أنيس الرافعي ضيف «أنا والشعر» : متلازمة القندس الحذِر

في آخر حلقة من برنامجه «أنا والشعر»، استضاف بيت الشعر في المغرب والمُديرية الجهوية لوزارة الثقافة لجهة الرباط سلا القنيطرة، الكاتب والقاص أنيس الرافعي، وذلك يوم 20 دجنبر2020 .

 

وطّن مهندس «فن التجهيز القصصي في الفراغ» ، منذ بداياته الإبداعية الأولى «السيد ريباخا»، «البرشمان»، «اعتقال الغابة في زجاجة»، لمشروع تجريبي فارق ومغاير في القصة القصيرة المغربية والعربية، قاده إلى الاغتراف من ينابيع فنية موازية، ينصهر فيها التشكيلي بالقصصي، الشعري بالنثري في توليفة جمالية ترتهن للمغامرة والتصادي الخلاق.
عن علاقته بالشعر، يعود صاحب «متحف العاهات» إلى زمن الاستعادات والذكريات حين كان الشعر «رسنه المزدوج» الذي يشد به بيد واحدة زمام «حصانين أدهمين وثابين بزغا مبكرا في مرابع طوتي هما حصانا أبو الطيب المتنبي وحصان جبران خليل جبران» في إحالة على ميولات الأبوين، حيث درج حصان المتنبي وكبر في كنف وراحة الأب الطولى «المبسوطة كل البسط بأسرار الفقه والتراث والبلاغة»، وحصان جبران الذي «ترعرع بين مآقي الوالدة الممعنتين في الخيال المجنح والرومانسية الرهيفة ونداءات الغاب الموحشة».
عبر هذه المسيجة ذات اللفتين، تعرّف أنيس على التماعات الشعر البراقة في «حدوده الباسقة وحدوسه السحيقة» ليزاول بعد ذلك قراءاته المتأنية في «رحاباته الفلسفية ومضايقه الرمزية».
ورغم إعجابه بثراء المتنبي اللغوي والإيقاعي والإبداعي، وعافية براغماتيته في رؤيته للعالم، كان الانتصار لاختيارات الأم في نزوعها الشعري نحو روحانيات جبران وحزنه وجراحه السرية. اختيار ربطه، على الدوام، بالبحث عن «الجميل لا المتجمل، بالمقصي لا بالمقرب، بالمقيم لا بالزائل، وأساسا بالمهزوم لا بالمظفر» حتى أضحى همه الجوهري في قراءة الشعر – بالنظر إلى تعدد قراءاته وزواياها – هو البحث عن نقطة ما لا مرئية، تلك التي تجعل كل شي عميقا وقابلا لأن يقرأ وفق زاوية مغايرة ومختلفة عن ملامسة التلقي الأولى السطحية، أي القراءة التي تمسح غبار المغازي الذي «يحجب تلال الصميم وصفوة القول الشعري المقطر».
ولعل هذا الانتقال الواعي في رؤية أنيس الرافعي لجوهر الشعر هو ما جعله ينفتح على النهل من كل المرجعيات الكونية العليا، شرقا وغربا، متوجها نحو ورش تجريبي جديد يمكن أن نطلق عليه «تسريد الشعر» أو كما وصفه هو بـ «تجريب الشعر سردا في بعده الصوتي».
هذا الاختيار سيتجلى أكثر مع مجموعته القصصية «اعتقال الغابة في زجاجة» والتي كان مدارها جعل النص السردي في غمرة الحركة من خلال «سمفونية الأواني المستطرقة للجمل، علامات الترقيم، الحروف، الحركات، الاستعارات..»
في هذا السياق يؤكد صاحب «الحيوان الدائري» أن توظيف الشعر في هذه المجموعة كان بغرض المساهمة الجدية والنبيلة في تدمير العروض القصصي العتيق، بغاية خلق إيقاع حكائي جديد ومختلف، يتناسب مع مشروعه «فن التجهيز القصصي في الفراغ» الذي هو مشروع تجريبي بامتياز، يعترف صاحبه أن توظيفه هذا كان مُصاحَبا دوما بقلق مزمن من الناحية الجمالية، قلق نعته بـ»متلازمة القندس» ذلك الحيوان الذي يبني عشه ويحيطه بسد منيع خوفا من خطر داهم.
هكذا قادت «متلازمة القندس» المشاء في» أرخبيل الفزع» إلى محاذرة عدم انهيار هذا السد «هش البنيان (المشروع القصصي) «واهن الخيمياء، القائم بين النوعين والطرسين باختلاف إحالاتهما المرجعية».
وفي حذره هذا، يوظف أنيس الرافعي بنسب ومقادير دقيقة، المواد اللغوية الملائمة لانسيابية السرد وتدفقه في اتجاه «سرير النهر اللانهائي للحكايات».
تلك وصفته وسر مطبخه الداخلي، لذا تأتي قصصه الدائرية بنكهة ومذاق متفردين، فرادة اليد الخبيرة بصنعتها، والوفية للإدهاش والغرابة التي تجعل قارئها منساقا مع مسارات الأجرام وحركات الموتى وهسيس الأرواح البديلة، نحو تخوم المتعة القصوى للكتابة والقراءة معا.
يمتلكُ الرافعي في رصيده الإبداعي ما يربو على عشرين كتابا في القصة القصيرة، ما بين مجموعات ومختارات ويوميات سردية ومؤلفات تجميعيّة من أبرزها: السيّد ريباخا، البرشمان ، اعتقال الغابة في زجاجة ، علبة البّاندورا ، ثقل الفراشة فوق سطح الجرس، الشركة المغربية لنقل الأموات، أريج البستان في تصاريف العميان، مصحّة الدمى، متحف العاهات، خيّاط الهيئات، رحلة حول غرفة بفندق «ريتز»، عزف منفرد داخل نفق طويل، أرخبيل الفزع : كرّاسة محكيات المعزل 2020، مُستودع الأرواح البديلة، الحيوان الدائري.
شارك أنيس الرافعي في المهرجان العالمي للقصة القصيرة بتركيا سنة (2018)، و كذا في ملتقيات و ندوات دولية مخصصة للفنّ القصصي بالعديد من الدول العربية في كل من مصر والجزائر وتونس والإمارات والكويت والأردن.
ونال جوائز قيّمة مثل جائزة «غوتنبيرغ الدولية للكتاب»2013، و»أكيودي» الصينية 2014.
ترجمت نماذج من قصصه إلى الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية والإسبانية والصربية والفارسية واليابانية. كما ترأس وشارك في تحكيم العديد من الجوائز العربية مثل جائزة نيرفانا للقصة بالسودان، وجائزة الجزائر تقرأ للرواية بالجزائر، وجائزة القراء الشباب بالمغرب، وجائزة اسماعيل فهد للرواية القصيرة بالكويت.


الكاتب : متابعة : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 29/12/2020