أكدت على خصوصيات تشييدها: جمعية مختصة في صيانة التراث الحضاري تكشف عن ملاحظاتها حول «تدعيم وترميم» أسوار تارودانت

أعلنت الجمعية المحمدية لحوار الثقافات وصيانة التراث الحضاري لتارودانت عن تتبعها باهتمام بالغ وانشغال عميق، الأشغال الجارية من طرف مصالح وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة)، لتدعيم وترميم الأسوار العتيقة لمدينة تارودانت، على إثر ما لحقها من تصدعات وشروخ بينة، وما اعتراها من انهيارات تتفاوت أهميتها، بكثير من أبراجها ومقاطعها على امداد طولها الذي يربو عن سبعة كيلومترات ونصف.
وأكدت الجمعية في بلاغ لها أنها تثمن تدخل الوزارة الوصية على المباني التراثية بالمغرب، واهتمامها بالحفاظ على هذا الموروث التراثي الغني والمتميز، بعدما عانى لأمد طويل من الإهمال التام، وغياب الصيانة المطلقة، وتقديرها للعناية التي خصصتها لهذا الرمز الحضاري العريق، الذي أصبحت مدينة تارودانت بكل مكوناتها مقترنة بوجوده واستمراره، مشيرة في المقابل إلى أنه، انطلاقا من واجبها كجمعية تعنى بصيانة التراث الحضاري للمدينة، والسعي إلى صيانته وتثمينه، فإنها قد قررت تقديم خلاصات الاستشارات العلمية والتقنية التي أجرتها، بخصوص عملية التدعيم والصيانة الجارية حاليا، والتي أوضحت الجمعية «بناء على آراء عدد من الخبراء المختصين أنها لا تحترم عددا من الشروط والإجراءات العلمية والتقنية المتعلقة بالتدخل في أسوار تارودانت لصيانتها وترميمها»، وفقا لبلاغ للجمعية.
وأوضحت الجمعية، أن الملاحظات المسجلة، تهمّ «استعمال الشركة المنفذة للأشغال «الطوب» المصنوع من التراب النيئ المضغوط، لتدعيم أساسات الأسوار المتآكلة»، مبرزة أن هذه «العملية لم يتم استعمالها أبدا في أسوار تارودانت لا قديما ولا حديثا، وأثبتت الاستشارة العلمية أن الأسوار ترمم بنفس طريقة ومواد بنائها، أي بتقنية اللوح، حيث تستعمل منه مقاطع لا يتجاوز علوها 20 سم إلى 30 سم، ويكون ترابها مخلوط بكميات محددة من الجير والحصى، وتدك جيدا لضمان تجانسها مع الأجزاء القائمة. أما الطوب فمكوناته، وطريقة صنعه ووضعه لن تمكن أبدا من ذلك التجانس».
وأضافت الجمعية في بلاغها، الذي تتوفر «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة منه، أن الشركة «الشركة المعنية تستعمل «الأحجار» في إعادة بناء هياكل بعض الأبراج»، معتبرة أن هذه الخطوة «غريبة عن أسوار المدينة، ولا تلائم مكوناتها الأصلية المعروفة والمتوارثة، وإن كان بعضهم قد استعملها بشكل محدود في ترميمات سابقة وغير مؤطرة علميا، فإن الأمر أصبح يقتضي إزالتها، وإرجاع الأبراج إلى حالتها الطبيعية الأصلية «اللوح»، وليس تزكية مثل هذه التجاوزات والعمل على تزكية وضع سابق غير سليم». ونبّهت الجمعية نفسها إلى «أن رتق الشقوق والتصدعات التي لا يزال طرفاها قائمان، يقتضي استعمال الآجر الأحمر المشوي في الفرن، على أن تكون درجة مقاومته كبيرة، وليس من الصنف المتوفر عادة في الأسواق»، مذكرة كيف أن «للمدينة تجربة متميزة في هذا الشأن أثناء عملية إعادة بناء ما تهدم من المسجد الكبير بها»، مضيفة بأنه «يتم لحم هذا الآجر بملاط من الرمل المغسول والجير على أن يخمر لمدة كافية تصل إلى 20 يوما، وهو أمر لا يبدو أنه تم احترامه في الأشغال الجارية».
وشددت الجمعية على أن «البناء الترابي بالمدن العتيقة كتارودانت، ومراكش، وفاس، يخضع لتقنيات وأساليب حضرية، تختلف تماما عن البناء الترابي في قرى الجنوب، والجنوب الشرقي للبلاد، مثل جبال سوس، ودرعة، وتافيلالت … لذا لا ينبغي خلط الأمور، باعتماد نفس التقنيات والإجراءات هنا وهناك، وذلك لاختلاف نوع البناءات، وأدوارها، والأهداف المتوخاة من خلال هذا البناء»، مبرزة أن «التدخل في تراث حضاري عريق يربو تاريخ كثير من أجزائه ومقاطعه عن عشرة قرون، يقتضي أن يشرف على عملية التدخل مهندس معماري، يشترط فيه أن تكون له تجربة طويلة في ميدان ترميم وصيانة المباني التاريخية، وأن تكون له خبرة بمجال البناء الترابي وخصوصياته. كما أن الأمر يقتضي ألا يتولى تنفيذ الاشغال إلا مقاولة تتوفر فيها نفس الشروط المتمثلة في التجربة في ميدان ترميم وصيانة المباني التاريخية، والمعرفة العميقة بتقنيات البناء الترابي الحضري بالمدن العتيقة، التي تتقاسم نفس الخصوصيات».


الكاتب : عبد الجليل بتريش

  

بتاريخ : 29/11/2023