أهمية التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية

يعـد مبـدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها ركيزة دستورية أساسية، نص عليهـا الفصـل الأول من الدستـور في فقـرته الثانية، وذلك لكي لا تتغـول سلطـة على أخـرى ويخـتـل التـوازن بينهما، وتتعرض الحقوق والحريات للإهـدار وتمس المؤسسات في استقرارها وانسيابية عملها وفي أدائـها للمهـام المنوطـة بها، وقد ضمـن دستـور المملكـة هـذا التـوازن، حيث وضع لـكـل سلطـة ومؤسسة مهامها على سبيل الحصر وجعلها في تكامل مع بعضها البعض، ويتجلى ذلك في الأبواب: الرابع، الخامس، السابع وكذا الفصول من 100 إلى 106 .
ومـن المهـام الأساسية المنوطة بالبـرلمـان ممـارسة الوظيفـة التشريعـية، مراقـبة العـمل الحكومي وتقيـيم السياسـات العمومية وهـذا ما أكـده الدستــور فـي الفصل الـرابع وتـرك أمـر التفصيل في كـيفية ممارسة الوظيفة التشريعية إلى النظام الداخلي لكل مجلـس وترك للمحكمة الدستورية مسألة البت في أي نـزاع ينشب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. كمـا أن إحـالـة النظام الداخلي على المحكمة الدستورية وجوبا تؤكد على رغبة المشرع الدستوري في تحقيق التـوازن درءا لأي تجـاوز للمقتضـيات الدستوريـة، وكـذا للفصل فـي أي نـزاع بيـن أعـضاء البرلمان في دستورية مواده من عدمها.
وقد لـوحظ في بداية الولاية التشريعـية الحالية 2021/2026، نـوع من اختـلال التـوازن بيـن السلطتين مـن خلال أحداث وممارسات وكـذلك الامتناع عن بعض الركائز الأساسية التي تحمي هذا التوازن.
ويتجلى هـذا الاختـلال في ضعـف تجـاوب الحكومة مع البرلمان من خـلال تمظهرات كثيرة، نذكـر منها ضعف استجابـة الحكـومة لأشغـال اللجـان النيابية وحضورها الخافت فـي الجلسات العمومية، ولوحظ أن رئيس الحكومة لم يمثل أمام المجلس طبقا للفصـل 100 من الدستور سـوى مرتين في الدورة الأولى ومرتين فـي الدورة الربيعية ، عوض مـرة فـي الشهـر، أي كـان من المفـروض حضوره أربـع مرات خـلال الدورة، كما سجـل تأخـرها فـي الإجابـة عن الأسئلة الكتـابيـة، كما تبيـن ضعـف تفاعـلهـا مع المبـادرة التشـريعية لأعضـاء البـرلمان بالجـدية اللازمة، وبالرجوع إلى مقتضيات النظام الداخلي نجد أن المواد 98، 100 و102 تتحدث عن ضرورة حضور أعضاء الحكومة للجان النيابية لتقديم التوضيحات اللازمة والبيانات التي يطلبها أعضاء البرلمان، والمادة 276 من النظام الداخلي تعطي أجل 20 يوما للإجابة عن الأسئلة، وكذا الفصل 82 من الدستور الذي نص على برمجة جلسة واحدة على الأقل كل شهر لمقترحات القوانين خاصة تلك المقـدمة من طرف المعارضة وكما هـو مبيـن
في المادة 278 من النظام الداخلي، وهو ما لم يتم الالتزام به خلال السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية الحالية 2021-2026.
وقد اتضح أن هذه المقتضيات يتعامل معها في كثير من الأحيان بنوع من الاستخفاف ولا يتم احترامهـا رغـم كـل مطالـب فـرق المعارضة بتطبيق واحترام الدستور والنظام الداخلي، وهنا لابـد من استحضار البدايـة التي تميزت بخرق مقتضيات الدستور والنظام الـداخلي مـن خـلال تغــول الأغلبية على المعارضة ومصادرة حقـوقها الواضحة بنـص الدستور والنظـام الداخـلي حيث لـم يتم إشراكها في مراقبة مالية المجلس من خلال منحها منصب المحاسب أو الأمين طبقا للمادتين 23 و72 من النظام الداخلي لمراقبة مالـية المجلس واحـتساب الأصوات وتسيير الجلسات العامة خاصة التشريعية منها.
