أنا ابن الحنين

 

أنا حفيد الأنبياء..
أنا وريث قبائل  بائدة،  صادقتْ التراب والنبات،  الطير والشجر، فلا  غرابة أن أرعى شياه حزني في حقول البكاء،  كما يليق بأبناء الحنين.
أنا سليل المواويل،  أمنيتي أن أرحل في الشتاءات القادمة، مبتهجا بدموع السماء… كأسلافي!
أنا ذلك الصبي، الذي كان يقصّ صور  الحيوانات الأليفة في عطل الصيف، يرصّها على شفير  الفرح، ويهش عليها بباقة من بداوة موؤودة، كأنما أكفر عن ذنب مشاركتي في  جريمة قتل قط صغير.. ذات جاهلية.
أنا من سيختار أن يصادق الدجاج، ويزهد في الحمام،  الذي  خذلني صهيل حنينه إلى سمائه الأولى.
عمري – الآن- خمسة وأربعون نحيبًا. يااااااه! أنا قريب من صقيع الغياب،  أنا أدنو من تلك الوحشة، أنا أسقي بدموعي تلك الحشائش، التي ستتسلق جدران النسيان، ومع ذلك  فقد  فشلت  فشلا ذريعًا  في استعادة قلب نسيته، تحت شجرة أوكالبتوس، ذات هاجرة بعيدة..
أنا، لآن، أربّي  كلماتي.. أحزاني فقط،  في  حديقة قلبي الخلفية، وأزهد  في الآخرين، ذلك الجحيم المنمق، أو بمعنى أدق: غابة حيوانات مفترسة!
أنا  بدوي يرفض أن  يتحول قلبه إلى حديقة حيوانات، يزورها الأطفال في نهايات الأسبوع، لأنني أخشى  عتاب تاريخ حافل من النبوات المعلنة وغير المعلنة، ذلك النور الذي يضيء عتمة سراديب صدري.
أنا  رجل فلاح  آثر أن يزرع الرثاء، الحنين والبكاء، في العامين الأخيرين، في  أحراش نصوصه..
أنا من  فاته أن يكون قاسيًا على  الآخرين، كأسلافه،  بينما تبذر أياديهم  الخشنة  عواطفهم  على رؤوس دوابهم.. في حنان فاحش.
عذرًا، لا أملك سوى دموعي أتصدق بها على الريح، لكي تنثرها على قبور منسية…


الكاتب : هشام بن الشاوي

  

بتاريخ : 25/04/2022