أصول عبدة ، وتحديد مجالها 1- عيسى بن عمر العبدي.. قائد عبدة

تعود «الاتحاد الاشتراكي» من جديد لتحيي ذاكرة تاريخية لمنطقة عرفت عبر مراحل تاريخية جد مهمة أحداثا مازالت منقوشة من خلال الآثار الجغرافية أو ما تم تدوينه كإرث تاريخي لعصر اختلف فيه الباحثون، وحوله بعض المؤلفين إلى سيناريوهات بعيدة كل البعد عن الحقائق التاريخية، بل جعلوا منها أحداثا قابلة للفرجة، ولو كان ذلك على حساب تزييف مرحلة تاريخية مهمة .
نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..

يرتبط البحث في تاريخ عبدة، بشكل مباشر، بالبحث عن تجمع دكالة، على اعتبار أن عبدة كانت منصهرة ضمنها، ولم يكن بروزها على مسرح الاحداث التاريخية، إلا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لذلك سنحاول تتبع التطورات التي أدت الى ظهورها بشكل مستقل .
وعليه، فإن موطن عبدة الحالي، كان ضمن مجال دكالة، الذي يشمل منطقة شاسعة ممتدة ما بين أم الربيع شمالا ، وما وراء تانسيفت جنوبا. وقد ذكر (ابن قنفد)، الذي زار المنطقة حوالي (769هجرية/1370ميلادية). وتولى قضائها «أن أسفي هو أخر مرحلة من دكالة . كما حددها (ابن خلدون) في إطار واسع، يمتد إلى آسفي، حاضرة المحيط، وهي بذلك كانت تشمل حيزا أكثر اتساعا مما عليه الآن، بل بقيت محتفظة به إلى حدود القرن السادس عشر، حيث ذكر (الوزان)، الذي زار المنطقة، وتعرف على أحوالها، أن حدود ناحية دكالة، تبتدئ من تانسيفت غربا، وتنتهي على شاطئ المحيط شمالا، وعند وادي العبيد جنوبا، وأم الربيع غربا. وهي بهذا التحديد، كانت تشغل كل المنطقة الممتدة على طول المحيط غربا، وتجاور كلا من تامسنا شمالا، وهسكورة ورجراجة جنوبا. وهذه المساحة الشاسعة جعلها (الوزان) مسيرة أربعة أيام طولا، ويومين عرضا. وهذا ما اعطاها شكل مستطيل، ممتد على طول المحيط الأطلسي، يشغل حيزا أكثر مما هي عليه الأن ، وتدخل عبدة ضمنه، لذلك لا يمكن الحديث عن عبدة في هذه المرحلة ، إلا في اطار تجمع دكالة ..
إن الموقف الذي وقفته عبدة ضمن تجمع دكالة، من الدعوة الموحدية في منتصف القرن الخامس الهجري، ومخالفتها القبائل المصمودية الأخرى، يطرح تساؤلات حول مبررات خروج دكالة عن عصبيتها المصمودية، والانحياز إلى عصبية الدولة المرابطية، ولعل هذا الموقف هو الذي دفع ببعض (النسابين) إلى اعتبار دكالة من صنهاجة ….. والمهم في هذا الموقف هو ما ترتب عليه من نتائج كان لها أثر على مصير عبدة، ضمن تجمع دكالة.
لقد وقفت دكالة ضد الحركة الموحدية، وواجهتها بعنف لما كانت تشكله من شدة وكثرة، وكانت مواجهة عبد المومن صارمة وعنيفة، يقول عنها صاحب الحال الموشية …..(سار إليهم عبد المومن في أمم لا تتحصى، من الخيل والرجالة والرماة… فألجأهم السيف الى البحر، فقتل أكثرهم في الماء وأخدت إبلهم وغنمهم وأموالهم ).
فلا شك إذن ان عنف التدخل الموحدي، وشدة المواجهة، قد أدت إلى مضاعفات خطيرة، كان لها انعكاسها على مستقبل المنطقة، وبالأخص ما أحدثه ذلك العنف من فراغ، وفق هذا السياق تم استقبال القبائل العربية الهلالية من إفريقيا، في عهد عبد المومن الموحدي الذي نقل منهم الى المغرب الأقصى ألفا من كل قبيلة بنسائهم وابنائهم. ثم في سنة (582هجرية/1186 ميلادية) خرج يعقوب المنصور إلى إفريقيا فمهد أرجاءها، ونقل جمهور القبائل الى المغرب. فنزل بتامسنا البسيط الأفيج بين سلا ومراكش أواسط بلاد المغرب الأقصى، وافترقت جيوشهم بالمغرب إلى الخلط وسفيان وبني جابر …
يبدو ان التفكير في إعادة تعمير دكالة، بالعنصر العربي، كان يرمي إلى إعادة التوازن بين مختلف جهات المغرب، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
-تكسير شوكة العصبية الدكالية المصمودية، عن طريق زرع عناصر أجنبية داخلة مجال دكالة (لإلهائهم) بمشاكل داخلية يمكن استغلالها من طرف الدولة الموحدية .
-خلق حزام وقائي حول حاضرة مراكش، يتكون من عناصر عربية، معزولة عن أي عصبية قبلية، ولا ينتظر منها، إلا الولاء للسلطة المركزية .
-الاهتمام بالموارد الفلاحية للمنطقة، باعتبارها من السهول الغنية، لذلك اهتم المنصور الموحدي بتجهيزات الري …وامر بشق قناة زودت عبدة بالماء من الوادي الأخضر .


الكاتب : إعداد : محمد تامر

  

بتاريخ : 31/03/2023