أنامل صناعها تنطق مهارة وإبداعا : «الصندالة الرودانية».. عنوان موروث تقليدي يقاوم من أجل البقاء

تشكل الصناعات الجلدية أحد أهم قطاعات الصناعة التقليدية بمدينة تارودانت، وذلك بفضل المهارة التي أبانت عنها أنامل الصناع التقليديين في الجمع بين الإبداع والتأقلم مع الاتجاهات الحالية . واستطاع هذا القطاع، الذي يعتبر مصدر فخر وأحد أهم تخصصات الصناعة التقليدية الرودانية، أن يواجه أعتى التغيرات التي هبت على أنماط الملبوسات، سواء على الصعيد المحلي والوطني أو العالمي، بفضل منتجات ذات جودة وتنافسية عالية في سوق موضة وألبسة عالمي يتغير باستمرار.

عراقة وقدم

تعتبر «الصندالة الرودانية» ، وهي نعال تقليدية مصنوعة من الجلد، من أقدم ما لبس في القدمين بالمغرب بوجه عام، وبتارودانت ونواحيها بوجه خاص، وتعد هذه الإبداعات عنوانا للموروث الثقافي المحلي، حيث لا يستقيم ارتداء اللباس التقليدي إلا رفقة «النعالة»، وغالبا ما يكون باللون البني الغامق.
وكان الصانع التقليدي الروداني قديما يستعمل في صناعة «الصندالة»، الإبرة والمقص والمطرقة والسندان، والتلصيق يكون بـ «الطحال» والخياطة بـ «السير العادي»، في حين تستعمل الآن آلة الخياطة وآلة التجميل وآلة أخرى عصرية، كما يتم استخدام مواد حديثة في التلصيق مثل، «السوميلة» و «الجلد العصري». ويمر المنتوج أو «المدة المزمع صنعها «من مراحل عدة بداية من مرحلة «الفصالة والتقطيع» ثم «الخياطة»، فمرحلة التركيب وأخيرا «الفينيسيون» ليصبح في النهاية جاهزا للاستعمال.
ويعتبر هذا النمط من الصناعة التقليدية طاغيا على المنتوج المحلي، حيث يتواجد بمختلف تراب الإقليم، ويتمركز بدرجة أكبر في مدينة تارودانت بالسوق الكبير جانب جامع الخرازة والرحبة القديمة، ويستفيد هذا النوع من الصناعة التقليدية من وجود دار الدباغة، والتي تمكن من توفير مادة أولية مهمة للصانع المحلي.
إن «الصندالة الرودانية» من الصناعات الجلدية القديمة بتارودانت، ومن أسسها وفرة جلود الماعز والغنم وحتى البقر، وتعتبر طائفة صناع الجلد من دباغين وخرازين و طرافين وسماطين، من أهم الحرف في الصناعة الجلدية، وذلك لكثرة من يشتغلون بها ويعيشون منها وبالتقاليد المراعاة فيها وقواعدها والطرائف والعوائد المرتبطة بها» يقول إبراهيم الياسيني، أستاذ باحث ورئيس جمعية «تارودانت بلادنا»، مضيفا في تصريح لـ «و.م.ع»: «أن التاريخ يشهد لمدينة تارودانت بشهرتها في مجال الصناعة الجلدية المعتمدة بالأساس على جلود ماشية المدينة و ضواحيها، وعلى بعض المواد الكيماوية كالملح و الشبة، كما يستعين الدباغون ببعض المواد النباتية لتلوين الجلود، كأوراق الجوز والأركان وقشور الرمان»، لافتا إلى «أن هذه الصناعة لقيت عناية فائقة في حقبة السعديين، حيث تطورت التقنيات رغم بساطتها، بسبب الاتصال بالعناصر الأجنبية الأندلسية والشرقية بالخصوص، فكانت صناعة الجلد مجالا لتفنن الصانع الروداني»، موضحا «أن الدباغين كانوا يجتمعون في حومة خاصة بهم تسمى «دار الدباغة» وموقعها ظل إلى وقت متأخر مجاورا لساحة «أسراك» شمالا، واستفادت من قرب سوق الجلد منها، فكانت بذلك تارودانت قبلة للتجار والصناع على حد سواء يتزودون منها بـ «الصندالة» و«البلغة» والجلد المدبوغ».

أصالة وتطوير

يونس لشكر، «معلم شاب»، صانع تقليدي بورشة صغيرة لتصنيع وبيع الصندالة الرودانية بسوق الخرازة بتارودانت، يشرح، في تصريح مماثل، «أن الصناع طوروا الصندالة التقليدية باستمرار لمواكبة أذواق الشباب، وأن المصممين الرودانيين أبدعوا في تطوير الصندالة والشربيل، واشتغلوا على سافلتها لتصبح أكثر راحة في الاستعمال، كما طوروا الكعوب وتفننوا في التطريز والأشكال».
المعلم ذاته كانت يداه لا تكفان عن العمل، وهو يتحدث عن عمله بصناعة الصندالة الرجالية والنسائية، والتي تحتوي على حزام أو أحزمة تلتف حول القدم لتثبيتها في مكانها على «النعلة،» التي يعد الجلد مادتها الأساسية في دار الدباغ، حيث تدبغ جلود البقر والماعز، وتلون بحسب الألوان الأكثر طلبا من قبل الصناع التقليديين المتخصصين في تقطيع قطع الجلد وفقا لمقاسات محددة، وبأشكال تتناسب والنماذج التقليدية التي تعرف بها «الصندالة».
وبشأن مستقبل هذا الإنتاج التقليدي، فهو يرى أنه» ما دام الشباب يتعلمون من آبائهم، وأجدادهم، حرفهم ومهاراتهم ، فهم قادرون على مواكبة الزمن والتطور»، داعيا الصناع التقليدين إلى «صون أصالة المنتوجات والعمل على ابتكار طرق جديدة».
وفي نفس المنحى، أكد صانع تقليدي آخر متخصص في الملبوسات الجلدية، «أن السر وراء جودة منتوجات الصناعة التقليدية يكمن في المواد الأولية المستعملة»، موضحا «أن دباغة وتحضير الجلد بدار الدباغة يتسم بخبرة متأصلة، تحتاج إلى كثير من المهارة والصبر، نظرا للتقنيات المتعددة للصناعات الجلدية»، مشيرا إلى «أن منتوجات الصناعة التقليدية تظل في متناول جميع الطبقات الاجتماعية،» علما بأن «كل منتوج تقليدي من هذه المنتوجات يعكس عملا فنيا يترجم مهارة الصانع التقليدي الروداني.»
هذا و تقدم الأسواق الرودانية عرضا متنوعا من النعال بأشكال متنوعة ومتجددة مع كل موسم جديد، حيث تمنح الأقدام تهوية جيدة وإحساسا بالراحة، ليظل «الصندال الروداني»، يزهو بألوان جذابة، تتناغم مع الملابس التقليدية والعصرية أيضا.


الكاتب : «و.م.ع»

  

بتاريخ : 15/12/2022