كما يـمكن تسجـيل البدايـة المتعـثـرة وضعـف الاهـتمام بالـوقـار والاحتـرام بـين المؤسستين والسلطتين التنفـيذية والتشريعية مـن خـلال بـدء تسلـيم السلـط بيـن الـوزراء قـبل التنصيـب البرلماني، والمثير في هـذا المسلسل هو أن تطور العلاقـة بين المؤسستين يمكن تصنيفـه أن المؤسسـة التشريعية أصبحـت تمارس نوعا من التبعية للمؤسسة التنفيذية من خلال مسايرتها في كـل القرارات والإجـراءات عبـر إملاءات واضحة في البرمجة وفي التفاعل مع القضايا التي يطـرحها نـواب الأمـة خاصة المعارضة، وهـو ما يهـدد التـوازن والتعـاون والاحتـرام المفروض أن يكـون بين هاتـين السلطتين، وتجـدر الإشـارة هنـا إلى أن رئاسة الحكومة ورئاسة المجلس من نفس الحزب.
ولوحظ كذلك أن السلطة التنفيذية حاولت التدخل في شؤون السلطة القضائية من خلال بعض الممارسات نـذكر منها على سبيـل المثال ما قاله وزير العـدل حول منع الجمعيات مـن التقدم بشكايات في مختلف القضايا خاصة منها حماية المال العام، وهوما تعهد الوزيـر بعدم استمراره وكأنه سيمنحنا قانونا جنائيا غيـر قابل للمناقشة والتطويـر والمصادقة، وكأن السلطة القضائية لا دخل لها في إعداد السياسة الجنائية ببلادنا.
وكمثال آخر مـن الوزير المنتـدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكـومة حين عبر في نـدوة صحفية أن اجتمـاع لجنة برلمانية غير قانوني وهذا حكم مطلق وتدخل واضح في أشغال البرلمان وأشغال اللجان الدائمة.
كلها أدلـة توضح أن الحكومة تعتبر البرلمان ملحقة تابعة لها تفعـل فيه ما تشاء بدعـوى أنهـا تـتوفـر على الأغلبية، وهي التي تسيـر المجلسيـن ولا أحـد يمكن أن يوقـفهـا، أما المعارضة والفصل 10 مـن الدستور فهما آخـر شيء تفـكـر فـيه ضاربـة بعـرض الحائط كـل التجارب السابقة التي حرصت دائما على تدبير شؤون المجلسين بطريقة جماعية وتوافقية تأخذ بعين الاعتبار كل الحساسيات السياسيـة التي تشكـلـه، ثم أن هنـاك أعرافا برلمانية لازمت الحياة البرلمانية الوطنـية منـذ التأسيـس إلى حـدود الولاية السابـقـة، وقـد شكـلت الخطــب الملكيـة الموجهة إلى نواب ومستشاري الأمة عند افتـتاح البرلمان خارطة طريق، من خلالها ما فتئ جلالـة الملك يوجه مكونات البرلمان إلى تقـديم المصلحة العليا للبلاد على المصالح الحزبية الضيقة، عبـرالاهتمام بانتظارات المغاربة والعمل على حلحلة كل القضايا العالقة مع احـترام تـام للقواعد الأخلاقية والدستورية ذات الصلة خاصة المتعلقـة بالأدوار المنوطة بكل سلطة.
وفي الأخير، لابـد من الإشـادة بـما حققـته بلادنـا على مستوى حمايـة المؤسسات مـن كـل انحراف قد يصيبـها في مرحلة من المراحل، والدور الفاعـل للتحكيم الملكي حماية للدستور والقوانين الجاري بها العمل ولكي لا تتغول سلطة على سلطة أو مؤسسة على أخرى. وهذا النموذج المغربي الفريد بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله جعل بلادنا نموذجا في محيطها الإقلـيمي والجهـوي، وعليـه فإن المكتسـبـات التي حقـقـتها بـلادنـا تـلـزم الفاعـليـن السياسيين ببذل كل الجهود من أجل صيانتها وتنميتها في الاتجاه الذي يحمي بلادنا من كل الأزمات كيـفما كان نـوعها ويـبقي على ريادتها القارية فـي مستـوى نضـج مؤسسـاتـها وتطورها.

(*)رئيس لجنة البنيات الأساسية
والطاقة والمعادن والبيئة


الكاتب : محمد ملال (*)

  

بتاريخ : 11/06/2022