرفعون سيوفهم في وجه تلك الممالك التي تشكلت من تونس إلى طنجة و من نهر السينغال إلى الأندلس لتصير أول الإمبراطوريات التي حكمت المغرب و بالتالي يبدأ تاريخ المنطقة .. وكان خليقا أن تبدأ المملكة وتاريخها الرسمي بصعود نجم الملثمين.
ومن جهة أخرى إذا حاولنا أن نعرف تلك القبائل التي كانت ترتاع في شمال أفريقيا منذ فجر التاريخ كما وصلتنا أخبارها ، سنجد ذلك مستحيلا أو شبه مستحيل ، ما لم نلجأ لقنوات أخرى غير الكتابة . وهذا راجع لكون الكتابات التاريخية المعتمدة (سواء الشرقية أو الغربية) تكتب ـ في أغلبها ـ حسب هواها، وحسب من تتشيع له من ثقافة ،ناهيك عن محاباة السلطات المركزية. هذا إذا لم نضف مرور الكتابات إلى لغات أخرى عبر الترجمات وانتقالها من ثقافة إلى أخرى.
وإذا ما نحن قرأنا ما كتبه الأوربي وجدناه يتحدث من موقعه، وحسب زاوية نظره وحسب ما قرأه من كتب قبل، ذلك أن الكتاب الأوربيين ـ مثلا ـ يعبرون في كتبهم عما وصلهم من أحداث فيكتبون عنها من وجهة نظرهم ومن ثقافتهم هم. إلا أنه وبحكم اختلاف الثقافة ستجدهم يشيرون إلى أشياء غفلت عنها كتابات أخرى أو على الأقل سيوجه قراءتنا لها وجهة مغايرة .
فهذا مرمول كاراباخ يتحدث عن البرتغال واكتشافاتهم الأولى لأفريقيا وكيف بدأت النخاسة الأوربية التي ستتحول إلى أمريكا فيما بعد ، بعد اكتشافها: «.. لقي هذان الفارسان تسعة عشر مغربيا مسلحين بالحراب والرماح وهاجموهما للقبض على أحدهم، إلا أن هؤلاء تصدوا لهما وأصابوا أحد الفارسين بجروح، فاضطر إلى الالتحاق بالمركب ..»
وبعد ذلك يقول: «.. وانطلقا من جزيرة لابالما (جزر كناريا)، فوصلا إلى الرأس الأبيض الواقع على بعد 300 فرسخ .. وفي هذه السنة وصل إلى جزر إركين قائد إحدى سفن الأمير المسمى كونزاليس دي سينترا فقتله مغاربة إقليم السوس الأقصى مع بعض رجاله..»
«.. بعد مرور عام على اكتشاف الرأس الأخضر، خلافا للقائلين إنه لم يكتشف إلا عام 1445 م من طرف ديونيزيو هرنانديز خادم الملك دون يوحنا الذي أسر أول زنوج سيقوا إلى البرتغال ..».
هكذا إذن سنجده يذكر بعض ما تم التغافل عنه في مصادر أخرى ويبرز لنا (ونحن فرحين بذلك) بعضا من أسماء ألفنا سماعها، ويتحدث بتفصيل وبإسهاب القبائل في شمال إفريقيا ـ كما ألفنا نطقها حاليا ـ والتي تسكن أقصاه ـ وهو ما يهمناـ وربما هذا عائد لقصر المسافة الزمنية التي تفصلنا عنه (ق 16 م). بالرغم من وجود أسماء أشخاص وأماكن لم تعد تذكر اليوم أو تم تحريفها. فمثلا، حين يحد سلسلة جبال الأطلس من جهة الغرب، يقول أنها تنتهي «.. في البحر المحيط الغربي قرب مدينة ماسة. ويطلق أهل البلاد اسم «آيداواكال» على هذه السلسلة، ويسميها بطليموس الأطلس الكبير، محددا موقعها في الدرجة ..». كما نجده يطلق اسم الأطلس الصغير (الموجودة أصلا جنوب السلسلة) على سلسلة جبال الريف (الموجودة في شمال المغرب الحالي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط). أو حين يتحدث عن أسماء لم تردنا من المصادر الأخرى، كقوله: « وإقليم مراكش قديما كان يسمى بوكانو إميرو، وكانت أغمات عاصمته قبل أن يؤسس اللمتونيون مراكش ..»
هكذا نجده يقسم هذه البلاد إلى أربعة أجزاء لأنه كما يقول: «.. هي أربع ممالك كبيرة تحتوي على أقاليم عديدة و مدن غنية جدا. وأول مملكة و أقصاها موقعا نحو الغرب هي مملكة مراكش، ثم مملكة فاس وكلاهما في موريتانيا الطنجية، وبعدهما في جهة الشرق، مملكة تلمسان في موريتانيا القيصرية. وأما مملكة تونس فهي أقصاها من جهة الشرق ..»
وبما أنه كتاب يمكن إدراجه ضمن الكتابات الاستعمارية فهو يتحدث عن الطرق و المسالك وعن الفصول والطقس ونسبة التساقطات والتضاريس والأنهار والوديان وما يصلح منها للملاحة، ومناطق الانتجاع و الحرث و الحيوانات والساكنة والإثنيات وعلاقتها بالنظام السياسي ونوعه. فمثلا يقول في الصفحة 44:
«وليس في سجلماسة إلا مدينة واحدة تحمل نفس الاسم وتحكم الإقليم كله. وفي الزاب أيضا خمس مدن أهمها بسكرة التي يحتلها الآن أتراك الجزائر، إذ استولى عليها حسن آغا أثناء حكمه ..»
هكذا سيحدثنا صاحبنا عن القبائل ـ كما ألفنا بعضها ـ وإن استغربنا لغياب هذه الأسماء في مصادر تاريخية قبله . بل سيزيد استغرابنا وهو يرى أن البربر مازالوا يحملون أسمائهم في شمال إفريقيا كلها: «..وهي: صنهاجة، مصمودة، زناتة، غمارة، وهوارة. ومنهم خرجت 600 سلالة من البربر، وإليهم يرجع أكبر أهل إفريقيا. عمروا في البداية الجزء الشرقي من بلاد البربر، ثم تفرقوا منه في مختلف الأماكن حتى أصبحوا قادة وأمراء أكبر قسم من أفريقيا و يسمون عامة برابرة لأن موطنهم الأول كان في بلاد البربر ، بينما الذين كانوا من قبل في موريتانيا و نوميديا وليبيا يسمون شلوحا ..»
دائما ـ وكما يرى كربخال ـ « تحتل مصمودة أقصى الجزء الغربي من موريتانيا الطنجية ويقطنون الأطلس الكبير من الرأس المسمى إداوكال المتوغل في المحيط إلى إقليم هسكورة دومنيط، بتلاله وسهوله من كل جهة على امتداد أربعة أقاليم هي: حاحا و سوس وجزولة ومراكش وكانت عاصمتها أغمات … ومازال لزناتة سكناها القديمة في سهول تامسنا التي هي آخر أقاليم مملكة فاس وأوغلها إلى جهة الغرب. وكانوا أكثر القبائل قوة، إلا أنهم فقدوا هذه القوة و يسمون الشاوية . و بقي بعضهم من الأبطال الشجعان مقيمين في جبال الأطلس الكبير المحاذية لولايتي فاس و تلمسان ، وهم في حرب دائمة ضد الأتراك الذين استولوا على هذه المملكة الأخيرة .. واختلط بقبيلة زناتة هذه ، قبيلة هوارة الخاضعة لها .

وتشغل صنهاجة من جبال برقة إلى جبال نفوسة وونشريس ، وبعضهم يرتحلون مع زناتة. وتستقر غمارة في جبال الأطلس الصغير (يقصد جبال الريف) الواقعة على ساحل البحر المتوسط ، وتشغل من حدود سبتة إلى ذلك الطرف من موريتانيا الطنجية الذي يتاخم موريتانيا القيصرية .
وحكم من بين هذه القبائل الخمس، زناتة ومصمودة وصنهاجة عبر مختلف الأزمنة بلاد البربر ونوميديا و ليبيا عند انحطاط امبراطورية العرب، إذ لم يكونوا خاضعين من قبل سوى للرؤساء أو الشيوخ بكل جماعة تسمى قبيلة بعدما هزموا في مختلف الأزمنة من طرف الشعوب الأجنبية ..
فخلال حكم آل إدريس مؤسس مدينة فاس ، اغتصب الحكم المكناسيون الزناتيون في الوقت الذي بدأ آل عبدالرحمن يحكمون إسبانيا (الأمويون، يقصد ربما عبدالرحمن الداخل) .
« .. وأقدر أيضا من هذه القبائل الخمس ملوك تونس وتلمسان ، لأن بني زيان الذين كانوا يُدعَون أولاد بني عبدالواد هم من قبيلة صنهاجة ومن سلالة مغراوة، حكموا تلمسان إلى أن استولى الأتراك عليها ..
.. وأما القبيلتان الأخريان، غمارة وهوارة، فإنهما استولتا على بعض الأقاليم وإن لم يكن لهما ملك ، بحيث يظهر جليا أن جميع الملوك الذين حكموا إفريقيا منذ انحطاط الدولة العربية، كانوا من هذه القبائل الخمس ..
ويتحدث مارمول عن شمال إفريقيا عموما، فتجده يصف مصر وإثيوبيا وبعض بلاد دول الساحل. كما فعل سابقه ليون الإفريقي، ونحن هنا نستشهد فقط بما يهمنا جغرافيا أي ما يحد المملكة المغربية الحالية وما يحيط بها من دول شقيقة.
« .. يقطن سكان السينغال على ساحل المحيط الغربي متحدرين من هناك شرقا إلى ممالح تغازي، وشمالا إلى حدود السوس وحاحا ودرعة التي يسميها المؤرخون العرب السوس الأقصى، ويتاخمون جنوبا بلاد كناوة، حيث توجد مملكتا ولاتة وتنبوكتو ..
.. وتبتدئ مواصل تركة في صحراء آير، وتمتد شرقا إلى صحراء توات وإقليمي تكورارين و ميزاب وجنوبا إلى صحراء أكدز ..
وفي بعض الأحيان نجد ما جاء به مارمول لا يتوافق مع ما ورد في المصادر العربية (كالاستقصا للناصري مثلا )، وأحيانا، يختلفان تماما، وربما هذا راجع إلى النطق ، أو المرور بين اللغات المختلفة عبر الترجمة . فلا ننسى أن الكتاب تُرجم من الإسبانية إلى الفرنسية ثم العربية و يعلم الله كيف كان الأصل و بأية لغة أو لهجة تمت كتابته .فسيتحدث عن قبيلة السكاكين و أولاد حداج مثلا عند حديثه عن القبائل العربية الوافدة وهو اسم لم أصادفه إلا عنده.
«.. إن السلالة الرئيسية لقبيلة السكاكين تسمى أولا حداج ، و أشرفُهم الذين أتى بهم مولاي يعقوب المنصور رابع خلفاء الموحدين و أمير المسلمين من مملكة تونس ، و أسكنهم بإقليم دكالة بمملكة مراكش وفي إقليم تادلا. فكانوا دائما ميالين للحرب … و يُطلق عليهم «شراكة»
لأنهم جاؤوا من الشرق ..
.. يعيشون في دواوير أو قرى مؤلفة من مائة أو مائة و خمسين خيمة ، منصوبة كلها بشكل دائرة ، و يُترك وسطها خاليا تُحبس فيه الماشية ..»
وهنا يمكن أن يتذكر من عاش في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي أن حديث البدو كان حول الخيمة و الحطة الذي يقصد بها المسكن في الشاوية ودكالة و بعض المناطق التي عمرتها قبائل بنو سليم وبنو هلال كعبدة .. و الذين جاء بهم الموحدون من تونس .
وهكذا سيتحدث مارمول عن :
أولاد عمران (لطالي) و عددهم 1500 فارس و 30 ألف راجل .. و أولاد عمران (دفتاتي) .. و أولاد عقو (المتفرقين في ثمانين دوارا) .. و أولاد سبيطة .. و أولاد بو عزيز ..
وكان يُنظر إلى هؤلاء ـ كما يقول مارمول ـ كأغراب ، حتى قبل أن يحتل البرتغالي مدينة آسفي « .. وللانتقام من هذه الإهانة انظمّ أعراب المنطقة إلى البرتغاليين فأصبحوا بوسائلهم أقوى من الشرقيين و حاربوهم بضراوة ..
على كل حال . بدأ العنصر العربي و البربري يتداخلان ، فتداخلت الأنساب وتمزغ العرب وتعرب الأمازيغ فلم يعد بالإمكان معرفة هذا من ذاك و لم تعد اللغة مقياسا ولا منطقة السكنى إلا في بعض البوادي . و نحن نعلم انتقال القبائل من منطقة إلى أخرى كلما صعد نجم أسرة و حكمت ،فهجّرت البعض و أسكنت البعض الآخر في مناطق السهول و قرب المياه ، وقد يفعل ذلك القائد أو الوالي أو خليفة السلطان نيابة عنه و دون أن يعلم أحيانا ..


الكاتب : عبد الله خليل

  

بتاريخ : 07/05/2022